الفرض على الكفاية فرض على كل مسلم: الفرض هو خطاب الشارع المتعلق بطلب الفعل طلباً جازماً، كقوله تعالى: ﴿وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ﴾، ﴿انْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ﴾، وكقوله عليه الصلاة والسلام: «إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ»، «وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً». فهذه النصوص كلها خطاب من الشارع متعلق بطلب الفعل طلباً جازماً. والذي جعل الطلب جازماً القرينة التي جاءت فيما يتعلق بالطلب فجعلته جازماً، فيجب القيام به. ولا يسقط الفرض بحال من الأحوال حتى يقام العمل الذي فُرض. ويستحق تارك الفرض العقاب على تركه، ويظل آثماً حتى يقوم به. ولا فرق في ذلك بين فرض العين والفرض على الكفاية، فكلها فرض على جميع المسلمين، فقوله تعالى: ﴿وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ﴾ فرض عين، وقوله تعالى: ﴿انْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ﴾ فرض كفاية، وقوله عليه الصلاة والسلام: «إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ» فرض عين، وقوله عليه الصلاة والسلام: «وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ... الحديث» فرض كفاية. وكلها فرض تثبُت بخطاب الشارع المتعلق بطلب الفعل طلباً جازماً. فمحاولة التفريق بين فرض العين والفرض على الكفاية من جهة الوجوب إثم عند الله، وصد عن سبيل الله، ومغالطة للتساهل بالقيام بفروض الله تعالى.
أمّا من حيث سقوط الفرض عمن وجب عليه، فإنه أيضاً لا فرق بين فرض العين وفرض الكفاية. فلا يسقط الفرض حتى يقام العمل الذي طلبه الشارع، سواء طُلب القيام به من كل مسلم كالصلاة المكتوبة، أو طُلب القيام به من جميع المسلمين كبيعة الخليفة، فإن كلاً منها لا يسقط حتى يقام العمل، أي حتى تقام الصلاة، وحتى يقام الخليفة وتحصل البيعة له. ففرض الكفاية لا يسقط عن أي واحد من المسلمين إذا قام بعضهم بما يقيمه حتى يتم قيامه، فيبقى كل مسلم آثماً ما دام القيام بالعمل لم يتم.
وعلى ذلك فمن الخطأ أن يقال إن فرض الكفاية هو الذي إذا قام به البعض سقط عن الباقين، بل فرض الكفاية هو الذي إذا أقامه البعض سقط عن الباقين. وسقوطه حينئذ أمر واقعي، لأن العمل المطلوب قد قام ووُجد، فلم يبق مجال لبقائه. هذا هو الفرض على الكفاية، وهو كفرض العين سواء بسواء. وعلى ذلك فإن إقامة الدولة الإسلامية فرض على جميع المسلمين، أي على كل مسلم من المسلمين. ولا يسقط هذا الفرض عن أي واحد من المسلمين حتى تقوم الدولة الإسلامية. فإذا قام البعض بما يقيم الدولة الإسلامية لا يسقط الفرض عن أي واحد من المسلمين ما دامت الدولة الإسلامية لم تقم، ويبقى الفرض على كل مسلم، ويبقى الإثم على كل مسلم حتى يتم قيام الدولة. ولا يسقط الإثم عن أي مسلم حتى يباشِر القيام بما يقيمها، مستمراً على ذلك حتى تقوم...
وهكذا كل فرض على الكفاية يبقى فرضاً على كل مسلم ولا يسقط هذا الفرض حتى يقام العمل المطلوب.
من جواب سؤال لأمير حزب التحرير العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة
رأيك في الموضوع