قال مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا غسان سلامة لصحيفة "الشرق الأوسط" نشر يوم 14/10/2018: "هناك دول تتبنى هذا الطرف أو ذاك في ليبيا، ونحن نعلم ذلك، ولكن هناك أيضا مجلس الأمن واضح، ويصدر تقريرا نصف سنوي يشير إلى التدخلات الخارجية ويندد بها، ويدعو إلى احترام حظر السلاح أو المشاركة العسكرية في ليبيا". علما أن دول مجلس الأمن الدائمة العضوية هي التي تتدخل!
وقال: "هناك تنافس بين إيطاليا وفرنسا، كان حادا، ولم يعد بنفس الحدة الآن". علما أن إيطاليا تتحرك في ليبيا بدعم من أمريكا. والدليل على ذلك هو قيام وزير الداخلية الإيطالي ماركو مينيتي بمهمة رسمية خلال زيارته لواشنطن في بداية الشهر الثاني من هذه السنة وعقده اجتماعات مع مسؤولين هناك نتج عنها التوصل إلى "استعداد واشنطن منح تفويض لإيطاليا في ليبيا بهدف تحقيق الاستقرار هناك" كما نقل موقع "بوابة ليبيا" عن صحيفة "لاستامبا" الإيطالية يوم 4/2/2018 وقال: "أمريكا يمكنها متابعة تحركات تنظيم الدولة بدقة وإنها تملك كنزا من المعلومات ويمكن توظيفها بشكل مشترك..". فإيطاليا دولة استعمارية قديمة استعمرت ليبيا، وهي تريد أن تعود للاستعمار، وتدعمها أمريكا ضد المستعمر الفرنسي في محاولة من أمريكا ضرب المستعمرين الأوروبيين ببعضهم بعضا حتى تتفرد هي بليبيا وتصبح صاحبة النفوذ وتتمكن من استعمارها ونهب ثرواتها بدلا من الأوروبيين.
ونقل الموقع الليبي عن عضو البرلمان الليبي صالح فحيمة قوله: "إن إيطاليا تأمل في القسم الأكبر من "الكعكة" الليبية كونها المستعمر القديم ونواياها لا تخفى على العالم فضلا عن الليبيين أنفسهم لكن مسألة التفويض الأمريكي فهو بمثابة "عطاء من لا يملك لمن لا يستحق". نعم ذلك صحيح، ولكن الأطراف الداخلية هي التي تستعين بمن لا يملك ليعطي لمن لا يستحق ليصبح هو صاحب الملك في البلد"!
فمبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا يعلن بكل صراحة أن موضوع ليبيا هو منحصر في التدخلات الخارجية وأن الأطراف الداخلية مرتبطة بهذا الطرف الأجنبي أو ذاك. فهذا هو سبب الأزمة الليبية؛ التدخل الأجنبي وارتباط الأطراف الداخلية به.
ونقلت صحيفة "ذا صن" البريطانية يوم 9/10/2018 عن مصدر حكومي رفيع بأن "الاستخبارات البريطانية أبلغت رئيسة الوزراء تيريزا ماي بأن بوتين يريد تحويل ليبيا إلى سوريا جديدة واستخدام قواته هناك للتأثير على الغرب.. وإن العشرات من ضباط وكالة الاستخبارات العسكرية الروسية وعناصر من قوات "سبيتسناز" وهي وحدة القوات الخاصة التابعة للجيش الروسي موجودون بالفعل في شرق ليبيا ويقومون بمهام تدريب ومراقبة، وهناك قاعدتان عسكريتان روسيتان تعملان في مدينتي بنغازي وطبرق تحت غطاء شركة روسية عسكرية خاصة تسمى "فاغنر" لها مقرات في ليبيا". فنقلت وكالة سبوتنيك الروسية في اليوم نفسه الرد الروسي على لسان ألكسندر كرامارينكو مدير التطوير في المجلس الروسي للشؤون الخارجية متهما بريطانيا بقيامها بحملة تستهدف الوجود الروسي في ليبيا وواصفا ذلك "بالمزاعم والحملة المدبرة التي تستهدف القوات المسلحة الروسية.. بالطبع لا يمكن أن يقبل الأنجلوسكسونيون أعني البريطانيين والأمريكيين ونخبهم أنهم يواجهون حقيقة أننا قادرون بذكاء استعراض القوة العسكرية أي بإظهار الاعتدال وإجراء عمل دبلوماسي متعدد الأوجه في الوقت نفسه مع جميع اللاعبين".
