انعقدت الدورة الحادية عشرة لقمة مجموعة العشرينفي مدينة هانجتشو شرقي الصين يومي 4 و5 أيلول/سبتمبر 2016، وانطلقت فعاليات القمّة تحت عنوان (نحو اقتصاد عالمي مبتكر ومنتعش ومترابط وشامل)، وبحثت القمّة الأزمات الاقتصادية العالمية في ظل تراجع النمو العالمي، وارتفاع نسبة ديون الدول لمستويات عالية، وعالجت القمّة قضية التنمية، ووضعتها في صدارة عمل السياسة الاقتصادية العالمية.
وحدّدت الصين - رئيسة القمّة - أربع قضايا تمسّ الاقتصاد العالمي وهي: زيادة فعالية وإنتاجية الإدارة الاقتصادية والمالية، والتجارة العالمية والاستثمارات، والتنمية الشاملة والمترابطة، والعوامل الأخرى التي تؤثر على الاقتصاد العالمي، واتفقت الصين وأمريكا وهما اللتان تملكان أكبر اقتصادين في العالم على دعم العولمة بشكل عام، فدعا الرئيس الصيني شي جين بينغ خلال حفل الافتتاح إلى بناء "اقتصاد عالمي مفتوح" وعدم السماح بإقامة حواجز تجارية، فيما حضّ الرئيس الأمريكي باراك أوباما المجتمعين على: "تحفيز النمو الاقتصادي وتعزيز التجارة الحرة وبناء اقتصاد أكثر عدلاً".
وتُمثّل دول مجموعة العشرين ٩٠% من الإجمالي العالمي (للإنتاج القومي)، و٨٠ % من نسبة التجارة العالمية، وثلثي سكان العالم، وتأسّست مجموعة العشرين في العام ١٩٩٩، وتتألف مـن وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية، وتهدف المجموعة إلى الجمع بين الأنظمة الاقتصادية للدول الناشئة والدول الصناعية الكبرى لمناقشة القضايا الرئيسية المُتعلّقة بالاقتصاد العالمي، وتضم كلاً من أمريكا وبريطانيا وكندا وألمانيا وأستراليا وفرنسا وإيطاليا والصين والهند وكوريا الجنوبية وإندونيسيا واليابان والأرجنتين والبرازيل والمكسيك وروسيا وتركيا والسعودية وجنوب أفريقيا بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي.
وجاء في البيان الختامي لقمّة هانجتشو أنّ هذه القوى: "تؤكد مجددًا معارضتها لكل أشكال الحمائية في مجالي التجارة والاستثمار". وقال الرئيس الصيني شي جين بينغ في ختام القمة: "نحن مصممون على تنشيط التجارة كمحرك للنمو، وبناء اقتصاد عالمي منفتح"، وأشار إلى أن المشاركين في المجموعة اتفقوا على: "تحسين الحوكمة العالمية وتطبيق الإصلاحات المالية المختلفة للوقاية من هذه المخاطر"، وأعلن: "أن قادة أكبر الاقتصاديات المتقدمة والناهضة اتفقوا على التصدي لتدابير الحماية التجارية، ووضعوا أول إطار عالمي لقواعد الاستثمار المشترك".
حاولت الصين أنْ تلعب دور الساعي إلى إنقاذ الاقتصاد العالمي المتداعي، مُستغلّةً تحول أنظار دول العالم إليها لمساعدتها في الخروج من الأزمة المالية التي ما زالت آثارها تضرب اقتصاديات غالبية الدول الكبرى منذ نشوب أزمة عام 2008، وأدرك قادة الصين أنّ دولتهم تستحق أن تلعب دوراً عالمياً مهمّاً يناسب مكانتها كأكبر ثاني قوة اقتصادية في العالم، وظهر الرئيس الصيني شي جين بينغ في القمّة كزعيم عالمي مؤثّر أمام قادة العالم، وأظهر مكانة الصين كدولة قوية وقادرة ومستعدة للعب دورها في قيادة الاقتصاد العالمي بكل ثقة وجدارة.
ومن المفارقات العجيبة في هذه القمّة أنّ الصين الشيوعية تفوّقت على أمريكا في الترويج لفكرتي تنشيط التجارة الحرّة وإزالة القيود الحمائية، وهما من أسس النظام الرأسمالي في الوقت الذي لا تزال الصين تُصنّف على أنّها دولة اشتراكية!
لكنّ الصين تعرّضت لانتقادات لاذعة بسبب سياسات الإغراق التي تتبعها في التصدير، لا سيما سياساتها المتعلّقة بالفولاذ، وطالبتها الدول في المؤتمر بالعمل على خفض الإغراق الذي تعاني منه سوق الفولاذ العالمية، وأشار البيان الختامي لهذه المسألة دون أن يشير إليها بالاسم، فلفت البيان الانتباه إلى الآثار السلبية على التجارة والعمال بسبب: "الإغراق الصناعي"، وقرّرت المجموعة إقامة منتدى عالمي حول الإغراق في مجال الفولاذ لتقييم جهود الدول في التصدي له.
