سبق لمعاذ الخطيب أن كتب متسائلا: "هل ستشرق الشمس من موسكو؟" والآن يتساءل كثيرون: هل سيظهر الدخان الأبيض (لما يسمونه "الحل السياسي" في سوريا) من موسكو؟ وذلك على إثر الحراك الدبلوماسي النشط الذي تشهده العاصمة الروسية؛ من زيارة وليد المعلم يوم الاثنين ووزير الخارجية السعودي عادل الجبير الثلاثاء والائتلاف الوطني للمعارضة السورية الأربعاء، فضلا عن اللقاءات المكوكية التي عقدت في الدوحة بين لافروف، وكيري، والجبير، لقاءات المعلم في طهران وبعدها في عمان.
في 29/6/2015 قام المعلم بزيارة مطولة لموسكو، مصطحبا معه نائبه فيصل المقداد، والمستشارة بثينة شعبان، وقد نقلت الأنباء يومئذ دعوة بوتين إلى تشكيل حلف رباعي (يشمل السعودية - وقطر - وتركيا - وسوريا) لمواجهة خطر "الإرهاب التكفيري"، فيما كان جواب المعلم حينها أن هذا يتطلب معجزة. ولكن الوقائع كشفت أن هذا التصريح، برغم صحته جزئيا، فقد كان مجرد ستارة وغطاء لمحادثات أعمق تستهدف التوصل إلى إطار حل سياسي لإنهاء الثورة في سوريا.
وقد كشف تصريح الرئيس الأمريكي باراك أوباما في اجتماعه مع الصحافيين في البيت الأبيض (السبت 8/8/2015)، أن «هناك نافذة فتحت قليلاً لإيجاد حل سياسي جزئياً، لأن روسيا وإيران باتتا تدركان أن الرياح لا تميل لمصلحة الرئيس السوري بشار الأسد، وهذا يعني بأنه باتت لدينا اليوم فرص أكثر لقيام محادثات جدية، مما كانت لدينا في السابق»، كشف هذا التصريح عن ضوء أخضر أمريكي للمباشرة في رسم إطار حل للتمكن من إنهاء الثورة في سوريا تحت شعار حل سياسي يقوم على قاعدة "رابح-رابح"، بتعبير حسين أمير عبد اللهيان نائب وزير الخارجية الإيراني أن «الأزمات في المنطقة لن تحل إلا في شكل سياسي على قاعدة رابح رابح».
فالوقائع الميدانية كشفت عن انهيارات متسارعة لقوات عصابة الأسد وحلفائه، ما دفعه للاعتراف بذلك علانية مبررا في خطابه الأول منذ عام في خطاب متلفز يوم 26 تموز، بأن هناك مشكلة نقص في عدد أفراد الجيش السوري وأن المعارضة تحصل على مزيد من الدعم من السعودية وقطر وتركيا.وقال إن هناك أولويات في سوريا وأنه يتخلى عن بعض المناطق بدلا من المخاطرة بالسماح لمناطق رئيسية بالانهيار.
المثير في الوقائع الأخيرة هو التسريبات عن الزيارة الغامضة التي قام بها علي مملوك إلى جدة في السعودية إثر وساطة روسية، والمدقق في التسريبات، التي ولا بد تعكس في مضامينها تحيز الجهات الإعلامية للفريقين سواء التابعة لإيران أو للسعودية، يجد أن السعودية قبلت بفكرة إجراء انتخابات رئاسية في سوريا وإن اشترطت غياب الدعم الإيراني للنظام... فما الذي يدفع السعودية إلى هذا الموقف؟ هل هو خشيتها من حرب استنزاف طويلة في اليمن تهددها مباشرة؟ أم خشيتها من تنامي خطر هجمات تنظيم الدولة في مدنها وشوارعها؟ أم إدراكها أن إسقاط الأسد سيكلفها غاليا إن أصرت عليه؟
طبعا النظام في السعودية هو مجرد حجر شطرنج على ساحة الصراع الدولي في المنطقة شأنه شأن الأدوات - العملاء الآخرين من إيران إلى مصر وقطر وتركيا... ووفق وكالة «أنباء الجمهورية الإسلامية» (أرنا) الرسمية أنه «خلال الاجتماع المشترك الذي عُقد في طهران بين إيران وروسيا برئاسة مساعد الخارجية الإيرانية للشؤون العربية والأفريقية حسين أمير عبد اللهيان ومساعد الخارجية الروسية ميخائيل بوغدانوف، أکد الأخير ضرورة إجراء المزيد من المشاورات بين دول المنطقة خصوصاً السعودية وجمهورية إيران الإسلامية للوصول إلى تفاهم حول قضايا المنطقة». وأضاف، «إن حل قضايا المنطقة ومنها سوريا واليمن غير ممكن من دون مشارکة إيران وأن استمرار الوضع الراهن إنما يؤدي فقط إلى تقوية الإرهابيين وداعش».
