في ظل إرهاصات النصر التي تستشرفها الأمة الإسلامية، وفي الوقت الذي نرى فيه أننا على أبواب مرحلة جديدة ستغير الوجه السياسي للعالم... على أبواب فجر صادق سيبزغ نوره بالعدل والحق ليخرج الناس من الظلمات إلى النور...
في ظل هذه الأجواء قرر حزب التحرير تشكيل فريق عمل للقيام بكل ما يلزم من أجل استئناف إصدار "جريدة الراية" من جديد، جريدة الحزب التي أُغلقت من قبل السلطات الأردنية بأمر من "كلوب" باشا سنة 1954م، قرر الحزب استئناف إصدارها لتنثر بذار الصدق والحق من أجل أن تحيي عند أبناء الأمة الإسلامية مع باقي المنابر الإعلامية للحزب روح الإقبال على كتاب الله وسنة رسوله r وإعادة الإسلام إلى الحياة بعقيدته ونظامه قريباً إن شاء الله...
فشكل الحزب فريقاً للعمل في التحرير، وآخر للعمل في الكتابة والبحث، وثالث للعمل في الأرشيف، ورابع للعمل في التصميم والنواحي التقنية والفنية، وخامس للعمل في الجودة ...إلخ.
وفي ظل هذا النشاط وتلك الحركة الجادة لإصدار الجريدة من جديد قابلنا أحد الخمسة محررين الذين أشرفوا على إصدار الراية الأولى سنة 1954م... هو الأستاذ والإعلامي الفاضل نبيه الجزائري شفاه الله وعافاه وأطال بعمره... وقد حدثنا عن الراية التي صدرت في 1954م، وعن تفاصيل كثيرة ذات علاقة، مثل مكان إصدارها ورئيس تحريرها العالم الفاضل الشيخ عبد القديم زلوم عليه رحمة الله وغيرها من الأمور... وفيما يلي بعض ما سمعناه منه وكتبه لنا عن مكانة الراية في تاريخ حزب التحرير كرواية شاهد من أهلها:
عن شعوره حين علم قرار حزب التحرير استئناف إصدار الجريدة قال: (...في جو الفرحة الغامرة بعودة جريدة الراية أدَعُ لغيري التعبير عن مشاعر الاغتباط بالمناسبة الجليلة، أو لفت الانتباه إلى أهميتها الإعلامية والمعنوية، أو تدبيج عبارات التقدير والإكبار لجهود العاملين المخلصين الذين تولوا مشكورين بعثها بعد هجوعها الطويل... فلقد أرتأيت أن خير إسهام لي في هذا المجال، بوصفي أحد مؤسسيها الأحياء، أن أورد بعض اللمحات التاريخية التي أحاطت بإصدارها في أوائل النصف الثاني من القرن الماضي، مع اعتذاري لضبابية الذكريات بسبب امتداد الفاصل الزمني، وإذ بلغت من العمر عتيا...)
عن دوره في الجريدة، ولقائه بالشيخ تقي الدين النبهاني قال: (تفرغت في الجريدة لترجمة ما يعزز رؤية الحزب، مما يتكشف من الصحف والمجلات الصادرة باللغة الإنجليزية. وذلك بعيد فصلي من الجيش الأردني، إثر مواجهة علنية حادة خضتها في معسكر بضواحي بيت المقدس ضد هيمنة القيادة البريطانية على الجيش الأردني، وذلك في جمع ضم مئات من ضباط وحدات الضفة الغربية، بالإضافة إلى ما سبق ذلك من انكشاف علاقتي بحزب التحرير... وهنا أتذكر لقائي الأول مع الشيخ تقي الدين النبهاني في عمان، وقد أتيته مشبعاً بالفكر الليبرالي نتيجة دراستي في الكلية الحربية البريطانية فبدأت مستغرباً الأمل باستئناف الحياة الإسلامية بإقامة الخلافة، ما دامت قابلية زوال الخلافة ممكنة كما حدث في أواخر أيام الخلافة العثمانية، فشرح لي بأسلوبه الذي ينفذ إلى أعماق القلب والعقل ضرورة قيام الحزب الحارس لنقاء الفكر ودوام الاجتهاد وجعل اللغة العربية هي وحدها لغة الإسلام. ولما كنت باحثاً عن الحقيقة فقد تبدلت قناعاتي السابقة واقتنعت بوجوب الدراسة المتعمقة للإسلام الذي حرمتنا منه المناهج الدراسية الظالمة بفعل عملاء الخزي وعلماء السوء ووعاظ السلاطين...)
