(مترجمة)
دعت رئيسة وزراء بريطانيا (تيريزا ماي) إلى إجراء انتخابات مبكرة في الثامن من حزيران/يونيو، وتعتبر هذه الانتخابات مبكرة لأن الانتخابات كان من المقرر عقدها في أيار/مايو من عام 2020 وفقا لقانون البرلمانات محددة المدة؛ والذي تم إقراره في أيلول/سبتمبر 2011، وكان من المفترض إيقاف السياسيين الذين يعتبرون أن الانتخابات جاءت في وقت مبكر على أساس أن لديهم ميزةً تميزهم عن معارضيهم، فكرة الانتخابات الثابتة محددة الموعد لم تستمر طويلا.
ويمثل ذلك تغييرا كبيرا في السياسة؛ حيث رفضت (ماي) مرارا وتكرارا الدعوة إلى إجراء مثل هذه الانتخابات قبل الموعد المحدد، والسبب الرسمي لمثل هذه الانتخابات يتعلق بموقفهم من اتفاق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكسيت) وحزب المعارضة المعارض له. إن الديمقراطيين والليبراليين يعارضون بشكل مباشر خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، في حين يؤيد حزب العمال موقف الحكومة ولكن بشروط معينة على اتفاق (بريكسيت) النهائي. وقضى مجلس اللوردات أياماً عدة في مناقشة القانون الذي تم تمريره لبدء الخروج وبدء المفاوضات مع أوروبا. وعلى الرغم من وجود العديد من الحجج ضد هذا القانون إلا أنه تم تمريره بسهولة.
من جهة تقول الحكومة إنها بحاجة لمعارضة قوية لتواجه الحكومة بأفعالها؛ ولكن من ناحية أخرى تقول إنها يجب أن تكون لها انتخابات لتعزيز موقفها في المفاوضات لأن المعارضة لديها درجة من الشك في بعض سياساتها، كما أن البلاد ليست موحدة بشكل كامل خلف المحافظين على أفعالهم.
إذن إما أن تكون المعارضة قوية وتؤدي دورها وإما أن لا تكون كذلك؟
لا يمكن أن يحدث الأمر بالطريقتين.
في الواقع بالنسبة لحزب المعارضين فهذا هو كل شيء يتعلق بالانتهازية السياسية، أما حزب العمال المعارض الرئيسي فهو ضعيف ومنقسم بعد إجراء انتخابات القيادة في العامين الماضيين. وغالبية أعضاء حزب العمال لا يدعمون زعيمهم الاشتراكي جيرمي كوربين؛ لذلك فإنهم وبشكل سري يأملون أن يخسر حزب العمال (دون أن يفقدوا مقاعدهم بطبيعة الحال)، ولكن بطريقة تجعل موقف كوربين غير مقبول مما يضطره إلى الاستقالة بعد الانتخابات.
تعتبر مجازفة كبيرة بالنسبة لكوربين أن يعود للدعوة إلى الانتخابات كما فعل، فكان من الممكن أن يعارض حزب العمال الانتخابات ويجبر الحكومة على تغيير التشريع للسماح بها. لذا فإن كوربين من الممكن أن يكون قد مارس انتحارا سياسيا. إن السياسات الداخلية بما في ذلك ترميم طرق السكك الحديدية ودعم الخدمات الصحية الوطنية وخفض الضرائب على الأجور المتدنية ورفع الضرائب على الأجور المرتفعة ورفع الحد الأدنى للأجور والعديد من سياسات رعاية الطفل، كل ذلك يلقى دعما من الجمهور ولكن معظم العامة من الناس لا يثقون بحزب مقسّم.
وبالتالي فإن المعركة الحقيقية ستكون داخلية، وليست ضد كوربين بشكل مباشر فموقفه آمن حتى الآن. ولكن المعركة تكمن فيما إذا كان اليمين أو اليسار من حزب كوربين سيفوز (بافتراض أن حزب العمال سيخسر بشدة؛ كما يفترض الكثيرون).
ولكن تيريزا ماي هي أيضا في مجازفة كبيرة ولكن موقفها أقوى.
تظهر استطلاعات الرأي الأخيرة أن المحافظين يحتلون 21 نقطة متقدمة على حزب العمال كافية للحصول على دعم الأغلبية، ماي تجازف على اعتبار أنها ستفوز، حتى لو لم تحدث تغييرات من شأنها أن تعطيهم 20 مقعدا إضافيا على عام 2018. وتكمن المجازفة في أن الحملة الانتخابية لسياسة واحدة وهي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (ما يسمى بالخروج "القاسي" حيث ستغادر بريطانيا السوق الموحدة والاتحاد الجمركي)، وتتمثل المجازفة بأن هذه الحملة ستحظى بدعم كبير من العامة. ويعتبر ذلك مجازفة لأن الاقتصاد قوي بما فيه الكفاية وحزب العمال قوي بما فيه الكفاية للفوز بسهولة.
هذه الخطوة غير ضرورية وتحول الانتباه بعيدا عن العديد من القضايا الحقيقية المتعلقة بالاقتصاد والهجرة وزيادة حالة الترصد والاستبداد، إنهم يريدون تفويضا قويا للقيام بما يحلو لهم عند تحقق (بريكسيت) وغيرها من السياسات على خلفية من ضعف حزب العمال.
حتى الآن لم يعلنوا للجمهور ما هو قادم، ولكن ربما الآن سيضطرون لإظهار المزيد.
ولكن قد تكون حقيقة الأمر أن تيريزا تدرك أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لن يكون بالأمر السهل وبعد عامين من المفاوضات القادمة ستكون البلاد في وضع أسوأ بكثير من الآن، وستكون إمكانياتها الانتخابية عام 2020 أسوأ بكثير. يظهر السياسيون الغربيون أن كل أمر يقدمون على فعله إنما هو لخدمة مصالحهم الذاتية وتعزيز موقف حزبهم؛ وليس اهتماما منهم بشؤون شعوبهم.
بقلم: جمال هاروود
رأيك في الموضوع