إن الخليفة هو الذي يقود المسلمين بعد الرسول ﷺ، وسمي خليفة لكونه يخلفه ﷺ في حكم الأمة ورعاية شؤونها، وهذا ما بينته السنة المشرفة وطبقه الخلفاء بعد رسول الله، فعنه ﷺ أنه قَالَ: «إِنَّمَا الْإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ، فَإِنْ أَمَرَ بِتَقْوَى اللَّهِ وَعَدَلَ، فَإِنَّ لَهُ بِذَلِكَ أَجْراً، وَإِنْ أَتَى بِغَيْرِهِ فَعَلَيْهِ إِثْمُهُ»، والخلافة هي قضية الأمة المصيرية التي يجب عليها الحفاظ عليها حال وجودها، والسعي لإعادتها في حال غيابها والتضحية في سبيل ذلك بالنفس والنفيس، لكونها الطريقة الوحيدة التي بينها الشارع سبحانه وتعالى لكيفية تطبيق الإسلام في الداخل وحمله إلى الناس في الخارج.
والخلافة ليست هي مجرد فرض يأثم تاركه ويثاب فاعله، إنها الكيفية الوحيدة لتطبيق أحكام الإسلام التي قد يكفر من لا يطبقها مما يجعلها في قمة الفروض الواجب تنفيذها، إذ لا يطبق الإسلام إلا بها، مما جعلها تسمى تاج الفروض، فهي في معناها تتضمن التمكين للإسلام وبسط سلطانه في الأرض بتطبيق أحكامه على المسلمين في الداخل وحمله إلى العالم كله بالدعوة والجهاد.
وإن أفضل وأقصر وأنجع طريق للدعوة إلى الإسلام هو تطبيقه جملة وتفصيلا كما أمر الله سبحانه وتعالى في أرض الواقع في ظل دولة وسلطان.
فلما فتح السلطان مراد الثاني مدينة سلانيك عام 1431م وهزم البندقيين شر هزيمة ودخل المدينة منتصراً، أعلمه الحاجب أن وفداً من مدينة يانيا قد حضر، وأنهم يريدون لقاءه لأمر مهم.
كانت مدينة يانيا تحت حكم عائلة توكو الإيطالية، وعندما مات كارلو توكو الأول عام 1430م، ولي الحكم بعده ابن أخيه كارلو توكو الثاني، ولكن أبناء توكو الأول غير الشرعيين ثاروا وطالبوا بالحكم، فبدأ عهد من الاضطراب والفوضى والقتال عانى منه الشعب الأمرين، وعندما سمعوا بأن السلطان مراد الثاني بالقرب منهم في مدينة سلانيك قرروا إرسال وفد عنهم.
أمر السلطان مراد رئيس حجابه بالسماح للوفد بالدخول عليه، ثم قال لرئيس الوفد بواسطة الترجمان: أهلاً بكم، ماذا أتى بكم إلى هنا؟ وماذا تبغون؟
قال رئيس الوفد: أيها السلطان العظيم، جئنا نلتمس منكم العون، فلا تخيب رجاءنا.
- وكيف أستطيع معاونتكم؟
- يا مولاي، إن أمراءنا يظلموننا، ويستخدموننا كالعبيد، ويغتصبون أموالنا ثم يسوقوننا للحرب.
- وماذا أستطيع أن أفعل لكم؟ إن هذه مشكلة بينكم وبين أمرائكم.
- نحن أيها السلطان لسنا بمسلمين، بل نحن نصارى، ولكننا سمعنا كثيراً عن عدالة المسلمين، وأنهم لا يظلمون الرعية، ولا يكرهون أحداً على اعتناق دينهم، وأن لكل ذي حق حقه لديهم. لقد سمعنا هذا من السياح، ومن التجار الذين زاروا مملكتكم، لذا فإننا نرجو أن تشملنا برعايتكم وبعطفكم، وأن تحكموا بلدنا لتخلصونا من حكامنا الظالمين.
ثم قدّموا له مفتاح المدينة الذهبي، واستجاب السلطان لرجاء أهل مدينة يانيا، وأرسل أحد قواده على رأس جيش إلى هذه المدينة، وتم فتحها فعلاً في السنة نفسها، أي في سنة 1431م.
هذا ما كان، وهذا ما هو كائن قريبا بإذن الله عند إقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة ﴿إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً﴾.
رأيك في الموضوع