وعن جريدة الراية التي صدرت في الخمسينات قال: (...صدرت الجريدة باسم كل من المرحوم الشيخ عبد القديم زلوم رئيسا للتحرير وطيب الذكر منير شقير سكرتيراً للتحرير حسب متطلبات الحصول على ترخيص للجريدة... كانت الجريدة تصدر من مكتب صغير خفي متواضع في مخزن لمنير شقير، وكنت أدلف إليه خائفاً أترقب من باب خلفي للمسجد الحسيني المجاور. وكان المكتب لا يكاد يتسع لأكثر من شخصين ومع ذلك كانت تتم فيه كل مراحل إصدار الجريدة من التحرير إلى إعدادها للمطبعة وتسليمها للشباب الذين يتوافدون بحماس للمشاركة بتوزيعها في أجواء الحذر من الاعتقال...)
وعن الأجواء التي كان يعيشها شباب الحزب قبيل حملة كلوب باشا لإغلاق الجريدة، قال: (... وكان نشاط شباب حزب التحرير في تلك المرحلة الدقيقة من المسيرة المباركة يتسم بصعوبات بالغة... نتيجة قمع الأجهزة الأمنية للحزب وشبابه، واستغلال الحركات الاشتراكية والقومية للحماس الشعبي لخطب عبد الناصر لتحرضهم على الحزب نتيجة كشف الحزب لعلاقة ناصر بالأمريكان، فحرضت تلك الحركات الناس ضد الحزب مستغلة خطب ناصر النارية النبرة والفارغة المحتوى، والتي ما قصدت يوماً وضع خارطة طريق لإزالة كيان يهود أو استعادة الروح الجهادية لهذه الأمة، والتي ما خلفت لنا سوى الهزيمة المشينة النكراء، وما زرعت سوى التسلط السلطوي في سوريا والأقطار المجاورة. وما خلفت سوى مدرسة مشبوهة لم يتخرج منها إلّا من كانوا على شاكلة المقبور السادات أو المخلوع اللامبارك...
وفي أوج ذلك الجو المشحون الذي جعل عمل أولئك الشباب الرواد أشبه بمن وصفهم الشاعر يجمعون الدقيق المنثور وسط الشوك في يوم عاصف، تأتي القشة التي قصمت الظهر... إذ يحصل أنصار الحزب في الجيش على نسخة من أمر صادر عن الجنرال البريطاني كلوب باشا إلى وزير الداخلية الأردني لسن قانون الوعظ والإرشاد بغية وضع حد لخطباء حزب التحرير في المساجد.
ولم يتردد الحزب عن التحدي ففضح في جريدته اندفاعة القائد البريطاني ومن ورائه السفارة البريطانية والمستشار البريطاني للمخابرات الأردنية لمنع الحزب من المساجد، كما فضح في المساجد مواقف علماء السوء وأحلاس النظام، وسارعت الحكومة إلى إغلاق الجريدة واعتقال من كانت تتحين الفرصة لاعتقالهم. وكان أول من اعتقل أنا وغانم عبده مع مجموعة من شيوخ الحزب البارزين ضمت كلا من الشيخ داود حمدان والشيخ عبد القديم زلوم والشيخ أسعد بيوض التميمي والشيخ عبد العزيز الخياط، أي كل الذين برزوا في مجال استثارة الغضبة الشعبية العارمة ضد سن قانون الوعظ والإرشاد... وهكذا أمضينا في معتقل الجفر الصحراوي أربعةً وعشرين شهراً.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن شباب الحزب الذين كانوا يعانون غربة الدعوة وكأنما هم قادمون من كوكب آخر بدعوتهم الغريبة إلى استعادة الخلافة... شعروا لأول مرة، بسبب شدة حرارة مقاومتهم الضارية للتدخل الحكومي والأجنبي بشؤون المساجد، شعروا بحلاوة الدعم الشعبي لهم في تصديهم للذود عن مكانة المساجد العزيزة على قلوب المسلمين...)
