الحق هو ما كان من عند الله عز وجل وما سواه فهو باطل وضلال. والله عز وجل أنزل الحق وأرسل الرسل برسالات وشرائع الحق ليسير الناس عليها. ولما كانت الكثرة من الناس تسير في هذه الحياة الدنيا وفق مصالحها وأهوائها كانت تقوم بتحريف الحق وإظهار الباطل أنه هو الحق الذي جاء من عند الله. وقد أخبرنا الله عز وجل أن اليهود والنصارى بعد موت رسلهم عمدوا إلى تحريف ما أُنزل على رسلهم، قال تعالى: ﴿فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبُونَ﴾، وقال سبحانه: ﴿مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ﴾، وقال عز وجل: ﴿أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾، فالأحبار والرهبان كانوا يحرفون الحق ليأخذوا مقابل هذا عرض الدنيا، فهم يجيزون مخالفة وتحريف دينهم إن كان في ذلك مصلحة أو أمر دنيوي، فبذلك يظهر أن الديانات التي أُرسل بها الأنبياء السابقون محرفة وليست هي التي جاء بها هؤلاء الأنبياء، وما هو موجود اليوم فباطل وضلال وزيغ.
لما أنزل الله سبحانه وتعالى رسالة الإسلام جعلها ناسخة لكل الشرائع والسنن السابقة فكانت وحدها الحق ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلَامُ﴾، ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾. ولما تكفل الله عز وجل بحفظ الإسلام وحفظ قرآنه الكريم وكان أمر تحريف القرآن ونصوصه مستحيلا وكفرا وخروجا من ملة الإسلام عمد ضعاف ومرضى النفوس وطلاب الدنيا ومتعبي الشهوات إلى تحريف أحكام الإسلام والتلاعب بمعانيه.
عندما انتهى عصر النبوة بدأت سياسة ومؤامرة تحريف الحق تظهر فرفض قوم دفع الزكاة تحريفا لقول الله تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً﴾ إذ قالوا إن هذا الخطاب خاصا بالرسول وبعد موته لا زكاة علينا. وقد كانت بين فينة وأخرى وحقبة وثانية تظهر جريمة ومؤامرة تحريف الحق، لكن وجود دولة الإسلام وقوتها كان الرادع والمزيل لكل أشكال التحريف والقاضية على شراذم المحرّفين، فكان التلاعب بالدين وتحريف مراميه وأحكامه والتعدي على أسسه هو زندقة ومن يقوم ويثبت عليه ذلك كانت دولة الإسلام تقوم بقتله لأنه زنديق مجرم.
وبعد أن هدمت دولة الإسلام وأزيل الدين من موضع الحكم أصبحت مسألة تحريف أحكام الحق ظاهرة من أتباع الضلال والشهوات وحكام السوء ممن سموا بعلماء وهم علماء سلاطين وبمن تسموا بمفكرين وهم في حقيقتهم منحرفون لا مفكرين. فزنادقة هذا العصر لم يبقوا حكما فيه مصلحة لأسيادهم وأولياء نعمهم إلا وتلاعبوا فيه وبدلوا مراد الله عز وجل من الحكم ومعناه، حتى الأمور العقدية تطاولت عليها هذه الشراذم! كل ذلك ليشتروا بفعلتهم أموراً دنيوية زائلة. فحرّفوا قول الحق الذي طلب فيه من الناس أن يدخلوا في الإسلام كله ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً﴾ فقالوا هذا معناه جواز إقامة سلام وتطبيع وتنازل مع دولة يهود، وقالوا ظلما وبغيا إن الجنة ليست للمسلمين وحدهم، وقالوا إن الشهادة ليست خاصة بالمسلمين وحدهم، وقالوا الإنسانية مقدمة على الدين، وحرمّوا العمل للتغيير وأوجبوا طاعة حكام اليوم وهم أعداء للإسلام. وقالوا، وقالوا ما تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هداً!
إن تحريف الحق والتلاعب بشرع الله ودينه جريمة من أفظع الجرائم وزندقة تكاد تفوق زندقة العصور القديمة، ولن يقطع دابرها إلا دولة الخلافة القائمة قريبا بإذن الله، والتي ستعامل أولئك المحرفين والمتلاعبين معاملة الزنادقة والمفسدين فتقطع دابرهم وتجعلهم عبرة لمن يعتبر ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً﴾.
بقلم: الأستاذ عطية الجبارين - الأرض المباركة (فلسطين)
رأيك في الموضوع