منذ العام الماضي 2014 وأسعار النفط في تدهور سريع فبعد أن كان سعر البرميل قد تجاوز 120 دولارا فقد هبط إلى حوالي 50 دولاراً ومن ثم صعد لفترة بسيطة إلى ما فوق 60 دولاراً ومن ثم تراجع في شهر آب/أغسطس 2015 إلى 45 دولارا وأصبح من المتوقع الآن أن يستمر على هذا السعر للسنين القادمة بل وربما قد ينخفض أكثر.
إن سعر 45 دولاراً يعتبر طامة لحكام دول الخليج ومنها السعودية؛ وهذا لأن النفط يمثل أكثر من 95% من دخل السعودية وتحتاج لأن يكون سعر النفط حوالي 106 دولاراً لكي لا يكون لديها عجز في الميزانية، فمن المتوقع مثلا أن يكون العجز للسنة الحالية 2015 حوالي 140 مليار دولار، ولسد هذا العجز قامت السعودية باستعمال جزء من احتياطها المالي الذي كان يقدر بنحو 737 مليار دولار في شهر آب/أغسطس 2014 ومن ثم انخفض إلى 672 مليار دولار في شهر أيار/مايو 2015 فأصبحت تسحب 12 مليار دولار شهريا من احتياطها وبالاستمرار على هذا المنوال سينفد الاحتياطي خلال 5 أعوام وستصبح دولة مدينة كما حصل بعد حرب الخليج عام 1990.
وبالإضافة للاستعانة بالاحتياطي قررت السعودية إصدار سندات ربوية بأربعة مليار دولار وباعتها للبنوك المحلية، وأيضا تخطط لإصدار سندات ربوية لبيعها للبنوك العالمية بمبلغ يقدر بـ27 مليار دولار. فما تقوم به السعودية هو مجرد استهلاك الاحتياطي والاقتراض الربوي، وهذا يعتبر فشلاً اقتصادياً كبيراً؛ ولذلك ظهرت تقارير كثيرة تنذر بالخطر الشديد للاقتصاد السعودي.
إن المدقق في هذه المشكلة يجد أنها تتلخص في أمرين:
الأمر الأول: عدم تنويع مصادر دخل الدولة
إن النفط يشكل 95% من دخل السعودية وما زالت تعتمد عليه كليا منذ أكثر من خمسين عاما، فلم تنشئ أي نوع من الصناعات، فلا تصنع سيارات أو إلكترونيات أو معدات اتصالات وليس لديها مصانع أسلحة ثقيلة ولا حتى خفيفة، وكل ما تقوم به الحكومة السعودية لتنويع مصادر الدخل هو فقط إنشاء صناديق سيادية ربوية والاستفادة من أرباحها وهذا فشل ذريع.
الأمر الثاني: بنود الميزانية
إن بنود ميزانية 2015 هي كالتالي:
- 32 مليار دولار صرفتها الحكومة للشعب بمناسبة تنصيب الملك سلمان "كرشوة" لمنع غضب الشارع من فساد آل سعود.
- 80 مليار دولار إنفاق على أسلحة لخدمة اقتصادات أمريكا وبريطانيا وفرنسا فتوفر لهم الآلاف من الوظائف، وهذه الأسلحة إما أن تصير خردوات فتشتري السعودية غيرها بعد فترة أو تستعمل لضرب المسلمين كما حدث عام 1990 ضد العراق، ولكنها لن تستعمل حتما ضد أعداء المسلمين كأمريكا وكيان يهود.
- بند ضخم غير معروف لتقتيل المسلمين في اليمن.
- بند لمساندة السيسي بخمسة مليار دولار للبطش بالمسلمين في مصر.
- بند للإنفاق على رحلات العائلة المالكة فهم يحتاجون إلى الذهاب إلى فرنسا في الصيف مع المئات من حاشيتهم واستئجار أغلى فنادقها وشواطئها.
- مشاريع لا تنفذ وتنهب أموالها كما حدث في مشاريع تصريف المياه في جدة.
إن حل مشكلة اقتصاد السعودية لا يكون إلا بتطبيق شرع الله داخليا وخارجيا وأن تتقيد بالشرع في كل تعاملاتها فلا تسمى في هذه الحالة بالسعودية، ولكن تسمى بدولة الخلافة فتتصرف في موضوع النفط كالتالي:
- تحافظ الدولة على إنتاج النفط للحصول على أفضل الأسعار، فهذا النفط ملكية الأمة وليس ملكية عائلة، وتبيع الدولة النفط بالذهب ولا تتعامل بالدولار ولا تدخل في الأسواق المؤجلة ولا المضاربات فهذه كلها من المحرمات.
- تقوم الدولة باستثمار إيرادات النفط في بناء الصناعات الثقيلة من الآلات والأسلحة وإنتاج كل ما تحتاجه الدولة فلا تكون الدولة معتمدة على الكافر المستعمر.
- تستعمل الدولة إيرادات النفط لتجييش الجيوش لنجدة المسلمين في الشام وفلسطين والعراق وغيرها من بلاد المسلمين، وأيضا تحرك الجيوش لنشر الإسلام بالدعوة والجهاد.
- إذا احتاجت الدولة إلى أموال إضافية فلا يجوز أن تقترض بالربا أو أن تصدر سندات ربوية، ولكن يجوز لها أن تحمي بعض أعيان الملكية العامة، أو تفرض ضرائب على أغنياء المسلمين وليس على جميع الرعية.
إن النفط ثروة عظيمه منّ الله بها على الأمة الإسلامية، ولكنها أبدا لم تستغل لمصلحتها، بل سُخّرت لمصالح دول الكفر أمريكا وأوروبا، فندعو الله عز وجل أن ينصرنا ويعزنا بدولة الخلافة على منهاج النبوة التي ستُسخّر هذه الهبة لمصلحة الأمة الإسلامية ولخدمة دين الله.
محمد بن محمود الحمد – بلاد الحرمين الشريفين
رأيك في الموضوع