أعلنت الأمم المتحدة عن هدنة في اليمن تبدأ مساء الجمعة الثالث والعشرين من رمضان 1436هـ الموافق 10 تموز/يوليو 2015م وتسري حتى نهاية رمضان. وقال المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة أن جميع الأطراف وافقت على الهدنة. بينما جاء في رسالة عبد ربه هادي أن الحكومة اليمنية تقبل بالهدنة بتسعة شروط منها انسحاب الحوثيين من أربع مدن والإفراج عن المعتقلين ومراقبة إيصال المساعدات للمحتاجين وغيرها.
إلا أن الأمم المتحدة أعلنت أن الهدنة في اليمن غير مشروطة.
وكان قد سبق ذلك في مطلع الشهر الماضي مؤتمر جنيف الذي لم يفض إلى شيء، إلا أن الناطق باسم الخارجية الأمريكية جون كيربي اعتبره بداية جيدة في مسلسل طويل وشاق.
ومن نافلة القول أن الولايات المتحدة تستخدم المنظمة الدولية غطاء لفرض سياساتها على الدول، ويتضح في الأزمة اليمنية هذا الدور الأمريكي في إعطاء الحوثيين مهلة زمنية لفرض أنفسهم على الواقع اليمني.
فمحادثات جنيف وإن لم تسفر عن اتفاق بين الطرفين إلا أنها جعلت من الحوثي ندا سياسيا للحكومة، ولم تظهره مليشيا متمردة كما يحلو لحكومة عبد ربه هادي أن تصفه. ثم جاءت هذه الهدنة لتعطي للحوثيين مزيدا من الوقت لترسيخ أقدامهم عسكريا على معظم الأراضي اليمنية، وسياسيا لاستكمال تشكيل مؤسسات الدولة وخصوصا البدء بتشكيل حكومة ومجلس تشريعي، وبالفعل فقد جاء في موقع "يمن برس" الإلكتروني أن الحوثيين سيعلنون قريبا عن تشكيل حكومة ومجلس تشريعي جديدين، ما يكشف عن استغلالهم للهدنة التي فرضتها لهم الأمم المتحدة، علاوة على الأنباء التي جاءت في ذلك السياق متحدثة عن تحركات لإمداد حوثي في مناطق مثل شبوة ومأرب وتعز.
وفي المقابل فإن هادي وحكومته ومن خلفهم دويلات الخليج يحاولون التمسك بالقرار الأممي 2216 الذي يطالب الحوثيين بالانسحاب من المدن وتسليم الأسلحة، ويعتبرون كل ما عداه مضيعة للوقت، ولكن تزامناً مع ذلك يعملون على مد المقاومة ببعض الأسلحة الخفيفة والمتوسطة لإبقاء جذوة ما يسمونه (المقاومة) مشتعلة، بينما يعد أركان حرب هادي، المقدشي كتائب جديدة تكون نواة لجيش موال لحكومة هادي، فقد صرح المقدشي لجريدة عكاظ السعودية أن لديه ما يزيد عن سبعين ألفا من المقاتلين الموالين لـ(شرعية) هادي. بالإضافة إلى دعم طيران التحالف لهم عن طريق الضربات الجوية.
وعلى ذلك نجد أن الهدنة المعلنة من الأمم المتحدة لن تصمد يوما واحدا، لأن كل طرف يرغب في استغلالها لأهدافه ولفرض واقعٍ جديدٍ على الأرض.
فهي هدنة ليس لإنهاء معاناة أهل اليمن، بل لتنفيذ أجندات كل فريق غير آبهين بسيل الدماء المسفوك منذ حوالي أربعة أشهر من الحرب.
ووفق ما نشرته صحيفة بريطانية بأن الغرب لا يزال يتصارع حول الأزمة اليمنية، يبدو أن الفرقاء الحقيقيين في هذه الأزمة لم يتفقوا بعد على حل يرضيهم في اقتسام السلطة والثروة في البلاد، وعليه فإن ما ينتظر أهل اليمن مزيدٌ من الصراع قرباناً للآلهة، أي الدول الغربية المتصارعة، التي لن يرضيها إلا مزيدا من الدمار والمعاناة في بلد يعاني أهله أصلا دون حروب.
ولا بد من الإشارة هنا إلى الدور الذي يلعبه الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح داخل الجيش اليمني المتحالف مع الحوثيين، في محاولة منه للعودة إلى العمل السياسي إما مباشرة أو عن طريق تمهيد الطريق لابنه أحمد، فحكام المسلمين يعتبرون البلاد التي يحكمونها ملكا لهم لا سبيل للفكاك عنه، منذ أن مكنهم الكافر المستعمر من تلك البلاد تحت غطاء الاستقلال المزيف.
ولهذا فمن المتوقع أن يقوم تحالف (الحوثي - صالح) بتشكيل حكومة مؤقتة تمهد الطريق لعودة صالح شخصيا أو عن طريق ابنه إلى سدة الحكم من جديد، بعد أن أقصته المبادرة الخليجية إبان ثورات الربيع العربي.
وحتى يتم ذلك فمن المتوقع أن يستمر الصراع بين طرفي النزاع (ظاهريا على الأقل) هادي وحكومته من جهة وتحالف الحوثي - صالح، من جهة أخرى، في محاولة لكل طرف فرض واقعٍ جديدٍ على الأرض يسند موقفه التفاوضي.
وفي كل الأحوال فإن وقود ذلك الصراع هم أهلنا في اليمن ومزيدٌ من سفك الدماء المسلمة الزكية، ما لم يتدارك أهل اليمن الموقف وينزعوا أيديهم من طاعة عملاء الغرب الكافر، وينصروا من يعمل لحقن دمائهم وحفظ أعراضهم والدفاع عن أراضيهم وكنس نفوذ الكافر المستعمر من بلادهم، وذلك كله عن طريق تطبيق شرع الله عليهم، وأن يحولوا هذا الصراع إلى مخاض يتمخض عنه ولادة دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، التي يتسابق الغرب مع الأمة لمنعها من الوصول إليها، إما بإشغال المسلمين بحروب ليست بحروبهم، وإما بإيجاد نموذجٍ مشوهٍ لها لإبعادها عن أذهانهم.
رأيك في الموضوع