تعيش العلاقات المغربية الأمريكية توترا ملحوظا منذ آذار/مارس الماضي، فبتاريخ 5 آذار/مارس وصف بان كي مون الوضع بالصحراء بالاحتلال خلال زيارته لمخيمات تيندوف، مما حدا بالمغرب في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ الأمم المتحدة إلى طرد الشق المدني من بعثة الأمم المتحدة بالصحراء وتعليق مساهمته الطوعية في نفقاتها وتهديده بسحب التجريدات المغربية المنخرطة في عمليات حفظ السلام. ومعلوم أن تصريح الأمين العام للأمم المتحدة ما كان ليكون إلا بضوء أخضر من أمريكا المتحكمة في ملف الصحراء والعاملة لإطالة أمده ليبقى نقطة ابتزاز للنفاذ إلى المغرب. وقد استمر الشد والجذب في شأن ملف الصحراء إلى حين تصويت مجلس الأمن في 29/04 على قراره بشأن الصحراء اعتمادا على مشروع قرار أمريكي، والملاحظ أنه لا يوجد فرق بين القرار الصادر سنة 2015 و2016 إلا فيما هو متعلق بعودة بعثة "المينورسو" والتشديد على أهمية التزام الطرفين بالمفاوضات بعد أن كانت الصيغة الترحيب بالتزام الطرفين بالحوار، كما أنه لم يتضمن أي عقوبات للمغرب. فأمريكا تضغط على المغرب دون أن تصل للقطيعة ليعود للمفاوضات وفق ما هو مرسوم لها أمريكيا، ولا تريد من المغرب أن ينفرد بالحل من خلال سياسة الأمر الواقع بالصحراء وفرض مقترح الحكم الذاتي كحل أوحد ووحيد واستبعاد استفتاء تقرير المصير.
وقد حدث خلال هذه الفترة أن صدر تقرير وزارة الخارجية الأمريكية حول حالة حقوق الإنسان بالمغرب في 13/04 والذي انتقد الظروف غير الإنسانية بالسجون وانتهاك قوات الأمن لحقوق الإنسان والتعذيب أثناء الاحتجاز، مؤكدا على استمرار سياسة الإفلات من العقاب للمسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان في الأجهزة الأمنية. وذكر التقرير استمرار التضييق على حرية الصحافة وحرية التعبير والحريات المدنية والفردية، واستمرار التمييز والعنف ضد المرأة. ووقف التقرير على ما أسماه تمييزا ضد الأمازيغ. ونفى استقلال القضاء بالمغرب واعتبر أن إصلاحات دستور 2011 لم تنزل على أرض الواقع. كما تطرق التقرير للوضع الحقوقي بالصحراء حيث أكد بأن الحق في التجمع السلمي غير مسموح به وكذا الحق في تأسيس الجمعيات المدنية.
ثم جاء خطاب الملك محمد السادس بلهجة غير معتادة أمام القمة المغربية الخليجية في الرياض في 20/04أكد فيه أن "المغرب حر في قراراته واختياراته وليس محمية تابعة لأي بلد".وأشار إلى أن هناك "محاولة ضرب التجارب الناجحة لدول أخرى كالمغرب، من خلال المس بنموذجه الوطني المتميز". وأضاف "إن الوضع خطير، خاصة في ظل الخلط الفاضح في المواقف، وازدواجية الخطاب بين التعبير عن الصداقة والتحالف، ومحاولات الطعن من الخلف"، وتساءل "ماذا يريدون منا؟". واتهم الملك أمريكا بالعمل على استمرار النزاع بالصحراء من خلال اتهام مساعدي بان كي مون ومستشاريه بملف الصحراء.
فالخطاب الملكي أعلن بوضوح أن المغرب كما دول الخليج والأردن مهدد في أمنه من خلال ثورات "الخريف العربي"، وأن هناك محاولات لضرب نموذجه الوطني، وأن وحدته الترابية المغربية تعرف وضعا خطيرا وغير مسبوق.
