فهم السياسة الخارجية أمر جوهري لحفظ كيان الدولة والأمة، وأمر أساسي للتمكن من حمل الدعوة إلى العالم، وعمل لا بد منه لتنظيم علاقة الأمة بغيرها على وجه صحيح.
ولما كانت الأمة الإسلامية مكلفة بحمل الدعوة الإسلامية إلى الناس كافة، كان لزاماً على المسلمين أن يتصلوا بالعالم اتصالاً واعياً لأحواله، مدركاً لمشاكله، عالما بدوافع دوله وشعوبه، متتبعاً الأعمال السياسية التي تجري في العالم، ملاحظاً الخطط السياسية للدول في أساليب تنفيذها، وفي كيفية علاقتها بعضها ببعض، وفي المناورات السياسية التي تقوم بها هذه الدول، ولذلك كان لزاماً على المسلمين أن يدركوا حقيقة الموقف في العالم الإسلامي على ضوء فهم الموقف الدولي العالمي، ليتسنى لهم أن يتبيّنوا أسلوب العمل لإقامة دولتهم وحمل دعوتهم إلى العالم.
ومن هنا أصبح من المحتم عليهم معرفة الموقف الدولي معرفة تامة، ومعرفة التفاصيل المتعلقة بالموقف الدولي والإحاطة بموقف الدول القائمة في العالم والتي لها شأن يذكر في الموقف الدولي العام.
والدول كلها عدوة للإسلام، لأنها تعتنق ديانات ومبادئ تناقض الإسلام، ولها وجهة نظر في الحياة تخالف بل تناقض وجهة النظر الإسلامية، والدول الكبرى بنوع خاص تزيد على ذلك بأنها تطمع في البلاد الإسلامية، ولذلك قضت على الدولة الإسلامية للقضاء على الأمة الإسلامية، ورسمت الخطط البعيدة المدى للحيلولة دون عودة الدولة الإسلامية إلى الحياة لتحول دون عودة الأمة الإسلامية أمة عظيمة بين الأمم، وبالطبع ترسم الخطط وتبذل الجهود لِوَأْدِ الدولة الإسلامية في مهدها، قبل أن تتحرك الأمة الإسلامية وستظلّ دؤوبة على مقاومة الأمة الإسلامية، ومقاومة وجودها وقوتها، ما دامت الدولة الإسلامية قائمة، أو ما دامت هذه الدول العدوة قوية كدولة، أو قوية كشعب، بل كأفراد.
وإذا كانت معرفة السياسة لكل دولة في العالم أمراً لا يستغني عنه كل سياسي مسلم، فإن إدراك كنه وخفايا وخطط وأساليب ووسائل الدول الكبرى أمر بالغ الأهمية لكل مسلم بشكل إجمالي ولكل سياسي بل مفكر مسلم بشكل تفصيلي واقعي، سائراً مع الأحداث اليومية المتغيرة والمتجددة مع بقاء التصور الكامل للأسس والقواعد التي تقوم عليها سياسة أية دولة كبرى، من أجل إدراك الأخطار، ودوام العمل لأمن البلاد، أي لأمن الدولة والأمة الإسلامية وحمل الدعوة الإسلامية إلى العالم.
عن كتاب مفاهيم سياسية لحزب التحرير
رأيك في الموضوع