المشهد سريالي بامتياز، فما هي يا ترى القواسم المشتركة بين المتطرفين من حزب الشاي في أمريكا والشوفينيين في روسيا وأعداء الأجانب في هولندا والدنمارك، والنازيين الجدد في ألمانيا، لا بل واليساريين في سنغافورة والقوميين الوطنيين في عامة الغرب، التي جعلت كل هؤلاء يوجهون سهامهم في حركة متناغمة تجاه المهاجرين، وبالذات المسلمين منهم؟
ثم هذه الثنائية بين حاجة الغرب الماسة إلى الشباب والمهاجرين، وبين التكشير عن الأنياب في وجوههم، وهذا الذي يفتح ذراعيه لاستقبال آلاف المهاجرين، ويرى أن عجلة الحياة لن تدور إلا بجيل الشباب من المهاجرين الجدد، والآخر الذي يقول إنهم خطر محدق مميت علينا وعلى حضارتنا.
لا يخفى على العين المجردة في الغرب أن ناراً عظيمة تحت الرماد، وأن الأجواء ملبدة بغيوم سوداء، ولم يعد السؤال إذا ما كانت العاصفة قادمة بل متى، ذلك أن الحملات المناهضة للمهاجرين وبالذات المسلمين منهم في الغرب أصبحت تأخذ أشكالاً وأبعاداً جديدة، ولم يعد الأمر - وهذا الأخطر - يتعلق بأطراف اليمين والذي كان معزولاً نسبياً في الحياة السياسية في الغرب، بل يشترك في الحملة حتى من كانوا يوماً في الجانب الآخر، مما يدل على عمق الأزمة.
ولتحليل هذا العداء، أسبابه ومسبباته، الحقيقية منها والموهومة، ثم النافخين في نارها والمستفيدين منها على كافة الأصعدة، لا بد أن نأخذ الصورة كاملة.
بدأت المشكلة عندما استيقظ الغرب على فشل حلمه بصهر المسلمين في مجتمعاته، وتحولهم عن الإسلام لصالح المنظومة الليبرالية الغربية. هنا بدأت السهام تتوجه للإسلام ذاته على أنه هو السبب في عدم تحقيق حلمه. وعندما سأل جورج بوش الابن يوماً سؤاله الشهير "لماذا يكرهوننا؟!" انبرى السيد جو سكاربورو مقدم البرنامج التلفزيوني الشهير للإجابة على ذلك السؤال بالقول: "تعلمون لماذا يكرهوننا، إنه بسبب دينهم وبسبب ثقافتهم، ولأنهم يريدوننا أن نكون مثلهم".
وفي هذا السياق خلص الكاتب والمحلل كرستوفر كالدول في كتابه عن قضايا الهجرة والإسلام في الغرب، أن مشكلة أوروبا الأساسية مع الإسلام ومع قضية الهجرة عامة هي أن الجاليات المسلمة هي من الناحية الثقافية ليست أوروبية على الإطلاق، ومع أنه امتدح الإسلام إلا أنه يقول أن الإسلام ليس بحال من الأحوال دين أوروبا، وليست ثقافته بأي من الأشكال ثقافة أوروبا، ثم ذهب بعيداً عندما قال أن المسلمين في بعض مدن أوروبا يعملون على خلق مجتمعات موازية تسود فيها أنماط غير أوروبية من السلوك والتقاليد واللغة.
والأمر الآخر الذي يثير الرعب في الغرب بحق أو بغير حق، وهذا يحتاج إلى بحث عميق، هي تلك المقولة التي تنتشر كالنار في الهشيم، وهي أن المسلمين هم الوارثون قريباً للغرب، ونظرة إلى كتاب موت الغرب (The Death of the West) لمؤلفه باتريك بوشنان السياسي الأمريكي المخضرم، قد افتتح المؤلف كتابه ذلك بكلمات رثاء حزينة في نهاية قريبة للغرب بسبب انخفاض معدل النمو السكاني، والتباين الكبير بين معدلات الوفيات والولادات فيها، مقابل ما أسماه جحافل الغزاة من المهاجرين، تؤكد ذلك.
ثم ذهب إلى أبعد من ذلك، عندما شبه خطر المهاجرين الماثل اليوم بذلك الموت الأسود (الطاعون) الذي حصد ثلث أرواح الأوروبيين في القرن الرابع عشر. وقرر في كتابه ذلك أن سبعة عشر بلداً أوروبياً تكثر فيها أعداد الجنازات عن الاحتفالات بالولادة.
الباعث الاقتصادي لكراهية المهاجرين لا يقل خطراً عن البواعث العقدية أو الوجودية. وأوروبا بطبعها وتاريخياً تخاف من الغرباء، كما يقول الصحفي الكندي دودج سندرس في كتابه خرافة المد الإسلامي. إلا أن المشلكة الحقيقية هي عندما تحمّل أوروبا أولئك الغرباء المسؤولية عن الأزمات الاقتصادية التي تعصف بها، وترى أن حل تلك الأزمات يكمن بالتخلص من هؤلاء الغرباء ولو بشكل دموي.
وفي هذا الصدد تقول روث ووداك – أستاذة في جامعة لانكستر في إنجلترا – لقد خلقت الأزمة المالية وأزمة منطقة اليورو وجميع المشاكل التي كان يعاني منها الاتحاد الأوروبي نوعاً من الخوف أجادت الأحزاب اليمينية توجيهه لغاياتها.
الأخطر في ازدياد حملات الهستيريا أن القوى المحافظة في الغرب هي من تصب الزيت على النار بفعل تشريعاتها وممارساتها التي تستهدف المسلمين، وإن كان الصوت العالي هو لليمينيين القوميين. ووجود اثني عشر حزباً شعبوياً يمينياً في مختلف أنحاء أوروبا بدأ يستقطب أصوات الناخبين مما جعل الأحزاب التقليدية خائفة على فقدان القيادة.
تتوزع خريطة القوى التي تنفخ في نار كراهية المسلمين بين الطبقة السياسية التقليدية المحافظة والحاكمة في الغرب والتي تخوض الصراع مع المسلمين في بلادهم أيضاً، وتدرك الطاقة الكامنة في الأمة وحيويتها، ويجب إبقاء النظر متوجهاً إلى تلك الطبقة حتى في الوقت الذي تعلو فيه أصوات النازية الجديدة أو اليمين المتطرف.
كذلك هناك تجار الحروب والأزمات، وهي طبقة متصلة مع بعضها في الغرب وأمريكا، ترى نتائج توجيهها للأحداث وبالذات عبر الإعلام المسيّس، وكأنّها متناغمة وتصدر من مكتب واحد.
ثم هناك العدو اللدود، الذي يرى في المسلمين أينما كانوا عدواً يجب تحطيمه وإبقاؤه ضعيفاً، إنّه ولا شك اللوبيات اليهودية في الغرب، وقاعدتها في تل أبيب، بأدواتها المختلفة، السياسية والاقتصادية والإعلامية.
على كل، أيّاَ كان حجم العاصفة واتجاه الرياح، فالمسلمون في الغرب هم جزء من أمة جذورها في الأرض، على موعد مع صناعة التاريخ من جديد، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
رأيك في الموضوع