وافق وزراء دفاع حلف شمال الأطلسي، يوم الخميس 15 شباط/فبراير، على توسيع مهمة "التدريب والمشورة" بالعراق، بطلب من أمريكا. وكان وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس قد بعث برسالة إلى رئاسة الحلف في كانون الثاني/يناير الماضي، يطالب فيها ببعثة رسمية لحلف الـناتو في العراق بقيادة دائمة أو شبه دائمة لتدريب القوات العراقية. فقد ذكر أمين عام الناتو ينس ستولتنبرغ، أن البعثة المقرر إرسالها للعراق "لن تكون قتالية، وإنما ستكون ذات طابع تدريبي" بهدف المساعدة في رفع كفاءة القوات العراقية وإنشاء بنى تحتية وهياكل عسكرية متطورة. حيث صدر القرار في نهاية اجتماع وزراء الدفاع الذين أكدوا أن تدريب القوات العراقية وقتا طويلا يحول دون عودة القوات القتالية إلى الميدان. وذكر أمين عام الناتو "إن الدروس التي تم استخلاصها من العراق أكدت أن الانسحاب المبكر قد يضطرنا إلى إعادة إرسال قوات قتالية. يجب أن نظل هناك الوقت الضروري كي لا نضطر إلى العودة". وأوضح ينس ستولتنبرغ أن الوزراء أوصَوا بالبَدءِ في التخطيط لمهمة التدريب، على أن تُطلق المهمة رسمياً في اجتماع القمة الأطلسية في تموز/يوليو المقبل في بروكسل. وستشمل تدريب الضباط، وإنشاء أكاديمية عسكرية، والطب العسكري، وتفكيك الألغام والقنابل والقذائف التي لم تنفجر والتي خلفها تنظيم الدولة، لكنه لن يرسل عسكريين لمهام قتالية. علماً أن للحلف حالياً مهمة تدريب محدودة في بغداد رغم مقاومة الأعضاء الأوروبيين في الحلف منذ فترة طلب واشنطن في توسيع مهامها في العراق؛ خشية الدخول في مهمة عسكرية أخرى مفتوحة، بعد أكثر من عشرة أعوام في أفغانستان. الضغط الأمريكي جزء من مطلب ترامب على أن يتجاوز التحالف الغربي مهمته الأساسية المتمثلة في الدفاع عن أراضي دوله ويساعد في وقف التشدد الإسلامي. وكان ترامب وجه تعنيفا للحلفاء في أيار/مايو الماضي في قمة عقدت في بروكسل حذر فيها من وقوع مزيد من الهجمات في أوروبا إذا لم يبذل حلف الأطلسي المزيد لوقف المتشددين، كما أن رئيس أمريكا السابق أوباما كان يسعى لدور أكبر للحلف في الشرق الأوسط حيث ترى أمريكا أن خبرة الحلف الطويلة في أفغانستان تجعله في وضع مثالي لتأهيل القوات العراقية بعد استعادة الأراضي التي سيطر عليها تنظيم الدولة، فقد ذكر دبلوماسي كبير في الحلف مشترطا عدم الكشف عن هويته "أمريكا تضغط بشدة من أجل دور لحلف شمال الأطلسي في العراق، ليس دورا قتاليا بل مهمة طويلة الأجل". وأضاف الدبلوماسي "هذا الأمر يبدو مثيرا للريبة مثل أفغانستان"، مشيرا إلى أن الحلفاء يدركون جيدا الانتقادات التي أثارها ترامب خلال حملته الانتخابية عام 2016 أن الحلف "عتيق" لأنه لا يبذل جهدا أكبر للتصدي للمتشددين الإسلاميين.
أما من جانب العراق فقد ذكر المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء، حيدر العبادي، في بيان نشر بتاريخ 23 كانون الثاني/يناير 2018، أن العبادي تلقى مكالمة هاتفية من أمين عام حلف الناتو ينس ستولتنبرغ، حيث بحث الجانبان زيادة وتسريع تدريب القوات العراقية بمختلف صنوفها، فضلا عن تطوير المنهج التعليمي العسكري الجديد ليشمل المشاة والاستخبارات وغيرها من الصنوف مع بناء قدرات وزارة الدفاع. يشار إلى أن مسؤولين ضمن الناتو أكدوا لرويترز، صعوبة تحقيق المساعي الأمريكية وإن كانت تحظى بدعم وموافقة العبادي، مرجعين ذلك إلى التكلفة العالية للمهمات العسكرية في بلدان أجنبية، بالإضافة إلى أنها غير محببة للعامة وفي العادة خطيرة على حياة الجنود، مضيفين، بأن ذلك لا يتوقف عند ذلك الحد، بل يجب تحديد حجم تلك القوة والدول التي ستشارك بها والتمويل المطلوب لها، ومن سيوفر الحماية لتلك القوات في العراق، مشددين أيضا، على أن الناتو لا يمكن أن يتحرك حتى تحت الضغوط الأمريكية، إن لم تقدم بغداد طلبا رسميا بذلك للناتو، الأمر المستبعد، لاقتراب الانتخابات، وتباين الوضع السياسي الداخلي.