إلاّ أنّ ضعف الاقتصاد العالمي ألقى بظلاله على تحمس الدول الرأسمالية لحرية التجارة وللعولمة، فقد أقرّ الرئيس الأمريكي باراك أوباما بوجود إخفاقات بسبب سرعة العولمة فقال: " إنّ كثيرا من (مواطنينا) محبطون بسبب سرعة العولمة، ويشعرون بأنهم لا يختبرون فوائد التجارة الدولية"، وأضاف: "يجب أن نعمل معاً لتحفيز النموّ الاقتصادي وتعزيز التجارة الحرة وبناء اقتصاد أكثر عدلاً للجميع"، وهذه التصريحات تدل على إخفاق كبير للفكرة التي كانت أمريكا دائماً تحث العالم على اعتمادها، فالكلام عن مشكلة سرعة العولمة هو في الحقيقة يُعتبر أكبر دليل على فشل الفكرة نفسها، وفشل النظام الرأسمالي الذي أفرزها.
لقد كشفت القمّة عن وجود مشكلة اقتصادية خطيرة يستعصي حلّها، وهي مشكلة الحماية التجارية، حيث تضع معظم الدول القيود الظاهرة والخفيّة على انسياب التجارة عبر أسواقها، وتستخدم معظم الدول في مجموعة العشرين التكتلات الاقتصادية المنضوية بداخلها لعرقلة حرية التجارة بدلاً من تسهيلها، بالرغم من أنّها تتحدّث دائماً عن حرية التجارة ومحاربة فكرة الحماية، فأفعال الدول في هذه المسألة تُناقض أقوالها، لذلك أصبحت القوى الاقتصادية الكبرى تُحاول وضع قواعد دولية للحوكمة تكون بمثابة القوانين التي تُجبر جميع الدول على عدم اللجوء إلى استخدام أسلوب الحماية.
لكنّ هذه القواعد التي يُريدون فرضها على الدول لن تُجدي نفعاً بسبب صعوبة فرضها من ناحية عملية، وبسبب عدم رغبة الدول بالتعاطي معها، فالعالم ليس كياناً واحداً، والمصالح الاقتصادية بين الدول غالباً ما تكون مُتضاربة في هذا الموضوع، ووجود القوانين الداخلية للدول يُعيق عمل تلك القواعد التي لا تقف وراءها قوة موحدة تستطيع إلزام الجميع بالامتثال لها، وهكذا تبقى نجاعة أساليب التصدي لتدابير الحماية محدودة، ويغلب عليها الشعارات والخطابات الإنشائية.
وعلى هامش قمّة العشرين حاولت الدول الكبرى الأخرى - غير أمريكا والصين - التأثير في المؤتمر والدفاع عن مواقفها التي تحفظ مصالحها التي قد تكون مُهدّدة مثل بريطانيا والتي بسبب خروجها من الاتحاد الأوروبي قد تجد نفسها معزولة، لذلك حاولت إظهار نفسها بأنّها قوة اقتصادية لا تعتمد على الاتحاد الأوروبي، فأرسلت عبر المؤتمر إشارات إلى القوى الاقتصادية الكبرى تُشعرها بقوتها التي تجعلها محل ثقة العالم بها، واستخدمت أستراليا للترويج لها، فقال رئيس الوزراء الأسترالي مالكوم ترنبول: "أنا ورئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي ملتزمان بالتوصل إلى اتفاق مبكر للتجارة الحرة كي تكون الأسواق مفتوحة على مصراعيها بين أستراليا وبريطانيا عندما تغادر بريطانيا الاتحاد الأوروبي"، وأضاف: "ينبغي أن يتوصلوا إلى اتفاقات للتجارة الحرة ونحن متحمسون وداعمون ونقدم لبريطانيا كل ما يمكننا تقديمه من مساعدة على المستوى الفني".
وأمّا فرنسا وألمانيا وإيطاليا فكان الاتحاد الأوروبي هو لسان حالها في القمّة، ولم تظهر لها مواقف خاصة بها، وعملت كقوة أوروبية اقتصادية مُوحّدة، وأمّا روسيا فغلب عليها النشاط السياسي لعدم كونها قوة اقتصادية فاعلة في المجموعة، وأمّا باقي دول المجموعة الناشئة كالبرازيل وجنوب أفريقيا وتركيا وإندونيسيا وكوريا الجنوبية والمكسيك والسعودية فلم يظهر لها أي دور لافت في القمّة، وبدا وكأنّها استسلمت للقوى الكبرى فيها، وقبلت بأنْ تكون قوى تابعة لها!
رأيك في الموضوع