جاء في البيان الصادر عن اجتماع وزراء الداخلية العرب في ختام دورتهم الثالثة والثلاثين في تونس يوم الأربعاء الثاني من آذار/مارس 2016 إدراج توصيف "حزب الله" بالإرهابي في نص البيان الختامي حيث ورد فيه "إدانته وشجبه للممارسات والأعمال الخطرة التي يقوم بها حزب الله الإرهابي لزعزعة الأمن والسلم الاجتماعي في بعض الدول العربية". (الجزيرة.نت 2/3/2016)، وقد سبق هذا بساعات إعلان دول مجلس التعاون الخليجي بحسب بيان الهيئة العامة للمجلس أنها "قررت "اعتبار مليشيات حزب الله، بكافة قادتها وفصائلها والتنظيمات التابعة لها والمنبثقة عنها، منظمة إرهابية" (الجزيرة.نت 2/3/2016)، ثم تبع ذلك في 11/3/2016 تضمين توصيف حزب الله "بالإرهابي" في نص قرار مجلس جامعة الدول العربية في ختام أعمال دورته على مستوى وزراء الخارجية.
وقد جاء هذا التوصيف في سياق التعرض للأحداث في البحرين حيث ورد في بيان المجلس أنه يستنكر ("التدخلات الإيرانية المستمرة في الشأن الداخلي لمملكة البحرين، وذلك من خلال مساندة الإرهاب وتدريب الإرهابيين وتهريب الأسلحة والمتفجرات وإثارة النعرات الطائفية ومواصلة التصريحات على مختلف المستويات لزعزعة الأمن والنظام والاستقرار وتأسيسها لجماعات إرهابية بالمملكة ممولة ومدربة من الحرس الثوري الإيراني وحزب الله الإرهابي"... وأكد مجلس الجامعة أن "التدخلات الإيرانية تتنافى مع مبدأ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية وفقا لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي. وأفاد البيان أن المجلس "أشاد بجهود الأجهزة الأمنية في البحرين، التي تمكنت من إحباط مخطط إرهابي، في يناير الماضي، وإلقاء القبض على أعضاء التنظيم الإرهابي الموكل إليه تنفيذ هذا المخطط والمدعوم من قبل ما يسمى بالحرس الثوري الإيراني وحزب الله الإرهابي، والذي كان يستهدف تنفيذ سلسلة من الأعمال الإرهابية في ربوع المملكة".) (سي أن أن 11/3/2016)، وقد تحفظت كل من لبنان والعراق على التوصيف كما أدرجت الجزائر ملاحظة على القرار، وقد ظهر أنه تم تمرير هذا التوصيف في ظرف استلام البحرين لرئاسة الدورة الحالية للجامعة، وبالتزامن مع انتخاب أمين عام جديد للجامعة. فعلى الرغم من موافقة مصر على القرار أشار سياسيون مصريون مقربون من السلطة في مصر إلى "أن اعتبار الجامعة العربية حزب الله منظمة إرهابية توصية وليس قرارا، كونه جاء بالأغلبية وليس الإجماع، وبالتالي فإن مصر غير ملزمة بالأخذ به". (الغد 12/3/2016 مقابلة مع اللواء محمود زاهر).
وكانت البحرين قد قامت بإدراج "حزب الله" ضمن المنظمات الإرهابية سابقا في 18/12/2015 "أدرجت مملكة البحرين مجموعة من المنظمات على قائمة "الإرهاب"، منها "حزب الله اللبناني"، و"تنظيم 14 فبراير"، و"سرايا الأشتر"، و"سرايا المقاومة"، لتصبح من المنظمات "الإرهابية" في البلاد، كما هو معمول في بعض دول مجلس التعاون الخليجي". (الخليج أون لاين 18/12/2015).
وعلى الرغم من التسويق الإعلامي للقرار بأنه قرار سعودي إلا أن نصوص القرارات والتصريحات التي تصدر عن السعودية يظهر فيها أنها تختلف عن نسق البحرين في التعامل مع "حزب الله"، وتَفهُّم الفرق بين الموقفين ضروري لوضع القرارات الصادرة في سياقها.
إذ إن الموقف السعودي من "حزب الله" يتعلق بأنشطة الحزب خارج لبنان، فقد جاء في البيان الصادر عن مجلس الوزراء السعودي يوم الاثنين 7/3/2016 بالإشارة إلى القرار الذي اتخذته دول مجلس التعاون باعتبار "مليشيات حزب الله بقادتها وفصائلها والتنظيمات التابعة لها والمنبثقة عنها منظمة إرهابية". حيث رأى مجلس الوزراء السعودي أن "القرار جاء نظرا لاستمرار الأعمال العدائية التي يقوم بها أفراد تلك المليشيات، وما تشكله من انتهاك صارخ لسيادة دول المجلس وأمنها واستقرارها، إضافة إلى ممارساتها في عدد من الدول العربية التي تتنافى مع القيم والمبادئ الأخلاقية والإنسانية والقوانين الدولية، وتشكل تهديدا للأمن القومي العربي". (الجزيرة.نت 7/3/2016)
كما أن السعودية قامت في 26/11/2015 بفرض عقوبات على 12 شخصا ومؤسسة قالت إنهم يعملون لصالح حزب الله اللبناني، وقد علقت وكالة الأنباء السعودية الرسمية على قرار السعودية في حينه بحسب ما نقله عنها موقع (الحرة) في 26/11/2015 "بأن المملكة قامت بتصنيف أسماء لقياديين ومسؤولين من حزب الله على خلفية مسئولياتهم عن عمليات لصالح الحزب في أنحاء الشرق الأوسط، بالإضافة إلى كيانات تعمل كأذرع استثمارية لأنشطة الحزب، في إطار مزيد من الاستهداف لأنشطة حزب الله خارج لبنان، حسب قولها."، فالإشارة إلى استهداف أنشطة الحزب خارج لبنان هو القيد السعودي فيما يتعلق بالعقوبات والتصنيف "لحزب الله".
