إن الإسلام هو الدين الذي أنزله الله عز وجل على رسوله المصطفى r بالوحي، فكان لزاماً على كل من يريد أن يعمل بالإسلام أو للإسلام أن يتقيد بما جاء به الحبيب المصطفى r، والسيرة النبوية تحدثنا، أن النبي r وهو يدعو للتوحيد، وعبادة الله عز وجل وحده، كان يعمل أيضاً في الوقت ذاته لإيجاد سلطان للإسلام، ودولة عبرها تنفذ أحكام الله في الأرض. والنبي r وهو يعمل من أجل إيجاد سلطان للإسلام، وإقامة دولة له، كان سبيله في ذلك هو العمل السياسي الذي يقوم في أساسه على إقامة كتلة سياسية تتولى حمل تبعة الإسلام عملياً، وإن كان المسلمون جميعهم يحملون تبعات الإسلام بصورة عامة، فقد أقام النبي r كتلة بدار الأرقم بن أبي الأرقم، وعندما صارت لهذه الكتلة القدرة على القيام بالعمل السياسي، الذي يتمثل في الصراع الفكري والكفاح السياسي، خرجت تعلن عن نفسها للناس في مكة، فلاقت ما لاقت من صنوف العذاب، ولكنها لم تغير طريقها السياسي، ولم تقم بأعمال مادية، فآل ياسر كانوا يعذبون حتى الموت، وكان النبي r يقول لهم صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة وإني لا أملك لكم من الله شيئاً، لم تقم هذه الكتلة (حزب النبي r) بأي عمل مادي قبل قيام الدولة رغم مقدرتهم على القيام بالأعمال المادية، فظل النبي r وأصحابه يقومون بوضع الخط المستقيم أمام الخطوط المعوجة، يسفهون عقائد الشرك، والمعاملات الباطلة، ويكشفون زيف الزعامات الجاهلة حتى ينفضّ الناس من حولهم، ويدخلوا في دين الله أفواجاً، ثم يطلبون النصرة من أهل القوة والمنعة، حتى قيض الله له الأنصار، أهل يثرب من الأوس والخزرج، الذين بايعوه على الحرب، فكانت النصرة وقيام الدولة في المدينة.
اليوم الأمة الإسلامية تعيش حالة أشبه بحالة المسلمين في مكة، حيث لا دولة ولا شوكة، فالواجب يحتم عليهم العمل الجاد من أجل إقامة سلطان للإسلام عن طريق استئناف الحياة الإسلامية بإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، ولا يكون ذلك إلا بالطريق ذاته الذي سلكه النبي r باعتباره حكماً شرعياً واجب الاتباع، يقول الله عز وجل: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُبِينًا﴾، ثم إن الواقع العملي يؤكد ذلك، فإن كل الحركات الإسلامية التي سلكت الطريق المادي، أي القتال من أجل إقامة دولة الإسلام كانت النتيجة كارثية عليها وعلى الأمة، والأمثلة أمامنا لا تحتاج لبيان أو تفصيل، لأن العمل المادي يحتاج لمال كثير، فهو يحتاج للسلاح والذخيرة والمؤن وغيرها مما لا يستطيع الأفراد أو الجماعات مهما أوتيت من مال أن تفي بذلك، إن القتال يحتاج لإمكانات دولة وليس لإمكانات حزب أو جماعة، ولم يحدث لا في التاريخ القديم ولا الحديث أن انتصرت جماعة أو حزب على دولة، إضافة إلى ذلك فإن الحزب أو الجماعة التي تقاتل مهما اعتمدت على نفسها في بداية الأمر، فإنها لا تستطيع أن تواصل دون دعم، وهنا يكون دور مخابرات الغرب والشرق الخبيث، فيتم عبر هذه المخابرات اختراق صفوف المجاهدين عبر عملاء من بني جلدتنا، يظهرون تعاطفهم مع هذه الجماعات، ويقدمون المال حتى إذا تورطت ظهروا على حقيقتهم مطالبين بأعمال معينة ثمناً للمال الذي يدفعونه، والسلاح الذي يجلبونه، ولذلك تقع هذه الجماعات فريسة سهلة، فترهن قرارها لهؤلاء المانحين الذين ما هم إلا وكلاء عن الغرب الكافر الذي لا يريد لهذه الأمة غير الدمار والصغار، فتكون النتيجة النهائية لهذه المنظمات المسلحة التبعية والارتهان للقوى الأجنبية الحاقدة على الإسلام، وتضيع القضية التي من أجلها قاتلوا.
إذن نخلص إلى حتمية العمل بالطريق السياسي لاستئناف الحياة الإسلامية، فهو أولاً سلوك لطريق النبي r، والتزام بنهجه عليه الصلاة والسلام في التغيير، ثم هو الطريق العملي الوحيد المأمون الجانب، والمؤدي بمشيئة الله إلى التغيير المنشود.
وها هو ذا حزب التحرير؛ الرائد الذي لا يكذب أهله قد ظل منذ ولادته في خمسينات القرن الماضي على العهد لا يحيد عن طريق الحبيب المصطفى r قيد أنملة في حمله للدعوة الإسلامية بالطريق السياسي. فقام برعاية شؤون الناس بأفكار الإسلام وأحكامه عن طريق إنزالها على الوقائع والأحداث الجارية لتصبح رأيا عاما تدفع جماهير الناس للعمل بمقتضاها والتغيير على أساسها، وأيضا قام بكشف خيانة حكام المسلمين للأمة الإسلامية وارتباطهم بالدول الغربية المستعمِرة، وأيضا قام بكشف خطط تلك الدول وسياساتها في بلاد المسلمين، وهذا كله هو جوهر العمل السياسي. وبالرغم من كل ما لاقى شبابه من الحكام العملاء الظلمة من ملاحقة واعتقال وتعذيب قد أفضى في كثير من الحالات إلى القتل، فإنه ظل ثابتا على دعوته وحملها بالطريق السياسي، فلم يدفعه ظلم الظالمين إلى الحيد عن طريقته الشرعية والانتقال إلى العمل المادي.. وهو بحمد الله وعونه يزداد يوماً بعد يوم قوة على قوته، ويكسب أنصاراً لفكرته وطريقته، وصار موضع ثقة الكثيرين من أبناء الأمة في ثباته على الحق وفي فهمه للوقائع والأحداث السياسية الجارية. فضعوا أيديكم في يده حتى يأذن الله بنصره، وقيام دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
رأيك في الموضوع