تكاد تكون قضية كشمير الملف الوحيد العالق بين الهند وباكستان منذ تقسيم الاحتلال البريطاني لشبه القارة الهندية في عام 1947م وإنشاء دولة باكستان، وعلى الرغم من أن الموقف السياسي الباكستاني والهندي يكاد يكون متطابقًا حول قضية كشمير، وهو تقسيم كشمير إلى قسمين؛ الأول:المناطق المحتلة من قبل الهند وهي "جامو وكشمير" (التي تتألف من جامو، ووادي كشمير، ولاداخ)، والثاني: قسم تابع لباكستان وهو "أزاد كشمير" و"جيلجيت". وهذا التطابق في الرؤى حصل بعد الاستقرار النسبي في المشهد السياسي الهندي بعد قدوم حزب بهاراتيا جاناتا إلى السلطة في انتخابات عام 1996م، وهو الحزب الذي يميل في سياسته إلى التبعية لأمريكا.
على الرغم من هذا التطابق وعقد العديد من اللقاءات السياسية بين البلدين للوصول إلى حل يتم تطبيقه عمليًا على الأرض، إلا أن الجبهة لم تهدأ يومًا، منذ أصدر البرلمان البريطاني في 17 تموز/يوليو 1947م قانون استقلال الهند الذي أنهى الحكم البريطاني لها - وكعادة بريطانيا الخبيثة التي كانت تبقي بؤراً للنزاع بين البلدان المجاورة التي كانت تحتلها عسكريا وأعطتها استقلالا شكليا -أوعزت بريطانيا بعد انسحابها إلى تلك الإمارات التي كانت تحكمها في الهند بأن تنضم إما إلى الهند أو باكستان وفقًا لرغبة سكانها مع الأخذ بعين الاعتبار التقسيمات الجغرافية في كل إمارة، وتكونت تبعًا لذلك دولتا الهند وباكستان، غير أن ثلاث إمارات لم تتخذ قرارًا بهذا الشأن، وهي حيدر آباد وجوناغاد وكشمير، أما كشمير فقد قرر حاكمها الهندوسي (هاري سينغ) - بعد أن فشل في أن يظل مستقلًا - الانضمام إلى الهند، متجاهلًا رغبة الأغلبية المسلمة بالانضمام إلى باكستان ومتجاهلًا القواعد البريطانية السابقة في التقسيم. وقد قبلت الهند انضمام كشمير إليها، ورفضت انضمام الإمارتين الأخرتين إلى باكستان بناء على رأي حاكميهما. بعد ذلك تطورت الأحداث سريعاً، فاندلع قتال مسلح بين المسلمين في كشمير والقوات الهندية عام 1947م أسفر عن احتلال الهند لثلثي الولاية، ثم تدخلت الأمم المتحدة في النزاع وأصدر مجلس الأمن قرارًا في 13/8/1948م ينصّ على وقف إطلاق النار وإجراء استفتاء لتقرير مصير الإقليم.
في الأسبوع الماضي قال مسئولون من الهند وباكستان إن ثلاثة أشخاص قتلوا فى إقليم كشمير المتنازع عليه يوم الخميس، حين تبادلت الدولتان القصف عبر الحدود، وهو ما يؤجج التوتر بينهما. وفي الأسبوع الذي قبله اتهم الجيش الباكستاني الجانب الهندي بمهاجمة أهل باكستان في القرى الحدودية على الجانب الباكستاني من إقليم كشمير، وقالت القوات الهندية إنها هاجمت مواقع للجيش الباكستاني في كشمير ودمرتها سعيًا لمنع مسلحين من التسلل من الجانب الباكستاني، لكن إسلام أباد نفت ذلك، وقال محمد عثمان (مسئول الشرطة في منطقة بونش الجنوبية في الشطر الباكستاني من كشمير) إن القصف بدأ في الصباح، وقُتل مدنيان وأصيب ستة، وفي أعمال عنف منفصلة قال متحدث باسم الشرطة في الشطر الهندي من كشمير إن اثنين من "المتشددين" قُتلا في منطقة سوبور يوم الخميس.
