يعتبر الفكر السياسي من أعلى أنواع الفكر على الإطلاق وهو يعني التفكير المتعلق برعاية شؤون الأمة، وأعلى أنواعه التفكير المتعلق بالإنسان وفي العالم من زاوية خاصة.
والعقيدة الإسلامية فكرة سياسية، فهي من الفكر السياسي، بل هي أساس الفكر السياسي لدى المسلمين، فهي مبدأ ونظام، ودين منه الدولة. وتتميز العقيدة الإسلامية عن غيرها من العقائد والمبادئ، بأنها عقيدة سياسية روحية، تتولى بما انبثق عنها من أفكار وأحكام رعاية شؤون الدنيا والآخرة. ووجهة النظر التي تشكلها تختلف عن جميع وجهات النظر في المبادئ والأنظمة الأخرى، كذلك أفكارها وأحكامها تختلف عن جميع الأفكار والأحكام الموجودة في الدنيا كلها. سواءً في الأساس الذي قامت عليه، أو المصدر الذي شرّعها، وسواءً في كلياتها أو جزئياتها. كذلك جاءت بأفكار وأحكام تتعلق بجميع شؤون الحياة وعلاقات البشر فيها. وبرعاية هذه الشؤون والعلاقات، سواء أكانت تتعلق بالحكم أو الاقتصاد أو الاجتماع أو التعليم، أو السياسة داخلية أو خارجية. وسواء أكانت تتعلق بعلاقة الحكام بالمحكومين، أم بعلاقة الدولة مع الدول والأمم والشعوب الأخرى. وبذلك كانت عقيدة الإسلام السياسية عقيدة كاملة وشاملة تتناول الحياة في جميع مظاهرها وأشكالها، وتعالج جميع وقائعها معالجة دقيقة، قال تعالى: ﴿ونزّلنا عليكَ الكتابَ تِبياناً لكلِّ شيءٍ( وقال عز وجل: ﴿اليومَ أكملتُ لكمْ دينَكمْ وأتممتُ عليكمْ نعمتي ورضيتُ لكمُ الإسلامَ ديناً﴾...
والأمة الإسلامية اليوم حتى تحصل لها النهضة، لا بد من أن تجعل العقيدة الإسلامية الأساس الذي تتجه في حياتها إليه، وتقيم الحكم والسلطان عليها، ثم تعالج المشاكل اليومية بالأحكام المنبثقة عن هذه العقيدة، أي بالأحكام الشرعية بوصفها أوامر ونواهيَ من الله فقط لا بأي وصف آخر. وبذلك ستحصل النهضة قطعاً، بل ستحصل النهضة الصحيحة لا مجرد نهضة، وتعود الأمة الإسلامية لاقتعاد ذروة المجد وأخذ قيادة العالم مرة أخرى. ولذلك كان لا بد من أن تثقف الأمة الثقافة السياسية مبتدئة أولاً وقبل كل شيء بعقيدتها العقلية، أي بفكرتها الكلية عن الكون والإنسان والحياة باعتبارها فكرة سياسية لا فكرة روحية فحسب، ثم بما ينبثق عنها من الأفكار السياسية، وما يُبنى عليها من الوسائل والغايات.
إن الأمة الإسلامية، وهي تعتنق العقيدة الإسلامية، فكرة كلية عن الكون والإنسان والحياة، عقيدة سياسية، قاعدة فكرية، قيادة فكرية، وجهة نظر معينة في الحياة، يجب عليها وهي ترى العالم كله، وهي معه كذلك يتخبط هذا التخبط، يرزح تحت نير الظلم السياسي والاقتصادي، ويخضع لعبودية قوة غاشمة، ويئنُّ تحت كابوس الشقاء والاستعباد والإذلال فإنه فرض عليها أن تأخذ على عاتقها مهمة إنقاذ العالم، وإخراجه من ظلمات الضلال والتضليل، إلى نور الهدى، وسعادة الحياة. فإنها وإن كانت ترزح تحت نير القوة الغاشمة، فإنه لم يعد جائزاً لها أن تفكر في نفسها فحسب، فإن الأنانية بعيدة عما تعتنقه من عقائد، وغريبة على ما تحمله في ثنايا نفسها وفي صميم فؤادها من قيم وأفكار.
لذلك يجب أن تفكر في إنقاذ العالم مع إنقاذ نفسها، وأن تضطلع معها بمهمة تحرير العالم لا بنفسها وحدها. فإنها جزء من هذا العالم، وهي وجدت من أجل هدى البشر، وبعد أن اعتنقت عقيدة الإسلام، صار فرضاً عليها أن تنقذ الإنسانية من الشقاء، وأن تُخلِّص البشر من الظلم والتعاسة، ومن الإذلال والاستعباد.
عن كتاب أفكار سياسية لحزب التحرير
رأيك في الموضوع