كما أعلنت الخارجية الروسية في بيان لها أن عادل الجبير سيزور موسكو لمواصلة البحث في «الملفات التي بدأ الوزيران مناقشتها في اجتماعهما في الدوحة الأسبوع الماضي». وسيتم التركيز خلال اللقاء على الملف السوري و«سبل حل الأزمة في هذا البلد». ونقلت صحيفة الحياة عن بيان الخارجية الروسية أن «الوزيرين سيناقشان إمكانية تعاون روسي - سعودي في الحرب ضد الإرهاب بما يلبي مصلحة البلدين». وأضاف البيان أنهما سيناقشان مقترح روسيا تشكيل «تحالف دولي واسع لمحاربة الإرهاب». كما ينتظر أن يتطرق البحث إلى الوضع في اليمن بهدف البحث عن «حل سريع» للموقف. وإضافة إلى مناقشة ملفات «مناطق ساخنة» مثل العراق وليبيا، ينتظر أن يبحث الوزيران «الوضع في منطقة الخليج على ضوء توقيع الاتفاق النووي الإيراني». وذكرت الوزارة أن موسكو تنوي إعادة التذكير بدعوتها لتأسيس فضاء أمني مشترك في المنطقة يراعي مصالح كل الأطراف.
واقع الأمور إذن أن هناك حراكاً سياسياً واسعاً بغطاء أمريكي واضح للسعي لرسم إطار حل يفضي إلى قمع الثورة السورية بحل وسط على غرار ما حصل في تونس من قبل.
هل يعني هذا صحة إعلان الرئيس التونسي السابق المرزوقي أن أحلام الربيع العربي ذهبت أدراج الرياح؟
من المبكر الحكم على تفاصيل ما يطبخ في لقاءات العواصم برغم جديته، فهو يصطدم بالصخرة الصلبة للثوار الصادقين المخلصين في سوريا، كما يعتمد على استعداد هذه الأطراف لتقديم تنازلات وقبول ترضية تحفظ ماء الوجه للحكام الإقليميين، وتحقق للعواصم الاستعمارية حصة معتبرة من الكعكة الاستعمارية.
ومن المبكر إصدار النعي للربيع العربي وخاصة في الساحة السورية، فمما لا شك فيه أن الثورة في سوريا قد عرّت نفاق الأنظمة والحكام العملاء للغرب، وأسقطت شعارات المقاومة والممانعة وغير ذلك من شعارات تضليلية على شاكلة يوم القدس العالمي.
ولكن الأهم أنها الآن تفرض السؤال الأساس أمام كل من انتفض لإنهاء الهيمنة الاستعمارية الغربية وإعلاء كلمة الله: إن التذرع بقلة الناصر وتكالب الأعداء وعظم التضحيات التي قدمت لتبرير "تجرع سم الحل" (المسمى بالسياسي زورا وبهتانا وإلا فهو الحل الدموي الكيماوي المتفجر في أجسام الشهداء والضحايا الأبرياء الذين لم يرتكبوا ذنبا إلا مطالبتهم بالتحرر من عميل الغرب الأسد وتطبيق شرع الله)، هذا التبرير يكشف عن سقوط منطق "تقاطع المصالح" مع الحكام والأنظمة العملاء، كما يكشف أن الثورة في سوريا، شأنها في ذلك شأن الثورة في تونس ومصر وليبيا واليمن، ينبغي أن ترشد مسارها وتعض على الحقائق اليقينية بالنواجذ وأولها قول الحق تعالى ﴿وما النصر إلا من عند الله﴾ ومن التمس النصر من العدو، سواء المباشر أي دول الاستعمار، أو غير المباشر، أي وكلاؤه من الحكام العملاء، فهو كالمستجير من الرمضاء بالنار.
فيا قومنا في سوريا وخارجها: استجيبوا لداعي الله واعتصموا بحبل الله لا سواه وتكاتفوا جميعا لتحطيم أغلال العبودية لعواصم الاستعمار بتحطيم عروش الحكام الطغاة، ولا يحملكنم استبطاء النصر ووعورة طريقه إلى القبول بالدنية في دينكم فتكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا، فأنتم قادرون بنصرتكم لدين ربكم أن تفشلوا كيد الأعداء والعملاء، و﴿إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ﴾.
روى الإمام البخاري عن أبي عبد الله خباب بن الأرت رضي الله عنه قال: شكونا إلى رسول الله eوهو متوسد بردة له في ظل الكعبة فقلنا: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو لنا؟ فقال: «قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه، ما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون».
رأيك في الموضوع