أعلن الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) ينس ستولتنبرغ أن 17 دولة عضواً في الحلف سترسل قوات لتعزيز ما يُسمّى بالجناح الشرقي للحلف، وقال في مؤتمر صحفي عقده في بروكسل في ختام اليوم الأول من محادثات وزراء دفاع الدول الأعضاء في الحلف الأربعاء 26 تشرين الأول/أكتوبر: "تنضم ألبانيا وإيطاليا وبولندا وسلوفينيا إلى عسكريي كندا في لاتفيا، وتنضم بلجيكا وكرواتيا وفرنسا ولوكسمبورغ وهولندا والنرويج إلى القوات الألمانية في ليتوانيا، بينما تنضم الدنمارك وفرنسا للقوات البريطانية في إستونيا، وأخيرا، تنضم قوات رومانيا وبريطانيا إلى الولايات المتحدة في بولندا"، وقال ستولتنبيرغ: "إن الالتزامات ستكون برهاناً واضحاً لرباطنا عبر الأطلسي"، وأضاف:"من الضروري أن يرد الحلف إزاء الانتشار العسكري الروسي"، وبالإجمال فقد تمّ بحث مسألتي تعزيز الوجود العسكري لحلف (الناتو) في البحر الأسود، وإرسال كتائب على أساس التناوب إلى دول البلطيق وبولندا.
ويأتي هذا التحشيد العسكري للحلف أو ما أسماه ستولتنبيرغ بـ(الرباط عبر الأطلسي) بعد أن قامت روسيا بالتصعيد العسكري على حدود أوروبا، وبتحريك أسطولها الحربي إلى المتوسط في طريقه لسوريا، وبعد أنْ كشفت عن أضخم صاروخ نووي روسي يدعى (شيطان2) والذي يمتلك المقدرة على مسح دول بحجم بريطانيا أو فرنسا بشكل كامل من الخريطة وذلك وفقاً للمصادر العسكرية الروسية. فأمريكا التي تقود الحلف أعلنت أنّها تُريد من الدول الأوروبية إنشاء 4 مجموعات قتالية تتألف كل منها من 4000 جندي كجزء من استراتيجية حلف الناتو للرد السريع على روسيا، وإرسال المزيد من هذه القوات إلى دول البلطيق وشرق بولندا، وستدعم تلك المجموعات بقوة الرد السريع التابعة للناتو والمؤلفة من 40 ألف جندي، وأعلنت بريطانيا بدورها عن نشر جنود ودبابات ومقاتلات حربية بريطانية في إستونيا المحاذية لروسيا كرد فعل مباشر على التحركات الروسية.
يُعتبر هذا التحرك العسكري لحلف (الناتو) هو أكبر حشد عسكري يتم نشره على الحدود الروسية منذ الحرب الباردة، وفي مواجهة هذا الحشد الأطلسي الكثيف ذكرت صحيفة إيزفيستيا الروسية أنّ روسيا عزّزت أسطولها في بحر البلطيق بسفينتين حربيتين صغيرتين مزودتين بصواريخ كروز طويلة المدى، للتصدي لما ترى أنه تعزيزات مثيرة للقلق من تحركات حلف الناتو في المنطقة.
وأمّا من ناحية سياسية فيبدو أنّ روسيا استشعرت الخطر، وأحسّت بجديّة حلف الناتو في المواجهة، فأعلنت وزارة الخارجية الروسية رفضها لتلميحات حلف (الناتو) التي تدّعي أن مجموعة قتالية روسية في البحر المتوسط ستشارك في قصف مدينة حلب السورية، وظهر عليها التراجع في لهجتها التصعيدية السابقة، فوصف أندري كيلين وهو مسؤول كبير في وزارة الخارجية الروسية تعليقات ستولتنبرغ ضد روسيا بأنها لا تخدم الوضع وقال: "إن المخاوف لا تستند إلى شيء، فطائراتنا لم تقترب من حلب منذ تسعة أيام، ومجموعتنا القتالية موجودة في البحر المتوسط وهي دائماً موجودة هناك، فلماذا نعطي تلميحات زائفة، ثم نعطي توصيات سياسية بناء عليها؟ هذا سخيف بالتأكيد".