يتضح من الضغوطات التي تمارسها الإدارة الأمريكية على حلف الناتو في مناطق الصراع بأنها لا تريد أن تواجه المنطقة بمفردها، بل تريد أن تحمل أوروبا معها حيث رحلت، ولكن تحت إمرة أمريكا وقيادتها. وذلك حتى تتلافى التكاليف الباهظة لدور الشرطي العالمي. وكذلك حتى لا تثير العالم والشعوب ضدها. فهي تريد أن تبقى وتفرض سيطرتها على الجميع بأقل التكاليف المادية والمعنوية. وما جاء في الاستراتيجية العسكرية الأمريكية من تكوين قوة للتدخل السريع بشكل فعال ومؤثر، ومن إعادة توزيع القوات وتركيزها على المناطق الجنوبية الغربية والجنوبية الشرقية للحلف، ومن محاولة إخراج الحلف من ثوبه العسكري إلى أن يكون منظمة سياسية يدل على أن الناتو بات أداة بيد أمريكا. فمخطط ترامب يقتضي البقاء في العراق إلى وقت غير محدد والزج بالأوروبيين في ورطة جديدة تحت ذرائع التصدي للتهديدات (الإرهابية) التي ستنطلق من العراق وكذلك المساهمة في إعادة إعماره، ما يعد بوابتين أساسيتين للانطلاق نحو ترسيخ الاحتلال الأمريكي، وكل ذلك يتم من دون أن يحظى بموافقة أهل العراق. أمريكا تدرك جيداً أنها تحتاج إلى تفتيت الشعب العراقي وقلبه على بعضه بعضاً وإحداث انقسامات بين مكوناته - وهو ما تعمل عليه - وبالتالي تكون الفرصة مواتية لبقاء القوات الأمريكية أطول فترة ممكنة تحت عناوين "توفير الحماية" و"منع عودة الإرهابيين" وبهذه الأجواء تضمن واشنطن السيطرة الكاملة على العراق وثرواته المائية والنفطية وخيراته الأخرى.
في هذا الإطار وبهذا الإدراك الصحيح للواقع يجب أن ننظر إلى أي تحالفات أمنية، أو مباحثات مع أحلاف عسكرية، ومثل ذلك التدريبات المشتركة والتسهيلات والقواعد العسكرية، والتي تعتبر عوناً لأعداء الإسلام في إعدادهم لحرب المسلمين. إن ما تقوم به الأحلاف العسكرية على أرض المسلمين من تدريبات عسكرية وما تعقده من اتفاقيات أمنية وعسكرية كتأجير القواعد والمطارات والموانئ يكسبها خبرة عملية ذات أهمية بالغة تنعكس نتائجها على أرواح ودماء وحرمات المسلمين، ويجعل لدول الكفر سلطاناً على أرض الإسلام مما يؤدي إلى انتقاص سيادة الدولة على أراضيها، وذلك لا يجوز شرعاً لأنه يجعل للكافرين سبيلاً أي سلطاناً على المسلمين، وهذا ما تحرمه الآية الكريمة: ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾، وسيادة الدولة هي قدرتها على أن تتصرف بكامل إرادتها واختيارها استناداً إلى سلطانها الخاص وحده في كافة شؤونها الداخلية والخارجية، وكل نقص في هذه السيادة يؤثر على وجود الدولة بوصفها دولة، مما يستوجب الحرب لحفظ هذه السيادة وحمايتها، ولذا كانت السيادة بالنسبة للدولة أهم المسائل السياسية وأعلاها. وتقديراً لذلك الواقع وجدنا فقهاء المسلمين قديماً وحديثاً يشترطون أن يكون أمان دار الإسلام بأمان المسلمين، أي جعل سيادة الدولة بقوة أبنائها وحمايتهم داخلياً وخارجياً.
والسؤال المطروح ما الذي ستُحاربه أمريكا وأحلافها العسكرية والغربُ معها عندَ المسلمين، وكلُّ بلادِ المسلمين تُحْكَم بأنظمةٍ وحكام راكعين لها في غاية الخنوع والخضوع؟! بل لماذا يحاربون بلاداً هي عمليَّا تحت حكمهم وتحت سيطرتهم؟! والجواب على ذلك لأنهم يدركون أن الأنظمة التي أقاموها لا بد أن تزول بعد أن ظهر عوارها وعفنها وعجزها المهين، فالمسألة مسألة وقت ليس غير، ولذا فإنهم يُعدّون أنفسهم منذ الآن للعدوان العسكري على أهل المنطقة برمتها حين يأذن المولى تبارك وتعالى بالتغيير ويمن على عباده بإقامة الخلافة على منهاج النبوة، فتتساقط حينها أكياس الرمل التي يحتمي بها الكفار، والتي تتمثل في الحكام والمنافقين والمفكرين المضبوعين بالثقافة الأجنبية والظلاميين الذين ألفوا العيش في ظلام الأنظمة الوضعية العلمانية وارتبطت مصالحهم بالأجنبي الكافر المستعمر.
بقلم: الأستاذ علي البدري
رأيك في الموضوع