إن في كل ما ذكر الخطاب يد العبث الأمريكية حاضرة بجلاء، إلا أن الدولة المغربية والإعلام الرسمي المغربي بعد الخطاب الملكي وجه سهامه لأمريكا فقط في قضية الصحراء واتهمها بازدواجية الخطاب والعمل على فصل الصحراء عن المغرب. ولعل هذا التركيز دافعه آنية قضية الصحراء وعرضها حينها على أنظار مجلس الأمن. وانتظرت الدولة المغربية إلى 17/05 لترد على تقرير وزارة الخارجية عن حقوق الإنسان بالمغرب والذي يدخل في خانة محاولة ضرب النموذج الوطني الناجح والمتميز للمغرب والذي حصنه من ثورات "الخريف" العربي، حيث أصدرت وزارة الداخلية بلاغاشديد اللهجة يتهم التقرير بـ"الكذب وصناعة وقائع وهمية"، وجاء في البلاغ أن "المغرب الواثق من تطور نموذجه المجتمعي الذي تمت بلورته ويجري تفعيله من قبل المغاربة ومن أجلهم، والذي لا يقبل تلقي دروسا من أي كان...". ثم استدعت وزارة الخارجية المغربية يوم 18/05 سفير الولايات المتحدة الأمريكية بالمغرب وذلك في حضور محمد ياسين المنصوري المدير العام للدراسات والمستندات (مخابرات خارجية)، وقد عرضت خلال المقابلة ثلاث حالات "للتلاعب الواضح والأخطاء الفاضحة" التي تشوب التقرير وأهمها الحالة الثالثة التي جاءت على ذكر عبد اللطيف الحموشي المدير العام للأمن الوطني ورئيس جهاز مراقبة التراب الوطني و"المستشار الأمني للملك محمد السادس" حسب ويكيليكس. وعلى إثر هذا الاحتجاج اعتذرت السفارة الأمريكية رسميا يوم 20/05 وقالت "وقع هناك خطأ في قضية الحكم بالسجن على المهداوي، إذ أشار التقرير إلى اسم عبد اللطيف الحموشي، المدير العام للأمن الوطني والمدير العام لمراقبة التراب الوطني، بينما لم يكن في ذلك الوقت قد تسلم منصبه الجديد"، وأضافت السفارة "نود أن نقدم اعتذارنا عن هذا الخطأ الذي لم يكن مقصودا"، وعلاقة بالحالتين المتبقيتين موضوع الاحتجاج نقل موقع جريدة الأخبار نقلا عن الناطق باسم الخارجية الأمريكية أن "السفارة الأمريكية ليس لديها أية إضافات في هذه الحالات".
إن ذكر مسؤول الأمن والاستخبارات بالمغرب عبد اللطيف الحموشي بالاسم مقصود بالتقرير ولعله هو المقصود بظاهرة الإفلات من العقاب لدى المسؤولين الأمنيين المتهمين بانتهاك حقوق الإنسان. ويذكرنا هذا الاحتجاج من المغرب بسابقة محاولة الشرطة الفرنسية اعتقال الحموشي خلال زيارته لفرنسا مما دفع المغرب لتعليق تعاونه القضائي مع فرنسا ولم تعد العلاقات إلى ودها بين المغرب وفرنسا إلا بعد اعتذارها وتوشيح فرنسا للحموشي بوسام جوقة الشرف بدرجة ضابط لجهوده بمكافحة الإرهاب.
