هناك حقيقة سياسية علّمنا الله إياها في كتابه وهي مصدر فكرنا السياسي: ﴿كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُواْ مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾. فعندما لا ينطبق الكلام على الأفعال فاعلم أنه لا يوجد صدق وفي المسألة شيء آخر، وإذا كان فوق ذلك تناقض في الأقوال فاعلم أن هناك لعبا واستخفافا بالعقول.
هذه حال تركيا أردوغان، فكثيرا ما لم تتطابق الأقوال مع الأفعال، بل يحدث أحيانا تناقض في الأقوال. فترى أردوغان وأزلامه في الحكم يقولون شيئا لا يطبقونه على الأفعال، بل أحيانا يتناقضون في التصريح الواحد. فعندما قال "لن نسمح بحماة ثانية" تراه في الواقع لا يفعل شيئا، وفي النهاية يتفق مع المجرمين روسيا وإيران داعمي نظام الطاغية ينفذون حماة ثانية وثالثة ورابعة...، بل يخدع الثوار الذين سممهم بالمال القذر ويخرجهم من حلب ويسلمها لأولئك المجرمين ليفعلوا فيها أكثر مما فعل أسلافهم في حماة. فتناقضات أردوغان وأزلامه في أقوالهم وعدم انطباقها على الواقع كثيرة.
ولنأتِ إلى أقوال محمد شيمشاك نائب رئيس الوزراء التركي يوم 19/1/2017 "علاقات تركيا مع أمريكا متوترة إلى درجة معينة... ويعود ذلك إلى سياسات أمريكا في سوريا ودعمها لقوات حماية الشعب الكردية ولحزب الاتحاد الديمقراطي وهما امتداد لحزب العمال الكردستاني الإرهابي، ولوجود فتح الله غولن الذي كان سببا في تعرض تركيا لمحاولة انقلاب ويوجه جماعته من ولاية بنسلفانيا الأمريكية. وآمل أن تبدي الإدارة الأمريكية القادمة تفهما أفضل ودعما أكثر لمواقف تركيا".
وهذا لا ينطبق على الواقع، فهناك طلبات لتركيا من أمريكا، وعندما لا تلبيها تنصاع تركيا لأوامر أمريكا. فمثلا، عام 2014 عندما دخل تنظيم الدولة كوباني احتجت تركيا على اجتماع الأمريكان مع مسؤولي هذا الحزب بباريس، فقال أردوغان "حلفاؤنا وأصدقاؤنا الأمريكان يجتمعون مع حزب الاتحاد الديمقراطي وهو امتداد لحزب العمال الكردستاني الإرهابي... كيف يحدث ذلك!"، ولكن عندما طلبت أمريكا من تركيا عبر تلفون من أوباما مع أردوغان انصاعت تركيا، وقالت سندخل البيشمركة إلى كوباني، علما أن البيشمركة كانوا يتعرضون لهجوم من قبل تنظيم الدولة وانهزموا أمامه وكاد التنظيم أن يقتحم أربيل لولا التدخل الأمريكي، وإنما احتال أردوغان على الأمر ليخدع الناس، فألبسوا عناصر الحزب ملابس البيشمركة وأرسلوهم إلى كوباني.
فالتوتر الذي تتحدث عنه تركيا أحيانا هو عبارة عن طلبات من أمريكا تتعلق بمصالحها كونها تدور في فلك أمريكا لتحقيق مصالحها، فعندما لا تلبيها تقول هناك توتر بيننا، ولكن سرعان ما تنصاع للأوامر الأمريكية، فهو ليس توترا حقيقيا، وإنما مجرد مطالب فلا تلبى لها.
وأحيانا يكون استعجال من تركيا في تنفيذ خطة أمريكية، وأمريكا لا ترى في ذلك عجلة فتتريث حتى تستنفد أساليبها ووسائلها الأخرى مثل إيران وحزبها وتضع تركيا على الدور، فمنذ عام 2013 وتركيا تلح على أمريكا لتتدخل في سوريا ولكن أمريكا قالت لا، فقيل هناك توتر بين الطرفين، وسافر أردوغان إلى أمريكا، وبعدما عاد سكت عن الحديث حول التدخل. إلى أن جاء اليوم الذي لزم فيه تدخل تركيا فانصاعت فورا عندما جاء نائب الرئيس الأمريكي بايدن يوم 24/8/2016 إلى أنقرة فأوعز لتركيا بالتدخل وطلب من القوى الكردية الانسحاب من أمام القوات التركية حتى تنطلي اللعبة على السذج، وليرتكب أردوغان أكبر خيانة بسحب الثوار من حلب.