فبريطانيا تفضح الدور الروسي وتعرف أن أمريكا هي التي تدفع روسيا لتلعب دورا ضد النفوذ الأوروبي. فروسيا مطية أمريكا في الشرق الأوسط، ولا تستطيع أن تتدخل في بلد من بلدان الشرق الأوسط إلا بإيعاز أمريكي. وكأن الروس ملتزمون من طرفهم باتفاقية فينّا عام 1961 بين رئيسهم السابق خرتشوف ونظيره الأمريكي كنيدي على أن الشرق الأوسط منطقة أمريكية، ولا تتدخل فيها روسيا إلا بإذن أمريكي، ويتعاونان ضد النفوذ الأوروبي. وقد رأينا مثل ذلك في سوريا، فلم يجرؤ الروس على التدخل فيها مع مرور سنوات على اندلاع الثورة فيها ضد حليفهم النظام السوري إلا بعدما أوعزت أمريكا لهم عندما اجتمع الرئيس الأمريكي السابق أوباما مع رئيسهم بوتين يوم 29/9/2015 في نيويورك وناقش معه موضوع سوريا فما إن عاد بوتين من هناك حتى استصدر من مجلس الدوما موافقة على التدخل في سوريا، وأعلن عن البدء به في اليوم التالي وظل التنسيق الأمريكي الروسي مستمرا حتى اليوم.
وهكذا دفعت أمريكا عميلها حفتر للاتصال بروسيا ليقوم بزيارتها مرتين عام 2016 حتى تعينه على الاستيلاء على المناطق الأخرى وخاصة بنغازي والتي تمكن من السيطرة عليها في شهر تموز عام 2017 ومن ثم محاولته للسيطرة على طرابلس حتى يستولي على الحكم لتأمين النفوذ الأمريكي هناك مقابل أن يصبح رئيسا لليبيا. فهو يرتبط بأمريكا ويطلب مساعدة روسيا لتحقيق مآربه الشخصية على شاكلة كافة العملاء.
هذا واقع ليبيا: تدخل خارجي من قبل الطامعين من المستعمرين الأوروبيين إلى المستعمر الأمريكي الذي يسعى للحلول محلهم إلى روسيا الطامعة بتحقيق وجود لها في ليبيا والتي تدفعها أمريكا لتلعب دورا ضد الأوروبيين.
فأمريكا تدرك مطامع الإيطاليين لحاجتهم إلى ثروات ليبيا من النفط والغاز والثروة السمكية لدعم اقتصادهم المتردي، وفرنسا بحاجة إلى ذلك، كما أن بريطانيا بحاجة إلى ذلك، وأمريكا تريد أن تحول دونهم وهذه الثروات حتى تستحوذ هي على النصيب الأكبر منها.
وهذه هي المصيبة: دول استعمارية متكالبة علينا وعملاء يتبعون هذه الدول الاستعمارية.
ولكن هذه الدول الاستعمارية مهما كانت قوية لا تنال خيرا لو كانت أمتنا محصنة من العملاء الذين يوالون الكفار. فكل همهم هو تحقيق مآربهم الشخصية، فلا يضيرهم موالاة الكفار كما كان يفعل مرضى النفوس من المنافقين والمرجفين وأصحاب الذمم الرخيصة على عهد رسول الله e، ولهذا أنزل الله سبحانه وتعالى آيات عديدة بتحريم ذلك والحذر منهم وإبعادهم عن مركز القرار والتأثير وفضح تعاملهم مع الكفار.
وتحصين جسم الأمة من الفيروسات العملاء طريقه هو النشاط الدؤوب للمخلصين الواعين بنشر الأفكار الإسلامية الصافية في الأمة وخاصة التي تتعلق بالحكم والسياسة، وضرب الأفكار الدخيلة من علمانية وديمقراطية وحريات، وفضح خطط المستعمرين وعملائهم وارتباطاتهم والعمل على إسقاطهم، والعمل على قيادة الأمة والانطلاق بها ومعها بكل عزم وثبات لإقامة دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة والتي ستكسر أرجل المستعمرين والطامعين فتمنعهم من التدخل في بلادنا وتقطع أيديهم فتمنعهم من سرقة ثروات شعوبنا.
رأيك في الموضوع