في الأسابيع الأخيرة اندلعت اشتباكات بين الجنود الهنود والباكستانيين في العديد من المناطق على الخط الفاصل بين شطري كشمير، ما أسفر عن مقتل جنود ومدنيين من الجانبين، وفرضت الحكومة المحلية في كشمير الهندية الأحد الماضي (28/5/2017( حظر التجوال على المنطقة للسيطرة على الوضع الأمني في أعقاب مقتل سبزار أحمد بهات (زعيم حزب المجاهدين) الذي يطالب بإلحاق كشمير المحتلة بباكستان.
وهكذا فإنه كلما هدأت الأوضاع الأمنية في كشمير المحتلة تهدأ الجبهة على الخط الفاصل بين البلدين، وكلما قامت الحكومة الهندية بأعمال قتل أو تصعيد في كشمير المحتلة اشتعلت الجبهة بين البلدين. ومعلوم لدى الجميع أن الهند لا تريد تطبيق قرار مجلس الأمن سابق الذكر القاضي بمنح حق تقرير المصير، فهي تعلم أنه إن طُبق فإن الناس في كشمير سيقررون الانضمام إلى باكستان حيث يعتبرونها دولتهم التي تمثلهم وينتمون إليها بسبب شعار الإسلام الذي ترفعه؛ فصدق في الهندوس ما صدق على المشركين أمثالهم من اليهود والنصارى في قوله سبحانه وتعالى: ﴿أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا﴾. وعلى الجانب الآخر، فإن الذي يدعم المقاومة في كشمير المحتلة هو جهاز الاستخبارات الباكستاني (ISI)، وهو الجهاز الذي يخضع لقيادة الجيش، والذي أُنشئ نشأة إسلامية عند نشأة الدولة الباكستانية، وكان جل عمله يقوم على الترصد للعدو التاريخي(الهند)، لذلك كانت عقيدة الجهاز ليست ملاحقة الجماعات الإسلامية والمعارضين في الداخل، كحال أجهزة المخابرات في مختلف بلدان العالم الإسلامي، ولأنه لم يحصل اتفاق سياسي بين البلدين ظل الجهاز على عقيدته السياسية، وتحديدًافيما يتعلق بقضية كشمير، مع التحفظ على مختلف القضايا بين البلدين والانشغال بشكل أكبر في ملاحقة المخلصين من أهل البلد،من العاملين لاستبدال دولة الخلافة على منهاج النبوة بالدولة المدنية القائمة، ومنالمجاهدين المقاومينفي كشمير أو في أفغانستان.
إنّ النظام في باكستان لا يهتم للرأي العام في البلاد، فهو قادر على التلاعب فيه وتضليله بشتى السبل وخصوصا من خلال الإعلام المحلي الذي أصبح عجينة طيعة في يده وعنوان سياسته الكذب والتضليل. لكن مشكلة النظام تكمن في مؤسسة الجيش، فهي منقسمة بين قيادة الجيش التابعة والموالية لسيد النظام نفسه-أي أمريكا -،وبين المخلصين في الجيش وهم الأغلبية، وهذه الأغلبية بالنسبة له بحاجة إلى ترويض وتقديم بعض الإنجازات السياسية فيما يتعلق بكشمير حتى تغيرمن عقيدتهاالقتالية ضد الهند.وبسبب ضعف الإدارة الأمريكية الحالية وانشغالها في ملفات دولية أكثر إلحاحا، وانشغال الإدارات السابقة في الملفات ذاتها التي عجزت عن حل أي منها، إضافة إلى تفاقم الأوضاع الاقتصاديةفيأمريكا، كل هذه العوامل جعلت قضية كشمير تراوح مكانها بالرغم من توافق القيادتين السياسيتين في كلا البلدين على الحل.
إنّ قضية كشمير مثل قضية فلسطين، مهما حيك لهما من مؤامرات فإنها لا تجد لهما سبيلًا، وهما في انتظار من يحررهما، وهو غير كائن إلا بالجيش المسلم الذي يقوده الخليفة الراشد الذي بشر به رسول الله e:«يَغْزُو قَوْمٌ مِنْ أُمَّتِي الْهِنْدَ، فَيَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ حَتَّى يُلْقُوا بِمُلُوكِ الْهِنْدِ مَغْلُولِينَ فِي السَّلاسِلِ، يَغْفِرُ اللَّهُ لَهُمْ ذُنُوبَهُمْ، فَيَنْصَرِفُونَ إِلَى الشَّامِ فَيَجِدُونَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ بِالشَّامِ».
رأيك في الموضوع