الحرب التجارية اندلعت فعلا! إذ أعلنت أمريكا يوم 6/7/2018 أن "فرض رسوم إضافية بنسبة 25% وبقيمة 34 مليار دولار على منتجات صينية يدخل حيز التنفيذ اعتبارا من اليوم"، فأعلنت الصين بالمقابل "دخول رسوم جمركية على منتجات أمريكية بالقيمة ذاتها حيز التنفيذ"، وقالت وزارة التجارة الصينية: "الجانب الصيني الذي تعهد بعدم إطلاق الرصاصة الأولى اضطر إلى القيام بهجمات مضادة لحماية المصالح الوطنية الأساسية ومصالح شعبه". وقالت "الرسوم التي فرضتها أمريكا تنتهك قواعد منظمة التجارة الدولية وتمثل نموذجا من البلطجة التجارية، ما يمثل تهديدا خطيرا على أمن الصناعة العالمية وسلاسل القيمة العالمية".
وكان ترامب قد قرر القيام بهذه الحرب يوم 2/3/2018 بقوله "عندما تخسر دولة مليارات الدولارات في التجارة مع كل الدول التي تتعامل معها تقريبا، فإن الحروب التجارية جيدة، ومن السهل كسبها"، كاشفا العجز التجاري الإجمالي لأمريكا مع دول العالم بمبلغ 800 مليار دولار.
فردت عليه الصين بلسان وزير تجارتها تشونغ شان أنها "لا تريد حربا تجارية ولا يوجد فيها فائزون ولن تجلب سوى كارثة للصين ولأمريكا وللعالم". ولكنها أعلنت يوم 6/4/2018: "إذا أصرت أمريكا على تطبيق الحمائية والأحادية فإن الصين ستذهب حتى النهاية مهما كان الثمن". فالميزان التجاري يميل لصالح الصين ضد أمريكا بمقدار 375 مليار دولار لعام 2017 عندما بلغ حجم التبادل التجاري بينهما 492 مليار دولار. وهكذا نشبت الحرب بينهما، وإنه من المنتظر أن تتصاعد لتعلن أمريكا عن فرض رسوم جديدة في شهر أيلول المقبل. ويظهر أن ترامب يتعمد تصعيدها في هذه المرحلة، لأن هناك انتخابات نصفية للكونغرس ونجاح حزبه الجمهوري فيها هو تصويت له، ليكون ذلك مؤشرا لاحتمال نجاحه في الانتخابات الرئاسية القادمة بعد سنتين. فيريد إيجاد وظائف بقدر ما يستطيع في هذه الفترة وتقليص العجز التجاري مع الصين ومع غيرها ليزيد من رصيد الأصوات لحزبه.
والجدير بالذكر أن منظمة التجارة العالمية أسستها أمريكا عام 1995 لتتحكم في التجارة العالمية، وأعلنت نظام "العولمة" و"اقتصاد السوق" حتى تخترق شركاتها حدود الدول دون حواجز جمركية وتعقيدات إدارية داخلية للدول وتزيل الحمائية، فتهيمن على الأسواق لتكون هي الرابح الأكبر، والآن تنكث بعهدها وتدير ظهرها للمنظمة التي أنشأتها كإحدى أذرعها للهيمنة العالمية فتقطع ذراعها بيدها! فرأت أمريكا أن الاقتصاديات الكبرى كالصين بدأت تستفيد من هذه الأنظمة وتنافس أمريكا بشركاتها وتغزو أسواقها فقررت الدوس على عهدها في سبيل إنقاذ اقتصادها المتهالك. وهذا يثبت فشل السياسات الرأسمالية من عولمة واقتصاد سوق وغيرها، والدولة الاستعمارية الأولى تخدع العالم بها لتحقيق مصالحها، فإذا رأت ضررها عليها تنقضها.
وأعلنت منظمة التجارة العالمية يوم 4/6/2018 أن "إجراءات الحماية الاقتصادية تؤدي في النهاية إلى منتجين بلا فعالية يصنعون سلعا تجاوزها الزمن وغير جذابة، ينتهي الأمر إلى غلق المصانع وتسريح العمال على الرغم من الحماية والدعم، وإذا أخذت دول أخرى في العالم بهذه السياسات فإن النشاط في الأسواق العالمية سينكمش، وسيكون تأثير هذا الانكماش سلبيا على أمريكا. ولكن ترامب لا يهتم بالمخاطر بعيدة المدى وإنما يهتم بنتائج قصيرة المدى".
