على إثر تسريب رئيس وزراء كيان يهود بنيامين نتنياهو لخبر اجتماع العقبة التآمري الذي عُقد في 21 شباط/فبراير 2016، والذي جمع الملك الأردني عبد الله الثاني والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع نتنياهو تحت رعاية وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري، والذي تمّ فيه ولأول مرّة قبول زعماء عرب بفكرة (يهودية الدولة)، بعد هذا التسريب هُرع ملك الأردن من فوره - وبعد افتضاح أمره - فحطّ رحاله في القاهرة، واجتمع على عجل بالسيسي، وحاولا معاً رتق خيانتهما التي فاقت كل الحدود، وتمّ إصدار بيان مشترك بُعيد الاجتماع الخاطف ذُكر فيه أنّهما اتفقا على "التعاون الثنائي بينهما للتوصل إلى حل الدولتين، وإنشاء دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران/يونيو 1967، عاصمتها القدس الشرقية، وأنّ هذا من الثوابت القومية التي لا يمكن التخلي عنها"، وأنّهما "بحثا التحركات في المستقبل لكسر الجمود في عملية السلام في الشرق الأوسط، خاصة مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الجديدة".
إنّ حلّ الدولتين كما هو معروف هو حلٌ أمريكي، وهو يعني عملياً التنازل ليهود عن أكثر من 80% من أرض فلسطين، وإنّ القبول به يُعتبر تفريطاً صريحاً بأرض الإسراء، وخيانةً واضحةً لله ولرسوله وللمؤمنين، وإنّ ادّعاء السيسي وعبد الله الثاني وأضرابهما من حكام المسلمين العملاء دعمهم للقضية الفلسطينية، وإطلاقهم شعارات من قبيل أن إقامة دولة فلسطينية إلى جانب دولة يهود هي من الثوابت القومية، إنّ هذه الادّعاءات والشعارات هي لتضليل المسلمين، وهي شكل من أشكال تسويق فكرة كاذبة حول وهْم إقامة الدولة الفلسطينية، فيزعمون بذلك أنّهم يدعمون قضية فلسطين، وذلك لذر الرماد في العيون، ولإخفاء حقيقة أن التزامهم بحل الدولتين هذا إنّما هو خيانة عظمى بحد ذاتها.
ومن الجانب الآخر فإنّ قادة كيانيهود ظنّوا بأنّ قدوم ترامب إلى الحكم في أمريكا - وهو المعروف بتودّده لليهود وكرهه الشديد للمسلمين - سيؤدي إلى إنهاء فكرة الدولة الفلسطينية، حتى ولو كانت منزوعة السلاح، ويعني بالنسبة لهم ضم الضفة الغربية بالكامل لكيان يهود، خاصةً وأنّ المستوطنات التي تمّ زرعها في كل مكان بالضفة، قد قَبِل ترامب بشرعنتها، ففهموا من ذلك أنّ فكرة الدولة الفلسطينة قد انتهت وإلى الأبد، وأنّه لا مكان بين البحر والنهر سوى لدولتهم، وأنّ اقتراح كيري الذي أرّقهم، والذي يقضي بوجود قوات أمريكية أو دولية فاصلة بين كيان يهود والدولة الفلسطينية قد انتهى بذهاب إدارة أوباما، وأنّ الاعتراف (بيهودية دولة إسرائيل) أصبحت حقيقة واقعة لا سيما بعد اعتراف مصر والأردن بها في اجتماع العقبة.
لكنّ ما صدر عن ترامب عند لقائه بنتنياهو يوم الخامس عشر من شباط/فبراير لا يدل على أنّ إدارته قد تخلّت تماماً عن فكرة الدولتين، فقول ترامب: "أنظر إلى حل الدولتين وحل الدولة إذا كانت إسرائيل والفلسطينيون سعداء، فسأكون سعيدا بـالحل الذي يفضلونه، الحلان يناسبانني"، إنّ هذا القول لا يعني إلغاء فكرة الدولتين، وإنّما يعني أنّ على كيان يهود أنْ يختار واحدة من الفكرتين إمّا فكرة الدولتين وإمّا فكرة الدولة الواحدة، وفي كلامه هذا شيء من التهديد المُبطّن بأنّ عليهم الاختيار بين خيارين أحلاهما مرّ.
والدليل على أنّ أمريكا لم تتخلّ عن فكرة حلّ الدولتين موقف السفير الأمريكي الجديد الذي عيّنه ترامب في دولة يهود ديفيد فريدمان، وهو المعروف بانحيازه السافر لليهود وعدائه للمسلمين، فقد اعترف أمام مجلس الشيوخ الأمريكي بأنّه "ليس لديه خيار أفضل من حل الدولتين"، مع أنّه قد أعرب عن تشكيكه بإمكانية حل الصراع بهذه الطريقة.
فلا يبدو والحالة هذه أنّ إدارة الرئيس الأمريكي ترامب تختلف كثيرا في رؤيتها الاستراتيجية عن الإدارات التي سبقتها بالنسبة للمسألة الفلسطينية، والاختلاف بين إدارة ترامب والإدارات التي سبقتها يتعلق بنوعية الخطاب الاستفزازي الذي استخدمه ترامب، بينما يبقى النهج ذاته هو الذي يحكم الجميع.
قد لا يبدو أنّ هناك أي أفق للحل في المرحلة الراهنة على أي أساس، ولكن هذا لا يعني إسقاط فكرة حل الدولتين، وإنّ مجرد وجود الفكرة ولو من دون تطبيق سيبقى يؤرّق يهود، ويجعلهم في حالة من الارتهان شبه الكامل لأمريكا، وسيبقون في حالة عجز تام عن اتخاذ أية قرارات حاسمة في هذا الشأن، لذلك فإنّ ترامب لم يبتّ في الموضوع، وتركه فضفاضاً، وربطه بالتوافق بين الطرفين، ولم يعطِ ليهود تفويضاً بالتصرف في القضية كما يشتهون.
أمّا من جهة الدول العربية فإنّ اعتبارهم لخيار حل الدولتين جزءاً من الثوابت القومية يدل على مدى تردي نظرتهم للثوابت، وعلى مدى تدني أفقهم السياسي، وإنّه لمن السخرية أنْ يصل بهم الانحطاط إلى هذا الحد، فيعتبروا حل الدولتين الذي أصبح في مهب الريح من ثوابتهم القومية.
إنّ شرف تحرير فلسطين لن يحظى به حكام الدول العربية العملاء، ولا خونة منظمة التحرير الفلسطينية وسلطة دايتون التي انبثقت عنها، إنّ هذا الشرف سيحظى به فقط رجال الإسلام وجيش دولة الخلافة، وعندها ستتبدّد أوهام الأقزام، وستتلاشى ثوابتهم القومية المُنكرة، وسيتحوّلون إلى مجرد صحائف سوداء في تاريخ الأمّة الناصع، وسيعود المسلمون خير أمةٍ أخرجت للناس من جديد، وسيقتعدون ذرى المجد، ويتولون قيادة البشرية.
رأيك في الموضوع