بعد مرور أكثر من خمسة أشهر على انتهاء عملية الانتخابات البرلمانية العراقية في 12 أيار/مايو الماضي وبعد صراع مرير بين الكتل والأحزاب ولدتْ الحكومة العراقية المشوهة من رَحم محاصصة طائفية ظالمة بولادة قيصرية فاشلة ليُنصّب عادل عبد المهدي رئيساً لها في الثالث من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، ومع تكليف عبد المهدي لرئاسة الوزراء، طفت على السطح الخلافات بين الفرقاء السياسيين في اختيار الكابينة الوزارية حيث تمّ التصوّيت على 14 وزيراً، وأُجّل التصويّت على وزارات سيادية منها الدفاع والداخلية، بسبب الصراعات التي ظهرت إلى العَلنْ، بين القوائم الكبيرة، التي شهدت انشقاق وانسحاب كتل منها، فقد فشلت هذه الأحزاب الطائفية الحاكمة، والقوائم الكبيرة من حسم موضوع تشكيل حكومة عراقية، خارج نظام المحاصصة الطائفية، وإنقاذ العراق من وحل الفشل الإداري والفساد الذي غرقت فيه هذه الأحزاب، منذ احتلال أمريكا للعراق ولحد الآن، والذي بسببه وصل العراق ليكون أفشل وأفسد دولة في العالم، حسب التقارير الدولية، لأن هذه الأحزاب التي جاء بها الاحتلال البغيض، جاءت لنهب وسرقة ثروات العراق ليس إلاّ، ولم تأت لخدمة العراق كما تدعي، وإنما جاءت بحثا عن المكاسب والمغانم والاستحواذ والتفرد بالسلطة، كقوة تساعدها في الإجهاز على ثروة وسلطة العراق والتحكّم بها حسب أهوائهم ولتنفيذ مشاريع الاحتلال في تفتيت البلد وتدميره. فرئيس الوزراء الذي اختار أن يبدأ عهده بخطوة تثير الضحك والاستياء في الوقت نفسه فقد دعا العراقيين الراغبين لأن يصبحوا وزراء إلى التقديم لمناصب الوزراء على موقع إلكتروني رسمي، في حين إن الشخص العراقي البسيط فضلاً عن حملة الشهادات العليا لا يجدون لهم موقعاً في دوائر الدولة بأجر يومي يسد أبسط حاجتهم الأساسية بعد أن حُصرت الوظائف بيد قادة الأحزاب والمليشيات! وهذا الرئيس الذي لا يؤمن بوحدة العراق، ويطالب بانفصال كردستان عن العراق، ويقول سأعمل على هذا من خلال منصبي، عليه قضايا فساد بالأدلة والاعترافات والوثائق في قضية بنك الزوّية وعقود النفط عندما كان وزيرا للنفط وغيرها من ملفات الفساد، جاء بتوافق الأحزاب المتنفّذة المتصارعة فيما بينهما على النفوذ والمغانم، ففرض على الجميع، كحلٍ توافقي في اللحظة الأخيرة، قبيل انتهاء دستورية الانتخابات، ناهيك عن الضغوط الهائلة والتهديدات المباشرة، لقاسم سليماني لأجنحته في بغداد لقبول ترشحه، إلا أن العقدة الكبرى في الكابينة الوزارية هي وزارتا الدفاع والداخلية، فبعد أن تم الاتفاق داخل الوطنية على ترشيح سليم الجبوري لوزارة الدفاع، فإن "سائرون" ترفض فالح الفياض لتسنم وزارة الداخلية، علما أن المواصفات التي اعترض عليها "سائرون" في فالح الفياض هي نفسها موجودة في سليم الجبوري. فقد كشف النائب عن تيار الحكمة علي البديري أن "هناك ضغوطات على عبد المهدي لاختيار وزيري الداخلية والدفاع، ولو لم يكن هناك ضغوطات لتمّ حسم اختيار الوزراء منذ زمن، وإلا ما الذي يؤخر حسمها، وهذا دليل واضح على أن القرار ليس بيد رئيس الوزراء، والسؤال المنطقي: هل يعقل أنه ليس بين 35 مليون عراقي كفاءات قادرة على إدارة وزارتي الدفاع والداخلية". ثم قال "كنا نتوقع من رئيس الوزراء، الشجاعة والقوة، وهو أمر لم نجده عنده، حيث خضع لرغبات وطلبات قادة الأحزاب في اختيار الوزراء، وهي مصيبة كبيرة". بينما كشفت عضو "ائتلاف النصر"، ندى شاكر، في تصريح، الأحد، 11 تشرين الثاني 2018، أن رئيس الوزراء عادل عبد المهدي أخبرهم (بكل وضوح) أن "سائرون" و"البناء" هما من شكّلا الحكومة وأنه لم يختر إلا خمسة وزراء. ولفتت شاكر، إلى أنه "كما يبدو أن رئيس الوزراء ليس هو من شكل الحكومة وهذا ما جعلها تخرج في بداياتها بشكل مخزٍ في أول 14 وزيرا، هنالك أربعة متهمون بالفساد والإرهاب، والأغلب بعيدون عن التخصص والخبرة". أما السيد مقتدى الصدر الذي ذكر بأن "لديه أدلة تتضمن تسجيلات صوتية ورسائل هاتفية تبادلها المتورطون مع سياسيين بخصوص بيع حقائب وزارية بينها الداخلية والدفاع والتربية"، وخص في التصريحات نفسها حليفه زعيم كتلة الفتح "بالتورط في صفقات بيع حقائب وزارية ومناصب مقابل عشرات الملايين من الدولارات"، الأمر الذي أجبر رئيس الحكومة عادل عبد المهدي على إعلان تعهده "بالتحرك خلال ساعات إذا حصل على معلومات مؤكدة عن بيع وشراء المناصب والحقائب الوزارية". إلا أن هذه الفضائح سيجري التستر عليها وكأن شيئا لم يكن كعادة الحكومات السابقة ولا يغير من هذه الحقيقة تقديم كبش فداء احتفالا ببراءة جميع المتهمين.