وصرح المدير العام لمنظمة التجارة العالمية روبرتو أزيفيدو أن "الحرب الجارية ليست في مصلحة أحد، سنراقب الوضع عن كثب"، ولم تقم بإجراء مضاد تجاه أمريكا المخالفة لقوانين المنظمة سوى المراقبة عن كثب بالرغم من رفع الصين شكوى لديها ضد أمريكا "لفرضها قيودا تجارية بشكل غير عادل على مدى الأشهر الماضية"، ولا يبدي ترامب أي استعداد لتسوية النزاع لدى المنظمة، مما يؤدي إلى أن تقوض أمريكا دور منظمتها أو تسقطها، وقد أسستها واعتمدت عليها في تسيير شؤون العالم التجارية، وحال ترامب هذه هي كحال فرعون متهور وما أمره برشيد. ولهذا قالت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية: "يبدو أن ترامب يقوض عمدا شرعية تلك المنظمة من خلال التأكيد أن خطة تعريفاته تستند إلى مخاوف متعلقة بالأمن القومي، حيث إن قواعد منظمة التجارة الدولية تنص على أنه يمكن لإحدى الدول الأعضاء أن تطالب باستثنائها من التزاماتها التجارية في حالة تعرض أمنها للخطر". وكأن أمريكا وضعت هذا البند للمنظمة كخط رجعة، حتى إذا أتت عليها سنوات عجاف وعجزت عن معالجة الأمر فتتخذ ذلك ذريعة لفرض الحمائية، وإذا صعد رجل أحمق كترامب كما يصفه أهله فيدّعي أن "إجراءاته مهمة للأمن القومي، لأن أمريكا بحاجة إلى إنتاج المزيد من الفولاذ والألومنيوم لقطاعها الدفاعي"، ولكنه يفضح نفسه عندما يؤكد أن "التعريفات الجمركية هي لخلق وظائف في بلاده".
وحذر الاقتصادي الأمريكي البارز ستيفن روش يوم 12/7/2018 من خسارة أمريكا في الحرب التجارية مع الصين. فقال "الحروب التجارية ليست سهلة الفوز، بل إنها سهلة الخسارة، وأمريكا في طريقها لخسارة هذه الحرب التجارية". وذكّر بأن أمريكا تعتمد على الصين كمصدر للسلع المنخفضة التكلفة لتلبي احتياجات المستهلكين الأمريكيين، وهي تعتمد بشكل كبير على الصين لشراء سندات الخزينة الأمريكية لتمويل عجز الميزانية الذي يزداد سنويا.ونشرت غرفة التجارة الأمريكية مقالا على صفحتها قائلة: "العمال والمزارعون والأسر والشركات كلهم خاسرون في الحرب التجارية".
ويتبنى ترامب قاعدة: "إذا ربحت أنت فلا بد أنني خاسر" فلا يؤمن أن يربح ويستفيد الجميع في سياسة تجارية عادلة وتوزيع ثروات عادل، فهو يؤمن بالأثرة ويرفض الإيثار، ويقول رغيف الخبز يجب أن يأكله كله أو أكثره أنا، لا أنت، فلا يقبل بتقاسمه مع الآخرين. ومن هنا بدأ بحربه التجارية ضد حلفائه وأعدائه على السواء ضاربا عرض الحائط بكل المعاهدات والمواثيق معهم، لأنه لا يعرف إلاًّ ولا ذمة، ولا يهمه أن يقول كلاما وجه النهار ويكفر به آخره. وقد عرف عنه أنه من أكذب الرؤساء الأمريكيين. وهو الرأسمالي المادي البحت الذي يمارس السياسة بعقلية تجارية، ويفهم السياسة أنها رعاية أموال وابتزاز دول ومؤسسات وغطرسة وفرض إتاوات، فمستعد أن يفعل كل شيء في سبيل ذلك، ولو قام بفصل أطفال مهاجرين عن ذويهم ووضعهم في أقفاص عقابا لهم ولذويهم، لأنهم جاؤوا ليسرقوا أموال أمريكا كما يتصور. فهو لا يعرف قيما روحية ولا إنسانية ولا أخلاقية. ولهذا فإن سمعة أمريكا تنحدر نحو الدرك الأسفل لتسقط عن مستوى الدولة الأولى عالميا والدولة الرائدة ذات القيم الرفيعة كما تدّعي، فأمريكا خاسرة ليس أمام الصين، بل الاثنتان وغيرهما خاسرات بإذن الله أمام دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة القائمة قريبا بإذن الله والتي ستنشر القيم الروحية والإنسانية والأخلاقية من دون إهمال القيمة المادية ولكنها ممزوجة بالروح، بإدراك الصلة بالله، ليحيا العالم حياة طيبة في ظلال حكم الإسلام.
رأيك في الموضوع