تصدرت مجريات الأحداث في حلب المشهد الدولي والإقليمي والمحلي؛ وتفاوتت ردود الأفعال بين مستنكر ومندد؛ وقلق وشاجب، وأجمع الكل على الوقوف ساكناً دون أي حراك وهم يرون شبح الموت يخيم على أكثر من مائة وثلاثين ألفا من المسلمين المحاصرين في هذه المدينة المنكوبة بقيادات فصائلها؛ التي شكلت لها هذه المدينة الحاضنة الشعبية وقدمت لها كل أشكال الدعم والمساندة، ووسط هذا الخذلان من القريب قبل البعيد؛ ومن حكام المسلمين قبل المجتمع الدولي؛ تعاني هذه الجموع البرد والجوع؛ والموت الذي لم يغادر منازلهم يوماً؛ بعد أن ضاقت حلقة الحصار عليهم؛ فأصبحوا محاصرين في مناطق ضيقة جداً حتى غدا سقوط أية قذيفة ينذر بمجزرة عظيمة.
وفي ظل هذا الموقف المأساوي؛ تبرز إلى السطح المساومات على معاناة أهلنا في حلب؛ ويصبحون ورقة ضغط لتحقيق مكاسب هنا وهناك، فبعد أن بدأ التهجير إلى خارج المدينة وخروج حوالي خمس دفعات من الجرحى والنساء والأطفال؛ تقفز إلى العلن مطالب جديدة لمليشيات إيران وحزبها في لبنان؛ تتمثل بإخراج الآلاف من المدنيين من مناطق الفوعة وكفريا؛ وهما منطقتان مواليتان لنظام طاغية الشام في وسط المناطق المحررة في محافظة إدلب، وهذه المناطق تعتبر قنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر في الوقت المحدد لها؛ والذي من المرجح أن يعمل طاغية الشام ومرتزقته على الوصول لها بعد إحكام السيطرة على مدينة حلب، فينضم المقاتلون في هذه المناطق وهم بالآلاف إلى قوات طاغية الشام ومرتزقته ليشكلوا قوة لا يستهان بها؛ وسط تفرق قيادات الفصائل وتنازعهم؛ خاصة وأن هذه المناطق لم ينقطع عنها السلاح على مدار السنين الماضية من الحصار عن طريق الصناديق التي تلقيها طائرات طاغية الشام والطائرات الروسية ليلا ونهارا.
لقد صعدت مليشيات إيران من أعمالها؛ وخرقت الاتفاق الذي جرى تحت رعاية القاتل الروسي؛ فأسرت دفعة من المهجرين؛ فقتلت بعضهم وعذبت الآخرين قبل أن تعيدهم إلى مدينة حلب من جديد وتعلق خروجهم؛ حتى تحقيق مطالبها بإخراج المدنيين من مناطق الفوعة وكفريا.
ووسط هذا المشهد الرهيب من الدمار الهائل الذي خلفه القصف الروسي على مدينة حلب فحولها إلى مدينة أشباح، ومن فوق الأنقاض التي علت أجساد الأطفال والنساء والشيوخ الذين لم يستطع أحد أن ينقذهم أو ينتشل الأحياء منهم من تحتها ليتركوا للموت البطيء، ووسط الإعدامات الميدانية للمدنيين؛ واغتصاب النساء المسلمات العفيفات؛ يخرج إلينا طاغية الشام ليعلن انتصاره على شعبه؛ ويقف مزهوا بهذا الانتصار المزعوم مجددا سيرة أبيه في القتل والإجرام، ليس هذا فقط بل يعد بمرحلة جديدة بعد حلب معتبرا حلب نقطة تحول تاريخي؛ فما بعدها ليس كما قبلها على حد تعبيره، كما يخرج إلينا المبعوث الدولي ستيفان دي مستورا (مهددا) بخشيته أن تكون مدينة إدلب هي الوجهة التالية لنظام أسد؛ لتكتمل حلقة التآمر الدولي على هذا الشعب المظلوم.
وإذا نظرنا إلى الأسباب التي أدت إلى هذه الحال نجد أن السبب الرئيس في ذلك؛ هو ارتباط قيادات الفصائل بالداعمين عن طريق المال السياسي القذر؛ مما أدى بهم إلى الارتهان لقرارات داعميهم؛ وكبلهم عن القيام بأي عمل جاد من شأنه أن يفك الحصار عن أهلنا في حلب؛ أو يخفف وتيرة القصف الجنوني عنهم، ناهيك عن الفرقة والتشرذم والتسلط على الناس؛ حتى أدى الأمر بالحاضنة الشعبية إلى الانفجار والخروج بمظاهرات عارمة تعبر عن سخطها على قيادات الفصائل وتنادي بإسقاطهم، وعاد زخم المظاهرات إلى الساحة من جديد ليؤذن بتصحيح المسار الذي انحرف عن هدفه، بعد أن أدرك أهل الشام خطر المال السياسي وتآمر العالم عليهم من يدعي صداقتهم قبل أعدائهم، فكان لا بد بعد أن أدرك أهل الشام الخطر المدمر للمال السياسي القذر؛ والفشل الذريع الذي أحدثه التشرذم؛ كان لا بد لهم من تصحيح المسار واستعادة زمام المبادرة؛ ولكن هذه المرة بالابتعاد عن الجحر الذي لدغوا منه والحفرة التي وقعوا فيها؛ فيمتنعوا عن أخذ أي دعم بأي شكل وتحت أي مسمى من الدول والهيئات؛ بعد أن ثبت تواطؤهم للعيان وتآمرهم على أهل الشام، فإن أي عمل جماعي إذا أراد أن يحافظ على أهدافه ويرعى مصالحه لا بد أن يكون تمويله ذاتيا وإلا سيرتهن لمصالح مموليه وسينحرف عن الهدف الذي أوجد من أجله فتضيع التضحيات وتهدر الدماء، وهذا ما حصل مع أهل الشام ومع أهلنا في حلب بشكل خاص؛ فقد نشرت وسائل الإعلام خبر اتفاق روسي تركي بتسليم مدينة حلب؛ وهذا ما يفسر تقاعس قيادات الفصائل عن نصرة إخوانهم داخل المدينة وخارجها على السواء؛ ويفسر السقوط السريع لهذه المدينة المنكوبة الذي لم يتجاوز بضعة أيام بينما داريا صمدت حوالي أربع سنوات وهي لا تشكل جغرافيا حارة من حارات حلب!
إذن الخطوة الأولى في الاتجاه الصحيح هي قطع العلاقات مع دول الغرب وعملائه، عندها تتحرر الإرادات وتتخذ القرارات المستقلة بالتوحد حول هدف واضح ومحدد وهو إسقاط طاغية الشام وإقامة حكم الإسلام؛ وتكسر الخطوط الحمر وتشتعل المناطق في كافة أرجاء الشام لتتحول إلى نار على طاغية الشام ونورا يضيء ظلام هذا العصر الجبري الذي قربت نهايته بإذن الله لتشرق شمس الخلافة على منهاج النبوة من جديد كما بشر بذلك رسول الله e حين قال: «... ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ نُبُوَّةٍ ثُمَّ سَكَتَ».
بقلم: أحمد عبد الوهاب
رأيك في الموضوع