بدأ الرئيس الأمريكي الأرعن ترامب العام الميلادي الجديد بتغريدة تتعلق بدور باكستان في الحرب الصليبية على الإسلام، جاء فيها: "لقد منحت الولايات المتحدة بحماقة باكستان أكثر من 33 مليار دولار كمساعدات خلال الـ15 عاما الأخيرة، ولم تعطنا في المقابل شيئا سوى الأكاذيب والخداع، متصورة أن قادتنا حمقى... إنهم يوفرون ملاذا آمنا (لإرهابيين) نطاردهم في أفغانستان، ولم يقدموا لنا سوى مساعدات صغيرة، لا أكثر!". وقالت السفيرة الأمريكية في الأمم المتحدة نيكي هيلي: "ثمة أسباب جلية لذلك، فباكستان ظلت تلعب لعبة مزدوجة لسنوات... كانوا يعملون معنا في أوقات ويؤوون (إرهابيين) أيضا لمهاجمة قواتنا في أفغانستان" وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض سارة ساندرز: "يمكنهم فعل المزيد لوقف (الإرهاب) ونريدهم أن يفعلوا".
لكن في الواقع فإن باكستان قد حازت على تلك المليارات لقاء تقديم أبنائها من الجنود والمدنيين قرابين في الحرب التي تخوضها أمريكا على الإسلام في المنطقة، والتي تسمى الحرب على (الإرهاب)، هذا إضافة إلى الخسائر الاقتصادية التي تكبدتها باكستان وما زالت في تلك الحرب القذرة، وقد كشفت دراسة للمصرف المركزي الباكستاني للعام 2016 أن مشاركة إسلام أباد في الحرب على (الإرهاب) قد كلفتها 118 مليار دولار خلال 15 عاما، أي ما يعادل أكثر من ثلث إجمالي الناتج المحلي، وكتبت المؤسسة في تقريرها: "إن النمو الاقتصادي وكذلك تنمية القطاع (الاجتماعي) تضررا بقسوة من الحوادث المرتبطة (بالإرهاب)".
هكذا فإن باكستان إذن قد حصلت على تلك المساعدات - وكان أكثرها معدات عسكرية -؛ لقتال المجاهدين داخل باكستان وعلى الحدود الفاصلة بينها وبين أفغانستان، للحفاظ على مصالح أمريكا في المنطقة وعلى احتلالها لأفغانستان، وأنفقت باكستان عشرات المليارات من جيبها على الحرب الآثمة نفسها، وبعد كل هذا يهدد ترامب بقطع تلك المساعدات! ويا ليته يصدق وهو الكذوب فيقطع هذا المال القذر؛ حتى تسقط ورقة التوت عن عورات جنرالات المال في باكستان وحكامها السياسيين الفاسدين، فيسقط معها تعذرهم بها لتبرير خياناتهم وتواطئهم مع أمريكا في حربها على الإسلام.
بالفعل فقد سقطت ورقة التوت، حيث قالت وزارة الخارجية الأمريكية يوم الخميس الرابع من كانون الثاني/يناير 2018م، إنها قررت وقف مساعدات أمنية مخصصة لباكستان؛ حتى تتخذ إسلام أباد إجراءات ضد طالبان الأفغانية وشبكة حقاني، اللتين تعتقد واشنطن أنهما تزعزعان استقرار المنطقة.
وكأن حكام باكستان يعملون مقاولين مرتزقة عند أمريكا، حيث خاطبتهم هيذر ناورت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية بالقول: "إن بعض المساعدات قد تستمر إذا اتخذت إسلام أباد إجراء حاسما ضد الجماعتين اللتين نعتبرهما سببا لزعزعة الاستقرار في المنطقة، كما أنهما تستهدفان أمريكيين".
