بدأ اللقاء بين الرئيس الأمريكي باراك أوباما وبين الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز بهالة من الحركات والتصريحات البروتوكولية اللافتة التي تدل على مدى تميز العلاقات بين أمريكا والسعودية، فقد استقبل أوباما الملك سلمان في مدخل البيت الأبيض بينما هو في العادة يستقبل زعماء العالم في مكتبه، فيما أشار الملك سلمان في كلمته إلى التذكير بأنه تعمّد أن تكون أول زيارة له منذ توليه الحكم إلى الولايات المتحدة، وذلك في تعبير صريح عن عمق العلاقات بين الدولتين منذ أيام مؤسس الدولة السعودية الحالية الملك عبد العزيز، ولقائه بالرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت على ظهر المدمرة الأمريكية كوينز في قناة السويس، والذي كان لقاءً حاسماً في تحويل السعودية إلى النفوذ الأمريكي، وقال سلمان في إشارته تلك: "أنا سعيد أن أكون مع صديق في بلد صديق"، ووصف زيارته بأنّها: "رمز للعلاقات المتينة التي تربطني بالولايات المتحدة، وهي بكل تأكيد علاقات تاريخية" فأظهر في تصريحاته مدى حميمية العلاقات السعودية الأمريكية، وقال بأنّه يود العمل مع أوباما: "من أجل سلام العالم أجمع"، ودعاه لزيارة السعودية، أمّا أوباما فقال بأنّه لا يريد مناقشة الوضع في اليمن والاتفاق النووي والأزمة السورية ومكافحة الإرهاب وحسب، بل يريد أيضاً: "تعميق التعاون في مجالات التعليم والطاقة النظيفة والعلوم والتغيرات المناخية"، فأظهر أوباما أنّه يريد أن تُسيطر أمريكا على جميع جوانب الحياة في السعودية.
وقد وصف وزير الخارجية السعودي عادل الجبير الزيارة بـ"المحورية والتاريخية"، وأنها ستضع"أفقاً جديداً" للعلاقات بين البلدين التي ستشهد "تطورات لعقود طويلة"، فلاحظوا كيف يُركز الحكام التابعون لأمريكا على النواحي العاطفية والشخصية التافهة، بينما يُركز حكام أمريكا على الاستحواذ على أكبر قدر من المنافع والمصالح والنفوذ.
لقد ألزمت الإدارة الأمريكية الدولة السعودية ببنود اتفاقية كامب ديفيد التي عقدت بين أمريكا والدول الخليجية الست قبل عدة أشهر، والتي لم يحضرها الملك السعودي آنذاك شخصياً، وحضرها نيابة عنه ولي عهده محمد بن نايف، وابنه محمد ولي ولي العهد، واستمر هذا الالتزام بهذه الاتفاقية الأمريكية الخليجية مع كل لقاء أو اجتماع بين قادة البلدين، أو بين كل قادة دول الخليج مع القادة الأمريكيين، وفي هذا اللقاء الأخير عبّر أوباما وسلمان في لقائهما عن ارتياحهما لنتائج قمة كامب ديفيد التي جاءت لتقوية الشراكة الأمريكية الخليجية على حد وصفهما، وعلى تعزيز التعاون الدفاعي والأمني، كما أكّد الجانبان عزمهما على التزامهما بتنفيذ كافة الموضوعات التي تم الاتفاق عليها في تلك القمة، بحيث غدت اتفاقية كامب ديفيد مرجعية أساسية للشراكة الأمريكية الخليجية، بل إن معظم التفاهمات التي تلتها حتى الآن لم تتجاوزها.
وأمّا الجديد في لقاء أوباما مع سلمان في هذه القمة الجديدة في واشنطن فهو ربط السعودية بالتبعية الأمريكية لعقود طويلة قادمة ربطاً محكماً، واعتبار السعودية دولة محورية في منطقة الشرق الأوسط لتمرير المخططات الأمريكية الاستعمارية من خلالها، وقد عُبّر عن هذا المعنى بما تم تسميته - استراتيجية جديدة مشتركة للقرن الحادي والعشرين - والتي كما قيل شملت رؤى المملكة حيال هذه العلاقة الاستراتيجية، وكيفية تطوير هذه العلاقة بشكل كبير بين البلدين، وقد أصدر سلمان وأوباما توجيهاتهما للمسؤولين في حكومتيهما بوضع الآلية المناسبة للمضي قدماً في تنفيذها خلال الأشهر المقبلة، أي أنّ أمريكا وضعت طريقة محكمة لتنفيذ رؤيتها الاستعمارية تلك.