ويبقى السؤال ماذا يريدون منا؟
إن أمريكا من خلال تصريحات بان كي مون أرادت الضغط على المغرب للعودة للمفاوضات بنَفَس أمريكي. وهي من خلال تقريرها عن حقوق الإنسان ترسل رسالة بأن المغرب لا يشكل استثناء في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وهو ليس واحة للديمقراطية وأن نموذجه المجتمعي ودستور 2011 حبر على ورق، ومن جهة ثانية تستغل هذا التقرير الموضوعاتي للكونغرس من أجل غرض سياسي وهو الضغط على المغرب لمزيد من الانبطاح لمطالبها خاصة ما يتعلق بحرية الصحافة وحرية تأسيس الجمعيات وتغيير القوانين ووقف الممارسات التي تحد من هذا الشأن، مما يتيح لعملائها وأدواتها العمل بأريحية وانتقاد النظام تحت مظلة الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.
لكن هل هذه الأهداف الأمريكية ترقى إلى تهديد أمن المغرب ووحدته الترابية وإلى الخطاب غير المسبوق من الملك والخطاب الناري من وزارة الداخلية.
إن أمريكا تخوض صراع وجود بتحالف دولي ضد الأمة الإسلامية في سوريا، وتخوض صراعا مع بريطانيا حول اليمن وصراعا مع فرنسا حول مالي وصراعا مع أوروبا وعلى رأسها بريطانيا في ليبيا، وفي كل هذه الصراعات نجد المغرب. فهو كان له دور محوري في مفاوضات الفرقاء الليبيين في مدينة الصخيرات والتي أسفرت عن تشكيل الحكومة الليبية التي ما زالت أمريكا من خلال عميلها حفتر تعرقلها لعلها تجد لها موطئ قدم راسخ بليبيا. وأمريكا غير راضية أن يمد المغرب دول الخليج وخاصة الإمارات بجنوده للوقوف لمشاريعها كما في اليمن، وغير راضية أن يستغل المغرب نفوذه التاريخي ودبلوماسيته لرعاية الحل الأوروبي-البريطاني بليبيا، وهي غير راضية على استغلال نفوذ المغرب التاريخي و"الديني" للنفاذ إلى إفريقيا وملء الفراغ الذي خلفه القذافي بإسقاط حكمه.
إضافة إلى أن أمريكا جادة في نقل قاعدة أفريكوم إلى إفريقيا وهي ترى أن المغرب هو الأنسب لذلك لموقعه الاستراتيجي ووضعه السياسي؛ فقد نقل موقع "le 360" يوم 21/05 عن مركز الأبحاث الكندي CRGأن أمريكا جددت طلبها للمغرب لاستقبال أفريكوم وقد كانت توجهت للمغرب بهذا الطلب قبل 8 سنوات لكن المغرب استطاع أن يتجاوز الطلب الأمريكي ويقتصر على التنسيق المتقدم العسكري مع أمريكا والذي منه مناورات الأسد التي تجرى بمدينة طانطان. وقد كتب الخبير "جيمس روينس" المعتمد لدى مجلس السياسات الخارجية الأمريكية والموظف السابق بوزارة الدفاع الأمريكية مقالا على موقع US Newsبتاريخ 27/04 حول ضرورة نقل مقر أفريكوم إلى المغرب كشرط ضروري لحماية استقرار المنطقة، بل ربط موافقة المغرب بإقامة قاعدة عسكرية على أرضه ونقل قيادة أفريكوم من ألمانيا إلى المغرب، بحصول المغرب على موقف أمريكي مؤيد لقضية الصحراء.
نعم إن أمريكا تضغط على المغرب ليسير في مفاوضات الصحراء كما تريد وتذكره أن مشروعه المجتمعي ليس مرضيا عنه إلا بقدر سيره في مخططاتها، وهي تريد للتحولات بالمغرب أن تخدم مصالحها ورجالاتها للمستقبل الذين تصنعهم على عين بصيرة، وهي بهذه الضغوط تسعى لشغل المغرب داخليا لكي يتوقف عن عرقلة مشاريعها الإقليمية خاصة بليبيا والسير في فتح قاعدة لأمريكا في أراضيها باسم التعاون لمحاربة إرهاب تنظيم الدولة الإسلامية.
بقلم: محمد عبد الله
رأيك في الموضوع