إن عملية بيع وشراء الوزراء والمقاعد البرلمانية والمناصب العليا، ليست جديدة لجهة الحكومات السابقة، لكن الفرق هذه المرة أن الشهود من أهل البيت وبطريقة علنية بالصوت والصورة. ليس هذا فحسب، وإنما نسمع ونرى كل يوم شهوداً آخرين، ومن أهل البيت أيضا، يؤكدون على طائفية الحكومة وفساد العديد من أعضائها.
إن أي متابع بسيط للشأن العراقي يستطيع الوقوف على حقيقة الحكومة الجديدة، وعلى الادعاءات الفارغة والأكاذيب المكررة، فهي قد فضحت نفسها بنفسها، خاصة فيما يتعلق بالوعود والتعهدات التي قطعها عادل عبد المهدي على نفسه، حول تشكيل "حكومة مستقلة نزيهة بعيدة عن الطائفية وبعيدة عن الفاسدين والمحاصصة". ومعروف ما حدث، حيث تراجع الرجل عن وعوده بقدرة المليشيات المسلحة والتدخل الإيراني، وفسح المجال واسعا أمام الكتل والأحزاب الطائفية، لتنال 11 وزيرا من بين 14 وزيرا تم التصويت عليهم، واكتفى بمنصب عريف الحفل لجلسة البرلمان المخصصة لمنح الثقة للحكومة. إذ ليس بإمكان عادل عبد المهدي ولا غيره التمرد على نظام المحاصصة، أو التلاعب بالحصص، أو حتى تدوير الوزارات فيما بين الكتل والأحزاب الطائفية، بحيث أصبح منصب رئيس الجمهورية مسجلا باسم "الكرد" ورئاسة مجلس النواب باسم "السنة" ورئيس الحكومة باسم "الشيعة"، وحتى الوزارات صارت مشمولة أيضا بهذا النظام المقيت، فوزير الدفاع للسنة والداخلية للشيعة والمالية للكرد. هذه المحاصصة التي ابتكرتها أمريكا، هي كلمة السر لتقسيم المجتمع في العراق تمهيدا لتقسيم العراق، وهي في الوقت نفسه، الحصن المنيع لأدوات الاحتلال، من الأحزاب والكتل الطائفية والمليشيات المسلحة، بل شملت أيضا العصابات والمافيات التي انتشرت في الآونة الأخيرة بشكل واسع.
هذه الحكومات المتعاقبة وبهذه المواصفات السرطانية، تمثل، بالنسبة للمحتل الأمريكي، آلية سياسية، لحكم البلاد بطريقة مباشرة وغير مباشرة، بعد فشله في حكم البلاد عبر الحاكم العسكري جي كارنر والحاكم المدني بول بريمر، جراء اندلاع المقاومة العراقية وتكبيد قوات الاحتلال العسكرية خسائر جسيمة.
هذه الحالة المزرية التي وصلت إليها هذه الحكومة الجديدة، هي ذاتها التي مرت بها الحكومات السابقة، كونها نتيجة للسبب نفسه الذي لم يتغير. والمقصود هنا الانتخابات المزورة وقانونها المعوج، الذي أشرف على تصميمه الحاكم المدني للعراق حينها بول بريمر، حيث اعتمد هذا القانون على نظام التمثيل النسبي، ونظام الدوائر على عدد المحافظات وتوزيع المناصب على أسس طائفية وعرقية، الأمر الذي يؤدي حتما إلى آلية عمل تستند إلى سرقة ثروات البلاد وإشاعة الفساد المالي والإداري، وارتكاب الجرائم بكل أنواعها. بمعنى آخر، فإنه ليس غريبا أو مستغربا أن تشكل الحكومة الجديدة امتدادا للحكومات السابقة، بصرف النظر عن لباس الواعظين أو الشياطين الذي ترتديه كل حكومة على حدة. فضلاً عن الدستور الملغم بالمواد والقوانين التي تجعل البلد رهينة للمحتل الأمريكي ومرتعاً للفساد ونهب الخيرات. إن أهل العراق قد امتلأت قلبوهم قيحا وصدروهم غيظا من هؤلاء الحكام المجرمين وما أحدثوه في البلد من دمار وخراب وفساد حتى أصبح العراق الرقم الأول من بين البلدان في الانحطاط والتخلف والفقر والفساد...
إن ما حلّ بالعراق وما يحلّ في أي بلدٍ من بلاد المسلمين من احتلال وسيطرة وتحكّم للكفار لا يمكن أن يكون لولا رضا الحكام وسكوتهم، أو تآمرهم معهم على المسلمين، وما قبولهم بالخصخصة والاستثمار الأجنبي والمحاصصة الطائفية في بلادنا إلا دليل قريب على ذلك، ودليل واضح بيّن على مشاركتهم في هذا المخطط الشنيع الذي أحكم تخطيطه وتنفيذه الكافر المحتل لنهب ثروات الأمة وخيراتها، وليحكم قبضته عليها. فلا ينبغي أن يتوقع أحد من الناس أن يأتيه خيرٌ من هؤلاء الحكام وحكوماتهم الظالمة، ولا من هؤلاء الكفار، أعداء الله ورسوله، بل ويجب علينا جميعاً دفع هذا الكافر المحتل، وإخراجه من بلادنا وكافة بلاد المسلمين.
بقلم: الأستاذ علي البدري– العراق
رأيك في الموضوع