والناظر في هذا المؤتمر يرى أنه في أساسه لا يختلف عن مؤتمر جنيف الذي تم عقده في 2012م إلا في بعض التفاصيل التي لا يعوَّل عليها، أما من يتابع الأوضاع السياسية والعسكرية الجارية على الأرض، يرى أن هناك اختلافاً كبيراً حدث على الأرض ما بين المؤتمرين. ففي مؤتمر جنيف لم تكن أمريكا في عجلة من أمرها، وأعطت الضوء الأخضر لعميلها بشار لكي يفتك بالناس ويقضي على ثورتهم، وأمَّنت له كل الدعم العسكري والسياسي عن طريق عملائها في المنطقة، وتغاضت عن كل جرائمه؛ إلا أنه فشل في إخضاع أهل الشام وكسر إرادتهم، وفشلت معه كل من إيران وروسيا اللتين أمدتاه بكل وسائل القتل والتدمير، ووصل الحال بأوباما إلى التصريح بأنه يتوقع سقوط النظام السوري المفاجئ، وانتشر الخوف لدى دوائر القرار الأمريكي والأوروبي والروسي من انهيار مفاجئ للجيش السوري النظامي وتفككه قبل نهاية العام الجاري، والخوف من ملء الإسلاميين للفراغ، ونشأ الخوف أكثر من ريف دمشق لقربه من العاصمة؛ لذلك شُددت القبضة كثيراً على عدم تجاوز خطوط حمر وضعتها أمريكا لتمنع قوات المعارضة المسلحة من احتلال العاصمة؛ ومن ثم جاء التدخل العسكري الروسي المباشر لينقذ أمريكا وعميلها، ويعوِّم الفشل الإيراني، والملاحظ أن هذا العدوان الروسي السافر على المسلمين في سوريا، ظاهراً جاء تحت عنوان محاربة داعش، بينما ركز كل غاراته على المناطق التي تحمي طائفة النظام، وعلى المناطق التي تمنع سقوط النظام بسقوط العاصمة كدرعا والريف الدمشقي.
وهنا لا بد من الوقوف أمام الاستبسال البطولي الأسطوري الذي سطره المقاتلون المسلمون أمام هذا العدوان، والذي أجبر الأطراف الدولية على المسارعة في عقد مؤتمر فيينا، مع أن المقرر كان أن تستمر الغارات الروسية الوحشية، وأن تتم استعادة المناطق التي تحيط بمنطقة رأس النظام، وأن يتم احتلال حلب؛ ولكنه الفشل من جديد هو الذي دعا أطراف العدوان إلى هذا المؤتمر، ومع أن بيان المؤتمر ذكر تشكيل حكومة... ووضع دستور... دون أن يكشف المستور إلا أن جون كيري قائد المؤتمر و"مساعده" لافروف! كان قد كشف هذا المستور يوم الخميس 2015/10/22م حيث قال كيري "دول الرباعية الدولية اتفقت على سوريا موحدة ذات نظام علماني تعددي ديمقراطي"، مشدداً على "ضرورة محاربة الفصائل الرافضة للحل السلمي في سوريا". وهذا يعني أنهم اتفقوا على أن يكون نظام الحكم الجديد القديم لأهل سوريا المسلمين المؤمنين مدنياً علمانياً مخالفاً لدين الله سبحانه وتعالى، ومحاربة كافة الفصائل التي ترفضه. وحين نعلم أنه لا يوجد سوى الدعوة والعمل لإقامة الخلافة الراشدة كمشروع يجتمع عليه المسلمون في سوريا، فإنا نعلم حينها أن المقصود من الحرب هو إجهاض هذا المشروع الرباني: ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾.
أيها المسلمون في سوريا الشام عقر دار الإسلام:
ها أنتم أولاء ترون كيف أن الغرب الكافر يعمل على رسم مستقبلكم وتحديد نظام حكمكم؛ فيحدده هو بأنه نظام علماني ديمقراطي... وها أنتم أولاء ترون كيف يدعم عميله المجرم بشار ويمده بكافة أسباب الحياة رغم كل المجازر التي ارتكبها في حقكم، والتي لم تكن إلا بضوء أخضر من أسياده... وها أنتم أولاء ترون كيف أن حكام المسلمين الذين يدَّعون دعمهم لكم يسيرون مع أسيادهم في تحقيق مصالحهم خطوة خطوة على حساب دمائكم وتضحياتكم... وها أنتم أولاء ترون كيف أن الغرب الكافر يحاول أن يضللنا عن هدفه في فرض النظام العلماني الديمقراطي بجعل المشكلة تنحصر في تسليط الضوء على مصير عميله بشار ومستقبله، وجعله محور التفاوض وأساس الحل...
أيها المسلمون في سوريا الشام عقر دار الإسلام:
هل يعقل أن تقبلوا أن تكون أمريكا وروسيا، وهما قرنا شيطان رجيم، راعية لسلامكم وأمنكم، ومتى كان يرعى الذئب الغنم؟! إن الحل بيدكم وليس بيد أعدائكم، إنه في دينكم وليس في القانون الدولي، ومن عند الله وحده وليس من عند أعدائه... وإياكم أن تنخدعوا بمقولة إنكم ضعفاء، بل أنتم أقوياء بالله، ويعرف ذلك العدو قبل الصديق، فأنتم الذين وقفتم أمام جبروت هذا النظام الفاجر فأفشلتموه، ووقفتم أمام التدخل الإيراني الحاقد فجعلتموه يقف عاجزاً لا يستطيع أن يتقدم كيلو متراً واحداً أمام صمودكم الأسطوري، وها أنتم تفشلون التدخل الروسي من بداياته، وتجعلونه ينتصر فقط بالبيانات العسكرية الكاذبة.
إن صمودكم هذا أصبح مصدر خوف الغرب والشرق؛ لأنهم يعلمون أن الإيمان بالله وحده هو الذي يجعلكم أبطالاً، وأنكم تحتسبون عند الله استشهاد أولادكم وآبائكم وأمهاتكم وإخوانكم... ودمار بيوتكم وخراب معيشتكم، وتبتغون جنته وتخافون عذابه؛ ولكن الذي ما زال ينقصنا حتى نحقق الانتصار والغلبة على عدونا إنما هو تبني مشروع واضح منبثق من عقيدة الإسلام، مشروع الخلافة الراشدة التي بشر بها رسول الله eأنها ستكون بعد الحكم الجبري الذي نعيشه اليوم. فلنسر على طريقة رسول الله e التي يوجب الله علينا التقيد بها، ولتتوحد قوتنا مع حاضنتنا الشعبية لإقامة الخلافة بعد أن صارت رأياً عاماً. هذا وقد قدَّم حزب التحرير للأمة الإسلامية مشروع دستور لدولة الخلافة مستنبَطاً جميعه من المصادر الشرعية المعتبرة، وهذا المشروع لا زال بحاجة إلى أنصار كأنصار رسول الله eيتوحدون عليه، وخاصة بعد أن صارت الخلافة الراشدة مطلباً لأهالي الشام عامة، ومطلباً للأمة الإسلامية جمعاء. قال تعالى: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾.
حزب التحرير
ولاية سوريا
18 من محرم 1437
الموافق 2015/10/31م
رأيك في الموضوع