لقد انتهت فصول المسرحية الهزلية؛ التي سميت انتخابات في السودان، وظهرت النتائج وفاز الحزب الحاكم بالأغلبية الساحقة بمن حضر العروض الختامية. لقد كانت بحق مسرحية هزلية، ملّ عرضَها أهلُ السودان فأعرضوا عن حضورها، فقد كان واضحاً للعيان إحجام الناس عن التصويت رغم حشود التأييد قبيل الاقتراع، ورغم فتاوى علماء السلطان لِسَوْق الناس للإدلاء بأصواتهم.
كل ذلك وغيره لم يحمل الناس على حضور الانتخابات والتصويت، بالرغم من ذلك فقد أعلنت النتائج الواضحة التزوير؛ حيث لم يقبل على هذه الانتخابات ممن يحق لهم حضورها سوى 10% (فقط عشرة بالمائة)، لقد كانت هذه الانتخابات لأول مرة مسار تندُّرٍ من العامة حتى أصابت الحكام بالهذيان فصاروا يهرفون بما لا يعرفون.
إن الذي يهمنا هنا ليس من فاز وكيف فاز، ولكن ما يهمنا هو معرفة ما ستصير إليه الأمور، وقبل هذا وذاك لا بد من معرفة اللاعبين الأساسيين في المسرح السياسي السوداني. فالسودان مثله مثل بقية بلاد العالم الإسلامي محل للصراع الدولي بين أمريكا وأوروبا، ولكلٍّ أدواته وأساليبه ورجاله، فأمريكا تحكم قبضتها على السودان عبر هذا النظام؛ الذي ينفذ لها ما تريد، وإن كان ضد مصلحة البلاد والعباد، ويكفي مثالا لذلك تنفيذها للمخطط الأمريكي الإجرامي في فصل جنوب السودان عبر اتفاقية الشؤم نيفاشا، وتهيئة بقية أقاليم السودان للتفتيت باتفاقيات على النهج ذاته؛ مثل اتفاقية الدوحة التي تمهد الطريق لفصل دارفور، وما زال الحبل على الغارب. أما أوروبا فتمثلها بعض أحزاب المعارضة المسلحة وغير المسلحة. ولذلك كانت هذه الانتخابات بأمر من أمريكا لتثبيت النظام القائم، وإعطائه شرعية مزعومة لفترة خمس سنوات قادمة. وقد سعت أوروبا بكل ما تملك لتعطيل هذه الانتخابات، لكي لا تأخذ هذه الحكومة شرعية دولية. وعندما أجريت الانتخابات سعت لإفشالها عبر بيان الاتحاد الأوروبي الذي أصدره قبل إعلان النتائج. وقد جاء في البيان: "بالنيابة عن الثماني وعشرين دولة أوروبية وبموافقتهم، أصدرت السيدة/ فريدريكا موغريني - الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والشؤون الأمنية بالاتحاد الأوروبي بياناً انتقدت فيه قيام الانتخابات في السودان في بيئة غير مواتية، وقالت: إن الفشل في بدء حوار وطني حقيقي بعد عام واحد من إعلان حكومة السودان هو انتكاسة لرفاهية الشعب السوداني"، وأخطر ما في بيان الاتحاد الأوروبي، هو حديثهم عن أن هذه الانتخابات لا تنتج شرعية للنظام، حيث جاء في إحدى فقرات البيان: "إنه وبتجاوز الحوار، واستبعاد بعض الجماعات المدنية، وانتهاك الحقوق السياسية، فإن الانتخابات المقبلة لا يمكن أن تنتج شرعية ذات مصداقية في جميع أنحاء البلاد". وفي السياق ذاته أصدرت دول الترويكا (أمريكا- وبريطانيا والنرويج) بياناً عبرت فيه عن أسفها لفشل الحكومة السودانية في خلق مناخ مناسب لإجراء انتخابات حرة ونزيهة، وقطعت المجموعة بأن ضعف الإقبال على التصويت ومقاطعة العملية الانتخابية كان بسبب تقييد الحريات، وانتهاك حقوق الإنسان، والحروب المستعرة في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق.. وشدد البيان على أن هذه الانتخابات لا يمكن أن تعتبر أنها تمثل الإرادة الحرة للشعب السوداني..
وواضح من بيان الترويكا أنه لم يتعرض للحديث عن شرعية النظام كما تحدث بيان الاتحاد الأوروبي، وهذا يؤكد دور أمريكا في هذه اللهجة المخففة في بيان الترويكا. وأمريكا بمشاركتها في هذا البيان تريد أن تصطاد عصفورين بحجر واحد، فهي تريد أن تقول للأوروبيين أنا معكم، وفي الوقت نفسه يكون لديها كرت ضغط على الحكومة السودانية، من خلال التشكيك في شرعيتها، تستعمله وقت الحاجة لتقدم لها الحكومة مزيداً من التنازلات في سبيل تنفيذ مخططها في تمزيق ما تبقى من السودان.
أما ردة فعل الحكومة السودانية، فكان واضحاً في حديثها عن مواصلة الحوار، حيث قال الرئيس البشير: "إن موقف الاتحاد الأوروبي والترويكا لن تؤثر على مسيرتي الديمقراطية والحوار الوطني".
والخلاصة التي نصل إليها من كل ذلك هو أنه لا جديد بشأن الوضع الذي يعيشه الناس في السودان، إن لم يكن يسير نحو الأسوأ، وذلك بالسير على السياسات ذاتها التي تطبقها الحكومة في الحكم والسياسة والاقتصاد، والسير خلف أمريكا، طمعاً في إرضائها، وهي لن ترضى عنها مهما قدمت من تنازلات مذلة، ومهما عملت من تضليل للأمة في سبيل بقائها في كراسي الحكم المعوجة قوائمها.
إن أهل السودان يجب عليهم أن يعملوا من أجل التغيير الحقيقي؛ ذلك التغيير الذي يقوم على العقيدة التي يعتنقونها، فتحيل حياتهم رضاءً ورفاهاً، وعيشهم سعادة وهناءً كما فعل النبي r عندما أحال عبدة الأوثان إلى سادة العالم، سادوه برضا ربهم والسير على هدي نبيهم r، وبذلك يقطعون الطريق على أمريكا وأوروبا، الطامعين في ثروات بلادنا، الذين أفسدوا حياتنا، بل وجعلونا بأيدينا نفسد آخرتنا!
رأيك في الموضوع