يبدو أنّ روسيا كانت تُحاول عبر زيادة حشودها العسكرية في أوروبا وفي المتوسط جسّ نبض أمريكا وحلف الناتو، وقياس مستوى ردة فعلهما إزاء هذه الزيادة في التحشيد، فروسيا تظن أنّ أمريكا قائدة حلف الناتو ستغض الطرف عن نشر القوات الروسية بالطريقة التي توحي بأنّها دولة عُظمى تُوازي قوة أمريكا، خاصة بعد قيام روسيا بالدور القذر الذي رسمته لها أمريكا في سوريا، وهو ما يعني أنّها بسبب تأمين مصالح أمريكا في سوريا تطلب بالمُقابل من أمريكا إعادتها إلى مستوى الدولة الثانية في العالم كما كان حالها إبّان العهد السوفييتي، لكنّ أمريكا لم تلتفت إلى مطالب روسيا تلك، فهي ما زالت ترفض ربط مسألة سوريا بالمسألة الأوكرانية، وما زالت تفرض عقوبات على روسيا بسبب أوكرانيا، لذلك ضاقت روسيا ذرعاً بالتعامل الأمريكي الفظ معها، فحاولت أن تضغط عليها باستعراض قوتها العسكرية على أمل تراجع أمريكا عن موقفها المُتشنّج تجاهها، لا سيما بعد تقديمها لخدماتها الضخمة لها في سوريا، ولمواجهتها الثورة ومحاولة سحقها بكل ما أوتيت من ترسانة عسكرية مُتطوّرة، وتدميرها حلب على رؤوس ساكنيها، وبسبب قيامها بكل هذه الأعمال الوحشية لمصلحة أمريكا، كانت تأمل روسيا من أمريكا بعد كل تلك الخدمات الضخمة تخفيف العقوبات المفروضة عليها، لكنّ أمريكا أصرّت على استمرار الفصل بين الملفات، فلم تقبل مقايضة الخدمات الروسية في سوريا مُقابل رفع العقوبات عن روسيا في أوكرانيا، فمكافأة أمريكا لروسيا على خدمتها لها في سوريا اقتصرت على منحها قواعد عسكرية داخل سوريا فقط، وحتى هذه القواعد غير مضمونة على المدى البعيد.
لقد كانت ردّة الفعل الأمريكية والأطلسية على الحشود الروسية مُبالغاً فيها في نشر المزيد من القوات على حدود روسيا وفي شرق أوروبا، فنشر كل تلك القوات المُدعّمة بالطائرات والدبّابات ومنظومات الصواريخ المُتطورة، وبقوات الرد السريع، وإنشاء القواعد المُتعدّدة في رومانيا وبولندا وغيرها من الدول التي كانت يوماً ما ضمن مظلة حلف وارسو التابع للاتحاد السوفييتي السابق، فنشر كل هذه القوات والمعدات الأطلسية وفي حالةٍ من الجاهزية القتالية، يُعتبر شكلاً من أشكال الحصار الدائم لروسيا، ويُعبّر عن سوء نية صارخ تجاه روسيا، ويجعل من روسيا دولة في حالةٍ من الدفاع الدائم ضد عدو ما زال يتربص بها الدوائر، وهذا الأمر يجعلها مشغولة باستمرار في حالة سباق تسلح يُرهق اقتصادها، ويدفعها في النهاية إلى تفضيل التخلي عن كونها دولة كبرى من ناحية عسكرية على حالة الإرهاق المفروضة عليها، وتُجبرها على التخلي عن كثير من منظوماتها العسكرية المُتطوّرة.
وواضح من سلوك أمريكا السلبي معها أنّ الإدارات الأمريكية المُتعاقبة لا تُريد تحسين مستوى روسيا في الموقف الدولي، وإنّما تُريد إضعافها وإنزالها إلى مستوى الدول الإقليمية، لتبقى هي مُتفردة في قيادة العالم، وبلا مُنازع، فأمريكا لا تلتفت للخدمات التي تُقدّمها لها روسيا في سوريا، فلا يهمها إلا مصالحها، ولا تُقدّم لروسيا إلا بعض الفتات، بينما تبقى هي مُتربعة في صدارة الموقف الدولي لا تُعير أي اهتمام للطامحين في منافستها.
ولن تتراجع أمريكا عن صلفها وغرورها في التعامل مع الدول الكبرى، إلا إذا واجهتها دولة مبدئية جريئة تُهدّد مصالحها كدولة الخلافة على منهاج النبوة، التي ينتظر العالم قدومها لتخليصه من شرور أمريكا وطغيانها.
رأيك في الموضوع