قاربت الحرب على غزة أن تنهي شهرها الثالث في ظل قهر الأعداء وخذلان الإخوة الذين يجب عليهم نصرة أهلنا في الأرض المباركة، بل تجاوز الأمر الخذلان إلى التضييق عليهم وتمكين يهود من رقابهم! وها هم يهود يقتلون أهلنا في الأرض المباركة شيبا وشبابا ونساء وحتى الأطفال، لم يرحموا أحداً ولسان حالهم يقول لسنا أسوأ من بشار ولا السيسي قتلة شعوبهم الثائرة!
نعم ليسوا أسوأ من حكام بلادنا، بل إن حكام بلادنا هم حماة كيان يهود الفعليون، وهم من يمنحه الحياة والقدرة على البقاء؛ فهم قبته الحديدية الحقيقية التي تحميه، ولا زالت العلاقات قائمة بين تلك الأنظمة وكيان يهود؛ فلا زالت تركيا تصدّر الحديد والملابس والمواد الغذائية للكيان، ولا زالت الأردن تصدر خضرواتها ليهود بينما يتضور أهل غزة جوعا! أما مصر فتحمي حدود كيان يهود وترفض، كما صرح رأس النظام، أن تصبح سيناء نقطة انطلاق لهجمات أو تهديدات لكيان يهود، وأكثر من هذا ها هو النظام يسقط المسيّرات التي يهاجم بها الحوثيون كيان يهود، بجيشه وآلياته التي يجب أن تتوجه لنصرة أهل غزة وتحرير كامل فلسطين من هذا الكيان الغاصب.
إن قضية فلسطين هي مركز تنبه للأمة ونقطة محورية في تفكيرها، ومنها تعرف من عدوها ومن يصطف في صفها، حتى من حاولوا خداع الأمة كانوا وما زالوا يتاجرون بقضية فلسطين وعداء يهود والانتصار لأهل فلسطين؛ فعبد الناصر أكبر عميل لأمريكا في المنطقة كان يسبّ أمريكا ويهود وكانت مقولته الشهيرة "سنقاتل (إسرائيل) ومن وراء (إسرائيل)"، بينما يبيت في أحضان السفير الأمريكي، وبينما كانت أمريكا هي راعية انقلابه وداعمته حتى وصل للحكم!
وهذا أردوغان صاحب الخطوط الحمراء التي انتهكت جميعها من حلب وإدلب حتى غزة وهو الذي لم يقطع علاقاته التجارية ولا حتى الأمنية مع كيان يهود، بل أعلن أنه مستعد ليكون ضامنا في اتفاق بين أهل فلسطين والكيان، قطعا هنا ستكون الضمانة للكيان الغاصب وأمنه!
أما النظام المصري فحدث ولا حرج؛ لا قرار ولا سيادة، ويتحرك وفق ما تمليه أمريكا وما يخدم مشروعها؛ تارة بالضغط على يهود وتارة بحصار أهل فلسطين، لا يخلو الأمر من تبني وجهة نظر أمريكا وحلها لقضية فلسطين وتسويقها وحمل مقترحات أمريكا على سبيل الوساطة بين المجاهدين ويهود.
ثم إيران وحزبها في لبنان والحوثيون... كلهم قرارهم بيد أمريكا لا يخرجون عنها ولا عن إرادتها، وهناك انفصال فعلي وحقيقي بين الأمة وحكامها؛ فالحكام ليسوا من جنس الأمة بل هم وكلاء للغرب موظفون لديه بدرجة ملوك ورؤساء دول ولا حيلة لهم، والأمة باتت تعرفهم وتعرف خياناتهم وإن كانت مغلوبة مقهورة تقبع تحت قمع وقهر هؤلاء الحكام الذين يحكمون بلادنا بالحديد والنار.
إن قضية فلسطين ودماء أهلها لا تعني هؤلاء الحكام، ولا ولن ينتفضوا من أجلها، فعروشهم التي تستند إلى الغرب يهددها جهاد المجاهدين، ولا يعنيهم غير رضا سادتهم، ورضا سادتهم يكمن في تأمين مشروعهم الاستعماري كيان يهود. وحلول قضية فلسطين المطروحة كلها تخدم وجود هذا الكيان وتحرص على تأبيده في المنطقة وتسعى لإيجاد تطبيع حقيقي مع الشعوب، وهو ما لم ولن يحدث مطلقا حتى مع تطبيع الحكام الحاصل فعلا، بل إن مثل هذه الأحداث وهذه الدماء تؤكد أن التطبيع وهمٌ وسراب لن يرى أبدا.
إن قضية فلسطين هي قضية الأمة ولن تعالج بأطروحات الغرب ولا بالتنازل عن شيء من أرض فلسطين ليهود، فكل فلسطين أرض خراجية ملك لكل الأمة وتحريرها واجب على كل الأمة وهو أوجب على دول الطوق وخاصة مصر بجيشها، ولن تحرر الأرض المباركة إلا بتحريك جيش الكنانة ليعيدها من جديد أرضا إسلامية ويرفع فوقها راية رسول الله ﷺ، ولن يتحرك جيش الكنانة من أجل هذا التحرير ونصرة أهلنا في غزة إلا بتحرير القاهرة من الرأسمالية ونظامها وأدواتها والانعتاق من التبعية للغرب بكل أشكالها وإقامة دولة للإسلام تعتبر فلسطين وتحريرها قضية مصيرية وحكماً شرعياً واجباً يأثم القاعد عنه، فتحرك الجيوش لتحريرها ونصرة أهلها... هذا هو الحل الوحيد لقضية فلسطين ولا حل غيره مهما طرح من مقترحات غربية ومشاريع فكلها تصطدم بطموح يهود وهم يكفلون إفشالها، ولن يمنحهم الغرب القدرة على التوسع ولن يسمح بوجود مشروع خاص خارج إرادة الغرب، وإن سمح لهم بممارسة أبشع الانتهاكات من قتل وتدمير طالما أن هذا التدمير في بلدنا والقتلى مسلمون لا بواكي لهم، ولن يبقى في النهاية إلا مشروع الأمة وأملها في تحرير مقدساتها الذي سيكون حتما ووعد الصدق الذي وعد الله به، فحتما ستقتلع الأمة هذه الأنظمة وستنعتق من التبعية وتتوحد جميعها في دولة واحدة تحكم بالإسلام وتحمله للعالم وتتبنى قضاياه، وحتما ستتحرك الجيوش محررة أرض الإسلام جميعها وليس الأرض المباركة فقط.
إن مشروع الأمة الذي يوحدها في ظل خلافة راشدة على منهاج النبوة هو الضامن الوحيد، لا لأمن يهود بل لاقتلاعهم من جذورهم وتطهير الأرض المباركة من رجسهم، وهو وعد قريب بإذن الله، نسأل الله أن يتمه علينا وتكتحل به عيوننا وأن نكون من جنوده وشهوده.
﴿وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾
* عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر
رأيك في الموضوع