بدأ العام الثالث منذ أن أعلنت السعودية قيادتها لما سمي التحالف العربي، وتدشينها للتدخل العسكري في اليمن ضد من أسمتهم الانقلابيين، ولمدة عامين كاملين كانت الطلعات الجوية يومية فوق اليمن، ناهيك عن جبهات القتال المفتوحة في كل مكان تقريبا، ما سبب دمارا هائلا على الأرض، وعشرات الآلاف من القتلى ومئات الآلاف من المهجرين، وتدهوراً اقتصادياً عارماً، انهارت فيه العملة المحلية وتوقفت عجلة الاقتصاد وتمت محاصرة الكثير من المطارات والموانئ، وأضحت حياة الناس في اليمن شديدة التعقيد والصعوبة، وتأثرت المستشفيات بالحرب وأغلق الكثير منها، وهاجر الكادر الطبي، وتدنى مستوى الخدمة الطبية في كثير من المراكز والمستشفيات لنقص الإمكانيات، بسبب الحرب، وتفشت الأمراض المعدية، وزاد عدد الوفيات من الأطفال، إذ أعلنت منظمة الطفولة الدولية (اليونيسيف) أن طفلا يمنياً يموت كل عشر دقائق بسبب الكوليرا وأمراض الإسهال، وكانت الأمم المتحدة قد أعلنت أن ثلث السكان لا يجدون مياهاً للشرب، وأن ثلثي أهل اليمن يحتاجون لمساعدات إنسانية!!!
وفِي الخلاصة فإن الوضع في اليمن اليوم بعد بدء التدخل السعودي أصبح كارثيا، في حين إن السعودية اليوم تغلق حدودها في وجه أهل اليمن، وتطالبهم بمبالغ باهظة تعجيزية للحصول على تأشيرتها (فيزا) في حين يعاني أهل اليمن في السعودية الأمرين بسبب رفع أسعار تجديد الإقامة، وإجبارهم على الحصول على تأمين صحي باهظ الثمن، علاوة على رسوم وضرائب على كل شاردة وواردة، ما أفضى بالكثير من أهل اليمن إلى مغادرة الأراضي السعودية، وتشتت بهم الحال فوق ما هم فيه من تشتت.
ولو أرادت السعودية خدمة أهل اليمن كما زعم محمد بن سلمان في لقائه مع مشايخ اليمن مؤخرا، لكانت نصف تكلفة الحرب هذه كافية لبناء اليمن من جديد، إلا أن الأمر ليس كذلك.
فقبل لقاء محمد بن سلمان بمشايخ اليمن، كان لقاؤه برئيس زعيمة العالم أمريكا، وأعلن الطرفان توحد رؤيتهما تجاه قضايا سوريا واليمن، ولهذا فإن الأجندة الأمريكية في المنطقة هي التي تحدد السياسة السعودية تجاه سوريا واليمن، أما في سوريا فالسعودية شريك في التحالف الدولي الذي تقوده أمريكا ضد المسلمين في سوريا بحجة مكافحة (الإرهاب)، وقد أعلن وزير خارجيتها الجبير أن السعودية تأتي كثاني أكثر دولة شاركت بطلعات جوية في حرب أمريكا على (الإرهاب)، وهذا يكفي لتوضيح مدى إخلاص النظام السعودي لرأس الكفر أمريكا وسياستها في المنطقة.
وأما في اليمن، فإن أمريكا تعتمد على السعودية في إدارة الملف اليمني، من خلال المباحثات المباشرة مع الحوثيين وتأمين حدودها الجنوبية معهم، وقد أعلن فعليا توقيع السعودية مع الحوثيين اتفاق هدنة بعدم التعرض لحدودها الجنوبية، إلا أن المخلوع عليصالح لا ينفك عن مواجهة تلك الحدود حتى تعود السعودية للتفاوض معه أيضا وعدم تجاهله كما هو حالها حاليا، وذلك مقابل إشراك الحوثيين في السلطة القادمة في اليمن، وهذا هو ما تضمنته مبادرة كيري التي وافقت عليها السعودية، وأعلن الجبير أكثر من مرة أن للحوثيين دورا في السلطة القادمة في اليمن، لأنهم باختصار شركاء لأمريكا في محاربة (الإرهاب)، أي الإسلام.
كما أن للسعودية تأثيراً واضحاً على القبائل ومشيخات اليمن وهي تستغل ذلك في استمالتهم نحو سياستها. وكل ذلك خدمة للنفوذ الأمريكي المطلوب في اليمن للسيطرة على منابع الثروة والسيطرة على الموقع الاستراتيجي المهم للمناورات السياسية والعسكرية في العالم، علاوة على أهمية الموقع للتجارة العالمية.
ورغم محاولة السعودية إخفاء هذا الدور، وإيهام أهل اليمن بأنها إنما تدخلت حماية لهم من النفوذ الإيراني، إلا أن الحقيقة هي غير ذلك تماما، فكل من إيران والسعودية يقوم بتنفيذ الأجندات الأمريكية في المنطقة منذ دهور، وليس ذلك وليد اليوم. إلا أن المنافس الحقيقي لأمريكا في اليمن هو الدولة الاستعمارية الأخرى التي غابت عنها الشمس مؤخرا، وتسعى للحفاظ على شيء من إشعاعها في المنطقة، وهي بريطانيا، التي جاءت رئيسة وزرائها الجديدة تيريزا ماي، وأعلنت من البحرين أنها لن تتخلى عن الخليج والمنطقة، وأن أمن الخليج ومنه اليمن من أمن بريطانيا. ولهذا لم تتوصل ما تسمى الرباعية الدولية (أمريكا وبريطانيا والتابعين لهما السعودية والإمارات) إلى أي تسوية بينهما في اليمن، ولا زال الصراع بينهما محتدما، ويتم ذلك بقفازات سعودية وإيرانية من جهة، وإماراتية ومشيخات الخليج من جهة أخرى، والحصيلة هي هذا الدمار الهائل للأرض والإنسان في اليمن.
أما وقد انكشف الستار، فإن على أهل اليمن أن ينفضّوا عن السير خلف تلك القيادات الخائنة من الطرفين، طمعا في سراب يحسبه الظمآن ماء، وأن يلتفوا حول المخلصين العاملين لمشروع إقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي تحقن دماءهم وتصون أموالهم وأعراضهم وتحمي بيضتهم وتطرد نفوذ الكافر المستعمر من بلادهم، وقبل ذلك وفوقه ترضي عنهم خالقهم سبحانه جل في علاه، قال تعالى: ﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ﴾، وقال عليه الصلاة والسلام «...ثم تكون خلافة على منهاج النبوة» رواه أحمد.
بقلم: عبد الله الحضرمي – اليمن
رأيك في الموضوع