أما الرد الرسمي الذي صدر عن القيادة الباكستانية فقد جاء على لسان وزير الخارجية الباكستاني خواجة آصف، الذي قال: "لقد أخبرنا الولايات المتحدة أننا لن نفعل المزيد"، لذلك فإن "لا أكثر التي قالها ترامب ليست لها أهمية". وأكد على أنه مقاول مرتزق يعمل لدى أمريكا بقوله: "إن باكستان مستعدة لتقديم جرد علني بكل تفاصيل المساعدات الأمريكية التي تلقتها". وقد استدعي السفير الأمريكي في باكستان ديفيد هيل إلى وزارة الخارجية الباكستانية الاثنين لإبلاغه احتجاجها على تغريدة ترامب.
أما رد قيادة الأركان، قيادة سادس أكبر جيش في العالم، وأقواها وأمهرها وأفضلها تدريبا، جيش مجهز بالسلاح النووي، فقد كان ردها باهتا لا يتناسب مع حجم هذه القوة المهولة، فقد قال وزير الدفاع الباكستاني والمتحدث باسم الجيش إن باكستان جاهزة لمواجهة أي إجراء من جانب أمريكا في أعقاب تغريدة الرئيس دونالد ترامب بمناسبة بداية السنة الميلادية الجديدة التي "يهدد" فيها البلاد، وقال إنه لا ينبغي أن يكون هناك "شك أو خوف؛ لأن الدفاع عن باكستان في أيد قديرة وقوية"، وقد كتب وزير الدفاع الباكستاني خرم دستغير خان تغريدة قال فيها: "إن الولايات المتحدة لم تقدم لباكستان سوى "الذم وعدم الثقة".
إن القيادة الباكستانية - بشقيها السياسي والعسكري - عميلة لأمريكا ولا ترى لها بديلا، ولو كان عندها أدنى مقومات الاستقلال في القرار السياسي أو العسكري لكان ردها يتناسب مع شيء من حجم وقدرة باكستان الحقيقية، خاصة وأن أمريكا الآن في أضعف حالاتها السياسية؛ لقيادة الأرعن ترامب لها وتفكك إدارته وكثرة المشاكل والانتقادات التي يواجهها هو وبلاده داخليا وخارجيا، إضافة إلى استمرار تراجع الاقتصاد الأمريكي - عمود السياسة الأمريكية والقوة العسكرية -، ويضاف إلى الضعف السياسي والاقتصادي العجز العسكري، الذي أجبر أمريكا في عهد أوباما على إعلان تراجعها عن خوض معارك خارجية مباشرة من قبل جيشها، بعد فشله في إحراز أية انتصارات على خصومه المفترضين في أفغانستان والعراق.
لو كان عند قادة الجيش الباكستاني عقيدة الجهاد العسكرية، كما زعموا عند إنشاء باكستان، وما زالوا يزعمون، ولو وفوا بالقسم الذي أقسموه عند انضمامهم للجيش الباكستاني، لو كان ذلك لأدركوا أن خيار الأمة الإسلامية التي انتفضت عن بكرة أبيها في مشارق الأرض ومغاربها وطالبت بالتغيير، هو خيارهم وجوادهم الرابح، وليست أمريكا أو التلويح بالتولي نحو المشرق، حمار العالم الصين!
إننا لا نعلق أي أمل على هاتين القيادتين، ولا نظن فيهم خيرا، فهم عملاء حتى النخاع، ولو كان عندهم أدنى إخلاص لظهر في ردودهم، فهم يستطيعون بكل سهولة وقف تحالفهم مع أمريكا في المنطقة، ومن شأن ذلك وحده إغراق أمريكا في مقبرة الإمبراطوريات أفغانستان، لذلك فإن أملنا هو في الضباط المخلصين الذين لم يصبهم داء العمالة الذي أصاب قادتهم، في غير قيادة الصف الأول، بأن يقوموا بتحييد قيادتهم أو الانقلاب عليها وتسليم السلطة لقيادة سياسية وعسكرية قادرة على إدارة دفة الصراع مع الكافر المستعمر وعلى رأسه أمريكا، وهذه القيادة هي قيادة حزب التحرير، فهم الفقهاء والساسة والمفكرون والقادة العسكريون.﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾.
رأيك في الموضوع