وربما تطلب تركيا أمرا من أمريكا أو تكون غير جادة بالطلب، وأمريكا لا ترى ضرورة في ذلك ولها مصلحة أخرى، مثل موضوع غولن، فمنذ نهاية عام 2013 حصل الفراق بين أردوغان وجماعة غولن عندما قامت هذه الجماعة التي كانت تشاركه وتعرف خفاياه وفضحت أمر الفساد الذي تورط فيه أربعة وزراء وابن أردوغان، فأعلن أردوغان حربا عليها، ولم يطالب أمريكا بتسليم غولن، ولكن بعد محاولة الانقلاب يوم 15/7/2016 طالب به، ولكن أمريكا قالت إن تركيا لم تقدم الأوراق الثبوتية على تورط غولن، فلم تر مصلحة مستعجلة في ذلك، وبقاؤه في أمريكا حاليا يخدم أردوغان بحيث يغطي على الحقيقة وهو يعمل على تصفية جماعة الإنجليز لصالح أمريكا لتثبيت نفوذها، فيظهر لعامة الناس كأن محاولة الانقلاب من ورائها أمريكا لوجود المتهم بها غولن في أمريكا وعدم تسليمه لتركيا، وليظهر كأن هناك توترا بين الطرفين كما ذكر شيمشاك، فتغطي على ارتباط النظام التركي بأمريكا وتنفيذه لأوامرها وارتكابه للخيانات العظمى.
وكانت تركيا تقول لنعمل على إسقاط أسد وتنظيم الدولة، فقالت أمريكا فقط نعمل على إسقاط تنظيم الدولة، فتنازلت تركيا وتخلت عن موضوع إسقاط أسد حتى بدأت تعلن بصراحة ضرورة بقائه مرحليا كما تقول أمريكا، إلى أن قالت أمريكا يجب أن يبقى الأسد الآن، فلحقتها تركيا بالقول بذلك، فقال شيمشاك يوم 20/1/2017 "علينا أن نتحلى بالنهج العملي والواقعية، الحقائق على الأرض تغيرت كثيرا وبالتالي لم يعد بوسع تركيا أن تصر على تسوية بدون الأسد. هذا غير واقعي". هذه عقلية حكام تركيا يعلنونها صراحة؛ القبول بالأمر الواقع الذي تفرضه أمريكا مهما كان لأن إرادتهم بيد أمريكا. فأمريكا تعمل على تغيير الواقع لصالحها ومن ثم تجعل أتباعها في تركيا وفي غيرها يسيرون حسب هذا الواقع. ولن تكون هذه آخر خيانة يرتكبها نظام أردوغان تجاه أهل سوريا منفذا أوامر أمريكا في سبيل كسب دعمها للبقاء في الحكم.
وللحط من قيمة روسيا ولجعلها تواصل عملها في سوريا دون أن تنسحب بعدما ورطتها أمريكا هناك لتخدم المصالح الأمريكية ولئلا يلصق الفشل بأمريكا في موضوع سوريا كما فشلت فيه حتى الآن، طلبت من أردوغان الذهاب لمصالحة روسيا ليجتمع مع بوتين يوم 9/8/2016 وللاتفاق معه لتسليمه حلب بقصد إغرائه بمواصلة الانخراط في سوريا لصالح أمريكا حتى لا تدرك روسيا ماذا يحدث، فصدقت روسيا ذلك عندما تحقق لها تسليم حلب الذي استعصى عليها وعلى النظام وإيران وأشياعها، فسلمت أمريكا لتركيا ملف سوريا مؤقتا للعمل مع روسيا المصابة بداء قصر النظر والغباء، ولتقوم تركيا بجلب جماعات سورية خائنة إلى مؤتمر الأستانة لتصدق روسيا بجدية الأمر كأنها تولت الأمور دون أمريكا، حتى إذا ما نجح المؤتمر تتولى أمريكا الإشراف على مؤتمر جنيف المخطط لعقده يوم 8/2/2017، وإلا تبحث عن حيلة أخرى للقضاء على الثورة والمحافظة على النظام العلماني السوري التابع لها.
إذن فالحديث عن توتر العلاقات بين تركيا وأمريكا لا يكون حقيقيا، وإنما هناك طلبات لتركيا التي لا تملك إرادتها فهي أشبه بالعبد أمام سيده، فلا تلبيها أمريكا أو استعجال من تركيا ولأمريكا حسابات أخرى أو للتغطية على أمر ليظهر كأن بينهما توترا.
فما على أهل سوريا، وبخاصة الذين لدغوا من أردوغان أكثر من مرة، إلا أن ينفضوا أيديهم منه ويسقطوا أتباعه من الجماعات الخائنة ويتوكلوا على الله، وليتبعوا حزب التحرير القيادة السياسية المخلصة لتقودهم إلى إسقاط نظام الكفر وإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
رأيك في الموضوع