إن الناظر في الأحداث والمستجدات على الساحة اليمنية بين المتصارعين الدوليين أمريكا وبريطانيا؛ الدولتين اللتين بيدهما قرار استمرار الحرب وإيقافها في اليمن، يدرك أن هناك توافقاً على سرعة إنجاز الحل السياسي في اليمن، إلا أن هناك ملفات شائكة قد لا تجعل الحل سهلاً ميسوراً عما قريب، فرغم موافقة الحوثيين على إشراف الأمم المتحدة على ميناء الحديدة خاصة بعد الضغوط التي مارسها عليهم الموالون للإنجليز (الإمارات وقوات هادي) في الحديدة حيث كادوا يأخذونها منهم لولا إنقاذ الأمم المتحدة للحوثيين بإيعاز أمريكي وذهاب وفد أممي أمريكي إلى الحديدة مصاحباً للمبعوث البريطاني لإيقاف الحرب هناك، حيث إن أمريكا تريد للحوثيين في اليمن البقاء والمشاركة في الحكم ولا تريد تعريضهم لضربة قاضية، فهي قد أعطت الضوء الأخضر لعاصفة الحزم وعميلتها السعودية للقيام بحرب في اليمن لإنقاذ الحوثيين وإضفاء المظلومية عليهم أمام العالم، وما مبادرة جون كيري السابقة التي كانت تهتم بإشراك الحوثيين في الحكم والتمكين لهم بحجة أنهم جماعة صغيرة إلا أكبر دليل على ذلك، وها هم الحوثيون الذين يهتفون بـ"الموت لأمريكا" يجعلون لأمريكا وأممها المتحدة سبيلاً على اليمن وميناء الحديدة حيث لم نسمع منهم أي استنكار لما تخطط له الأمم المتحدة التي تريد استلام مقدرات البلاد وجعل البنك وصندوق النقد الدوليين هما المتحكمين باقتصاد البلاد، مع أن الأمم المتحدة والصندوق والبنك الدوليين هما من أدوات أمريكا، بل نراهم موافقين على ذلك وبلا حياء!!
إن عملاء الإنجليز، خاصة ما يسمى بشرعية الرئيس هادي، يصرحون أنهم لا يوافقون على تسليم الميناء لتشرف عليه الأمم المتحدة مع بقاء مدينة الحديدة تحت سيطرة الحوثيين، وربما يوافقون على هذا إن كانت هذه الخطوة في إطار الحل السياسي الشامل حيث يكونون من ضمن الحكومة التوافقية التي يعمل المبعوث الأممي لتشكيلها في حال تمت الضمانات والتطمينات لهم بذلك، أما إن لم تكن هذه الخطوة في إطار الحل السياسي الشامل فمن المرجح عدم الموافقة عليها وستستمر الخروقات للهدن غير المعلنة حتى يفرض هادي والإمارات واقعاً جديداً يجعلهم شركاء على الأقل في إدارة الميناء والإبقاء على قواتهم في المناطق التي سيطروا عليها هناك دون انسحاب وفرض شروطهم من موقع قوة.
ومهما يكن من أمر فإن الحلول الأممية هي حلول متحيزة لصالح الدولة الكبرى المؤثرة في العالم، وإن كان هناك حل وسط فلن يكون فيه حل جذري بل هو مهدئات ومسكنات وتفخيخ إلى حين...
سيختلف المتصارعون إن حصل تسليم للميناء لإشراف أممي على البنك الذي تجبى إليه واردات الميناء هل هو بنك الشرعية في عدن أم بنك الحوثيين في صنعاء، وهذا سيقود لجعل البنك وصندوق النقد الدوليين والأمم المتحدة تعمل لخطة توحد فيها البنكين في كل من عدن وصنعاء والقيام بصرف الرواتب ومعاملة كل من شرعية هادي والحوثيين على حد سواء، حيث سيتم تحجيم الشرعية الموالية للإنجليز ومساواتها بالحوثيين المدعومين أمريكياً، واللافت أن الرئيس هادي لا زال في أمريكا بحجة الفحوصات الطبية وربما كان لزومه هناك لتهيئة الأجواء لإجراء المفاوضات وإنجاح الحل السياسي كون الحوثيين يريدون المفاوضة أيضاً على منصب الرئاسة، فتم تحجيم دور هادي وإبقاؤه في أمريكا بعيداً عن الأضواء وإبقاؤه رئيساً رمزيا وذلك لإرضاء الحوثيين الذين يرفضون شرعيته وحفظاً لماء وجههم.
إن الحل في اليمن صعب المنال لتعدد اللاعبين المحليين والإقليميين وتشابك المصالح محلياً وإقليمياً للدولتين المتصارعتين أمريكا وبريطانيا؛ فبينما تريد بريطانيا الضغط على السعودية عميلة أمريكا في ملف الحرب في اليمن فهي في الوقت نفسه لا تريد أن يبقى الحوثيون كقوة مؤثرة في اليمن تهدد مصالحها، وكذلك أمريكا فهي وإن كانت تريد تحجيم دور إيران في المنطقة وأهمها اليمن لكنها تريد ترويض الحوثيين لقبول الدور السعودي الذي تريده والحفاظ على ماء وجه عملائها من آل سعود، ومع ذلك كله فهي أيضا تخشى إن طالت الحرب في اليمن أن يخرج عملاؤها منهكين وتصبح الإمارات عميلة الإنجليز هي المسيطرة على ملف اليمن حقيقياً بما لها من قوة نفوذ سياسي أو عسكري على أرض الواقع، مما يجعل بريطانيا هي صاحبة النصيب الأكبر إن طالت الحرب في اليمن.
إن الوضع الاقتصادي الذي بدأ الريال اليمني يتعافى فيه مع زيارة المبعوث الأممي بغرض تهيئة الأجواء للحل السياسي وإنجاح مهمة المبعوث البريطاني يثبت صحة ما قلناه مراراً من أن الحرب الاقتصادية هي حرب مفتعلة لاختراق الأزمة بحجة التدهور الاقتصادي والوضع الإنساني، وإن لم يحصل الاتفاق فسيكتوي أهل اليمن بحرب اقتصادية مجدداً تكون أشد وطأة عليهم من الحرب العسكرية المدمرة، وهكذا يكون أهل اليمن في جميع الأحوال هم الخاسر الوحيد، وإن الخلاص كل الخلاص مما هم فيه لا يكون إلا في ظل حكم الإسلام ودولته دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي ندعوهم إلى العمل معنا لإقامتها إرضاءً لخالقهم وإبراءً لذمتهم وإنقاذاً لهم مما هم فيه من بؤس وشقاء.
بقلم: الأستاذ عبد المؤمن الزيلعي
رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية اليمن
رأيك في الموضوع