ويبدو أنّ إدارة أوباما قد اعتمدت ولي ولي العهد محمد بن سلمان في متابعة وتنفيذ هذه الاستراتيجية حيث تمّ تكليفه بعرضها على الرئيس أوباما والملك سلمان في المجلس، وكان من أهم بنودها، بالإضافة إلى البنود الأمنية والدفاعية، ما يتعلق بالجانب الاقتصادي والذي أشار فيه الأمير محمد بن سلمان إلى مسألة خطيرة جداً، بل هي مسألة غاية في الخطورة ألا وهي: "ربط القطاع الخاص الأمريكي بالسعودية لعقود طويلة".
ومن النتائج الجديدة لهذا اللقاء انتزاع أمريكا من السعودية موافقة صريحة على الاتفاق النووي الإيراني حيث عبّر الملك سلمان صراحة عن دعمه للاتفاق النووي الذي وقعته دول "5+1" مع إيران، وبرّر وزير الخارجية السعودي عادل الجبير قبول الاتفاق الذي كانت السعودية تُعارضه بشدة بقوله إنّ المملكة اطلعت على ترتيبات الاتفاق النووي مع إيران، بما في ذلك عمليات التفتيش والمراقبة على المواقع وإعادة فرض العقوبات لو أخلّت إيران بالتزاماتها، وأكد أن "السعودية راضية عن هذه الترتيبات".
وأمّا بالنسبة للملفات السورية واليمنية فقد جاءت صياغة البيان المشترك للقمة عامة وفضفاضة ولم تُحقق مطالب الحكام السعوديين وأمانيهم، وافتقرت لوجود ضمانات مكتوبة، فقد تم التأكيد على الحل السلمي وفق مؤتمر جنيف (1) للمشكلة السورية، وعلى الحل السلمي وفق القرار الدولي (2216) الخاص باليمن، وبالتالي فلا يوجد أي جديد حول المشكلتين السورية واليمنية في هذا اللقاء.
بل إنّ الإدارة الأمريكية ركّزت على ضرورة استمرار تعاون السعودية مع أمريكا حول المعارضة السورية، وكان قد أعلن بن رودس كبير مساعدي أوباما للشؤون الخارجية قبل القمة أن البيت الأبيض يريد التأكد من أن البلدين "لديهما وجهة نظر واحدة" حول مجموعات المعارضة السورية التي يجب أن تتلقى دعماً، وهو ما يعني أنّ من تدعمهم السعودية من المعارضة السورية يجب أن تُوافق أمريكا على دعمهم، وبمعنى آخر فإنّ الثوار ممن يتلقون الدعم من السعودية لا يخرجون عن كونهم أدوات أمريكية.
وأخذ الجانب الدفاعي والتسليحي القسط الأكبر في المحادثات، فكان جُل التركيز في القمة على النواحي التسليحية وبيع السعودية منظومات دفاعية باهظة الثمن، فقال وزير الدفاع الأمريكي أشتون كارتر: "إن بلاده ملتزمة ببناء القدرات الدفاعية للمملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي، لمواجهة التهديدات المحتملة من إيران وتنظيم الدولة "داعش" وغيرهما"، وذلك خلال لقاء جمع كارتر مع وزير الدفاع وولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان خلال فترة الزيارة، وهذا يعني أنّ السعودية سوف تدفع عشرات المليارات ثمن بناء تلك القدرات الدفاعية غير المحدودة، وهو ما يُكرّسها كبقرةٍ حلوب إلى ما لا نهاية.
وخلاصة هذه القمة الأمريكية السعودية: أنّ أمريكا تمكنت من ربط السعودية بها ربطاً محكماً في المجالات العسكرية والأمنية والسياسية والاقتصادية والنفطية والتعليمية والمناخية لعقود طويلة ما دامت أسرة آل سعود في السلطة، وأنّ تبعية السعودية لأمريكا وفقاً لما أسموه بالشراكة الاستراتيجية بين البلدين ستكون تبعية مطلقة لا انفكاك منها، وأنّ الحل الوحيد لإلغاء هذه التبعية لا يكون إلا بإسقاط نظام حكم آل سعود، وإقامة دولة الإسلام الحقيقية - الخلافة الراشدة على منهاج النبوة - على أنقاض الدولة السعودية، والتي ستقضي على النفوذ الأمريكي في المنطقة قضاءً مبرماً، بل وستكنس الوجود الغربي برمته مع أدواته وعملائه كنساً شاملاً.
رأيك في الموضوع