أما البحرين فقد استغلت هذا السياق بمحاولة إزالة هذا القيد وجعل وصف حزب الله "بالإرهابي" مطلقا من القيود، وذلك لأن البحرين تتحرك وفق السياسة البريطانية في المنطقة وقد عادت للحماية البريطانية المباشرة في أعقاب صعود عملاء أمريكا للحكم في السعودية، حيث تم البدء بتدشين قاعدة عسكرية بريطانية دائمة في البحرين في 1/11/2015، وقد علق فيليب هاموند وزير الخارجية البريطاني في حينه بقوله "وجود البحرية الملكية في البحرين مضمون في المستقبل، بما يضمن وجود بريطانيا المستمر شرق السويس". كما قال "المرافق العسكرية البريطانية في البحرين تجعلنا نواجه أي تحدٍّ قد يواجه الخليج مستقبلًا، وأعتقد أن الحرب على العراق وسوريا واليمن، من أهم التحديات التي تواجه الجميع وقد تهدد أمن الخليج، إلا أننا سنكون موجودين لحماية أمن المنطقة" (صحيفة عاجل الإلكترونية 1/11/2015)، وهذا الوجود العسكري البريطاني المباشر جعل للبحرين هامشا للمناورة وهو وإن كان هامشا ضيقا إلا أنه كاف في إرباك المشهد.
وعلى الرغم من ترحيب واشنطن الرسمي لتوصيف حزب الله "بالإرهابي" على لسان نائب المتحدث باسم الخارجية الأمريكية مارك تونر حيث قال "إن الولايات المتحدة ستواصل مشاوراتها مع دول مجلس التعاون الخليجي حول إمكان فرض عقوبات وأي إجراءات أخرى لمواجهة أنشطة حزب الله الإرهابية في المنطقة". (الوفد 8/3/2016)، إلا أنها في تقرير التقييم الأمني السنوي الذي قدمه مدير جهاز الاستخبارات الوطنية جيمس كلابر إلى مجلس الشيوخ الأمريكي استبعدت كلا من إيران وحزب الله في لبنان من قائمة التهديدات الإرهابية لمصالح الولايات المتحدة للمرة الأولى منذ سنوات.
"وأشارت نسخة من التقرير الذي صدر في 26 شباط الماضي بعنوان "تقييم التهديدات حول العالم لأجهزة الاستخبارات الأمريكية" إلى جهود إيران في محاربة "المتطرفين السنة"، ومن بينهم مقاتلو تنظيم "داعش" الإرهابي الذين لا يزالون يشكلون أبرز تهديد إرهابي على المصالح الأمريكية في العالم". وعلى خلاف تقرير سابق صدر في كانون الثاني 2014 وتقارير أخرى سابقة، أدرجت كلا من إيران وحزب الله في خانة الإرهاب، لم تتضمن نسخة هذا العام أي إشارة لهما في هذا الخصوص. أما حزب الله فبعد أن ذكر تقرير العام الماضي أن نشاطه الإرهابي العالمي زاد في السنوات الأخيرة إلى "مستوى لم نشهده منذ التسعينات"، لم يرد ذكر الحزب إلا مرة واحدة في تقرير هذا العام في معرض أنه يواجه تهديدا من تنظيم داعش وجبهة النصرة على حدود لبنان". (صحيفة كيهان الإيرانية 13/3/2016)
كما أن التصرفات السعودية الأخيرة التي تتعلق بوقف المساعدات العسكرية عن لبنان واتهام حزب الله باختطاف الدولة في لبنان، جاءت في سياق المحافظة على النفوذ الأمريكي في المؤسسة العسكرية اللبنانية، ومؤدى ذلك بقاء حزب الله مهيمنا على الساحة اللبنانية وحارسا للنفوذ الأمريكي فيها. إلا أن ما يجب لفت النظر إليه هو أن أمريكا قد أشارت على لسان كيري أمام إحدى لجان الكونغرس أن "الحرس الثوري سحب عناصره بالفعل من سوريا، لقد سحب آية الله خامئني عددا مهما من الجنود هناك. تواجدهم يتراجع فعليا في سوريا"... في حين لم يكشف وزير الخارجية عن مصدر معلوماته خلال جلسة علنية، لكنه دعا المشرعين إلى "الاطلاع على ملخص لأجهزة الاستخبارات". (فرنسا 24، 25/2/2016)، وهذه الإشارة قد لا تكون بعيدة عن سلسلة من الخطوات الأمريكية في سوريا لتلزيم قوات "سنية" القيام بأعمال عسكرية في سوريا ضد حركات بعينها في سوريا ضمن مشروع أمريكا للحفاظ على النظام في المرحلة القادمة، مما قد يستلزم انسحاب أو إعادة تموضع للمليشيات الإيرانية ومليشيات حزب الله في سوريا.
يبدو أن أمريكا ترسم خطوط نفوذ رعاية مصالحها بين عملائها في المنطقة إيران وتركيا والسعودية ومصر حتى تتقاطع أدوارها ولا تتعارض، إلى أن يقيض الله سبحانه لأمة الإسلام من يقطع دابر هؤلاء أجمعين، يكون شعاره ﴿إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ ۖ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ *وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلَا أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ﴾.
رأيك في الموضوع