وحول تقدم الحزب على الصعيد الإعلامي وخطر ما يسمى الإعلام النزيه قال: (واليوم، إذ أتذكر اعتماد الحزب في تلك الأيام على جريدة صغيرة لا تتجاوز أربع صفحات، وليس لها من مصادر غير الاعتماد على ما يرشح من الإذاعات والصحافة شبه الحكومية، وتعتمد التحليل المنطقي والاجتهاد الشخصي الذي تتفاوت نتائجه بين شخص وآخر بدل ما يستوجبه الحال من وجود جهاز رصد متكامل يعول عليه للتوصل إلى حقائق الأمور لأن الظن لا يغني من الحق شيئا... وأنظر إلى الإمكانات الإعلامية الهائلة المتوفرة للحزب، بفضل الوسائل الإلكترونية الحديثة وهمة الحزب وشبابه في توظيفها لجعل فروع الحزب تتواصل، متجاوزة كل إمكانات الحظر الفكري التي اعتمدتها أجهزة القمع والاستبداد، فأحمد الله كثيراً وأعبر عن اغتباطي بما سخر الله لنا مما يجعل أطراف الحزب في أرجاء المعمورة تعمل وتتدارس وتتحرك وتساهم وكأنها حلقة واحدة متماسكة.
وختاما ونحن بصدد هذا الحدث الإعلامي المبارك أرجو أن ألفت الانتباه إلى خطر فكرة وجود ما يسمى بالإعلام العالمي النزيه، وذلك لأن كل وسائل الإعلام المهمة قد أصبحت منذ مطلع هذا القرن مملوكة للمافيات الخبرية الصهيو - أمريكية. ولذلك لم يعد هناك سوى إمبريالية خبرية تتحكم في ما يراه الناس وما يسمعونه. وبالإضافة إلى ذلك، فإن ما نشهده في وكالات الأنباء الوطنية في ديار المسلمين لا يعدو تداول الفتات مما توزعه الوكالات الغربية الكبرى على صعيد الأخبار الخارجية، والانسجام مع رغبات السلطة الحاكمة على صعيد الأخبار المحلية. ولذلك تظل أجبن من أن تتطرق إلى أي خبر يتعلق بحزب التحرير أو غيره من الفئات أو الشخصيات الإسلامية النظيفة...) انتهى نص الحوار وما كتبه لنا الأستاذ الفاضل نبيه الجزائري حفظه الله تعالى وبارك فيه وبه...
وإننا في الراية، نسأل الله تعالى أن يجزل العطاء الحسن لفريق الراية الأول؛ ابتداء من صاحب الفكرة الأمير المؤسس العلامة الشيخ تقي الدين النبهاني ورئيس تحريرها العالم الفاضل الشيخ عبد القديم زلوم عليهما رحمة الله، والأستاذ الفاضل نبيه الجزائري، وكل من شارك معهم... كما ونسأله تعالى أن يجزل العطاء الحسن لفريق الراية الحالي؛ ابتداء من أميرنا العالم الجليل عطاء بن خليل أبي الرشتة حفظه الله تعالى وكل فريق الراية ومن ساهم في إصدارها... سائلين الله أن يجعل في هذه الجريدة الخير للإسلام والمسلمين، وأن يعيننا لنزيِّن صفحاتها بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن...
بسم الله نبدأ، وعليه نتوكل، وإياه نرجو العون في إعلاء كلمة الحق...
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فريق تحرير جريدة الراية
رأيك في الموضوع