بينما تواصل الفصائل العسكرية التزامها بوقف إطلاق النار استناداً لما اتفقت عليه في محادثات أستانة عاصمة كازاخستان؛ يواصل نظام أسد محاولاته في الضغط على بعض المناطق لعقد مصالحات معه أو الرحيل؛ والسيطرة على بعض المناطق الأخرى، حيث يعمل على فتح طريق يصل بين حي جمعية الزهراء في مدينة حلب وبين مدينتي نبل والزهراء في ريفها الشمالي، فيفصل بذلك الكثير من المناطق المحررة في ريف حلب الشمالي الغربي كمدينة عندان وحريتان وكفر حمرة عن باقي المناطق ويطبق عليها الحصار من كافة الجهات، بالإضافة إلى الاتفاق الذي أعلنه مجلس منبج العسكري الخميس 2/3/2017م مع الجانب الروسي على تسليم القرى الغربية في ريف منبج لقوات حرس الحدود التابعة للنظام السوري، وما لاقاه هذا الأمر من موافقة النظام التركي عليه، حيث صرّح رئيس وزراء تركيا بن علي يلدريم أن أنقرة لا تمانع فرض سيطرة الجيش السوري على مدينة منبج، فالأراضي السورية يجب أن تكون للسوريين.وبذلك نجد أن طاغية الشام يتقدم خطوة خطوة وفق استراتيجية دبيب النمل وخاصة في ظل غياب المحاسبة الدولية على الخروقات المتكررة لوقف إطلاق النار المزعوم؛ بينما تراوح الفصائل العسكرية مكانها مكتفية بِعَدِّ الخروقات ومحاولة صد هجمات طاغية الشام المتكررة على المناطق المحررة، وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على أن وقف إطلاق النار يندرج ضمن الخيارات التكتيكية وليس الاستراتيجية لطاغية الشام؛ بينما تعتبره المعارضة خياراً استراتيجياً مما يسمح لطاغية الشام بتعزيز المكاسب الصلبة التي يحقّقها على صعيد السيطرة على المناطق المحررة.
وفي المقابل وعلى الصعيد السياسي حيث انتهت الجولة الرابعة من مفاوضات جنيف بالوصول إلى اتفاق حول مناقشة أربع قضايا بشكل متواز، حيث أعلن المبعوث الأممي إلى سوريا، ستيفان دي ميستورا، أن الأطراف اتفقت على مناقشة أربع قضايا تفاوضية بشكل متواز في الجولات المقبلة من المحادثات. وتتكون السلال من وضع صيغة للحكم في سوريا، وإعداد دستور خلال ستة أشهر وإجراء انتخابات حرة وديمقراطية تحت إشراف الأمم المتحدة خلال 18 شهرا، أما السلة الرابعة، فتقدم بها وفد النظام السوري وتتضمن وضع استراتيجية لمحاربة (الارهاب).
إن المدقق في هذه القضايا الأربع يجد أن المعارضة وضعت مصير ثورة الشام على المحك، فهي تعمل مع المجتمع الدولي الذي تقوده أمريكا على رسم مستقبل أهل الشام؛ حيث سيكون نظام الحكم نظاماً ديمقراطياً يفصل الإسلام عن الحياة؛ سواء أكان نظاماً جمهورياً بشقيه الرئاسي أو الوزاري أم كان نظاماً ملكياً لا فرق في ذلك ما دام الإسلام لن يحكم وما دام الحكم لن يكون لشرع الله، أما بالنسبة لدستور هذه الدولة فلن يكون دستوراً مستمداً من العقيدة الإسلامية بحال من الأحوال؛ بل سيكون دستوراً وضعياً يسطر مواده العقل البشري الذي يتصف بالتناقض والاختلاف مما سينتج دستوراً متناقضاً مختلفاً يؤدي إلى الشقاء وضنك العيش، أضف إلى ذلك موضوع الانتخابات التي بات التلاعب بها أمراً مسلماً به وخاصة عندما تكون تحت إشراف الأمم المتحدة التي أشرف جنودها على مجزرة سربينتشا التي راح ضحيتها أكثر من ثمانية آلاف مسلم؛ وما ستفرزه هذه الانتخابات من شخصيات فصلت على المقاس الأمريكي وجرت صياغتها بشكل يحقق مصالح الغرب وأهدافه، أما بالنسبة لاستراتيجية محاربة (الإرهاب) فهي استراتيجية واضحة تقضي باشتراك النظام مع المعارضة في خندق واحد بل وضع المعارضة في الصفوف الأولى لمحاربة كل من يرفض هذا الحل المعد على الطريقة الأمريكية أو يقاومه، فهدف المفاوضات الحقيقي ليس خفياً على أحد؛ وهو قتل الحالة الإسلامية عند أهل الشام وإعادة إنتاج النظام العلماني من جديد؛ بشيء من التغيير في الوجوه سواء على المستوى الرئاسي أم الوزاري لن يشكل الأمر أي فرق ما دام النظام علمانياً والدستور وضعياً والأشخاص نواطير وحراساً عند الغرب للدستور والنظام المعدان بعناية فائقة.
لا شك أن الوصول إلى اتفاق بشأن هذه الأمور الأربعة وفرضها على أهل الشام يتطلب الكثير من الوقت والكثير من القصف والكثير من القتل والكثير من الخيانة، وهذا ما ينتظر أهل الشام إن لم يتحركوا سريعاً لإنقاذ أنفسهم، وهذا التحرك لا بد له من قيادة سياسية واعية ومخلصة تعرف الأهداف الحقيقية؛ وتبصر الطريق بوضوح للوصول إليها، وتعرف الصديق من العدو وتعرف أساليب الأعداء وفخاخهم، ولا شك أن لحزب التحرير باعاً طويلاً في السياسة؛ فهو الرائد الذي لم يكذب أهله، فقد حذر من المال السياسي القذر كما حذر من الدور الخطير للنظام التركي، وحذر من الاقتتال بين الفصائل ومن الهدن مع طاغية الشام، ولا زال يحذر من المفاوضات التي تباع في حلباتها دماء المسلمين وقضاياهم، كما دعا إلى التوحد حول مشروع سياسي واضح مستمد من عقيدة المسلمين ودينهم قدمه لأهل الشام، ولا زال يدعو أهل الشام وجيوش الأمة الإسلامية للتوجه إلى رأس النظام في دمشق لإسقاطه وإقامة حكم الله على أنقاضه فالنظام لا يسقط إلا في العاصمة، وطريقها لا يمر من جرابلس بكل تأكيد، بالإضافة إلى عمل الحزب في نشر الوعي بين المسلمين لإيجاد الرأي العام على تطبيق نظام الإسلام وأحكامه في دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة القادمة قريباً بإذن الله، فما على أهل الشام إلا أن يضعوا أيديهم بأيدي أبنائهم من شباب حزب التحرير ويسيروا معه للعمل على إقامة شرع الله واضعين نصب أعينهم طريقة رسول الله e في إقامة الدولة الإسلامية الأولى التي أسس بنيانها في المدينة المنورة، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
بقلم: أحمد عبد الوهاب
رأيك في الموضوع