قال تعالى: ﴿أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُواْ أَهْوَاءَهُم﴾.
الشذوذ في اللغة هو: الخروج عن الدرب المألوف. أو هو غير الطَّبيعيّ، والشاذ من الناس: خلاف السَّويّ (شاذّ الأخلاق). ورد في معجم الصحاح للجوهري: (شَذَّ عنه يَشُذُّ ويَشِذُّ شُذوذاً: انفرد عن الجمهور، فهو شَاذٌّ.. وشُذّاذُ الناس: الذين يكونون في القوم وليسوا من قبائلهم...).
والشذوذ الجنسي، أو في العلاقة الاجتماعية: هو ما خالف المألوف المتعارف عليه بين الناس. وفي مفهوم ديننا الحنيف وأحكامه الهادية: هو ما خالف طريقة الإسلام في إشباع هذه الناحية. وفي الطريقة الصحيحة للعلاقة الاجتماعية التي تجمع الذكر بالأنثى؛ وهي طريقة الزواج الصحيح.
أما في مفاهيم الغرب فالشاذ هو ما خالف مبدأهم الرأسمالي المبني على الحريات الشخصية. فإقامة علاقة بين الذكور، أو بين الإناث لا يسمى عندهم شذوذا؛ لأنه من جنس نظام الحريات الشخصية، والتي هي من ركائز الحياة في النظام الرأسمالي الغربي.
ونريد أن نتحدث في هذا الموضوع عن أربعة أمور مهمة كناحية دعوية، وفي وضع الخطّ المستقيم أمام الخطوط العوجاء:
الأمر الأول: استقامة النظام الرباني المتصل بالوحي، واعوجاج النظام الغربي المبني على الحرية في مسألة الشذوذ.
الأمر الثاني: أثر الشذوذ في حياة الغرب من ناحية الأمراض والجرائم وغير ذلك مما يترتب عليه.
الأمر الثالث: أعمال الغرب لإفساد حياة المسلمين وإبعادهم عن الرجوع للنظام الصحيح وتطبيقه في أرض الواقع.
الأمر الرابع: واجب المسلمين عامة والعلماء خاصة، تجاه هذه الحملة المسعورة التي تستهدف العلاقات والأخلاق في حياة المسلمين.
وقبل الحديث عن هذه الأمور نقول: بأن حملة الغرب المسعورة في بلاد المسلمين، قد ازدادت في الآونة الأخيرة، وتستهدف حرف المسار الإسلامي المتنامي لإعادة الحكم بما أنزل الله، وتطبيق دين الله عز وجل، وهي جزء من حملة كبيرة تسير في خطوط متعددة، منها: تشكيك الناس في فكرهم ودينهم، وحرفهم أخلاقياً، والإيقاع بشبابهم، والاعتداء على مقدساتهم، والإساءة إلى رسولهم ﷺ، ومحاولات تضليلهم بأفكار وآراء دخيلة؛ كالوسطية، أو ديانة إبراهيم عليه السلام، أو تجديد الدين، أو غير ذلك مما يبتكره الغرب في كل يوم، وتجييش جيوش ممن يسمون بالعلماء؛ لحرف المسار عن طريقه القويم، ومجاراة الغرب في طريقة حياته.
لقد وصف الحق تبارك وتعالى ما عليه الكفر من طريقة حياة في كل الأمور، سواء في الناحية الجنسية أو في غيرها فقال: ﴿أَم تَحسَبُ أَنَّ أَكثَرَهُم يَسمَعُونَ أَو يَعقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالأَنعَامِ بَل هُم أَضَلُّ سَبِيلاً﴾، وقال: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ﴾.
ومعنى هذه الآيات الإجمالي المختصر: هو أن الحيوان بطبعه البهيمي الغريزي أرقى من هؤلاء الذين خالفوا درب الله عز وجل. فالحيوان مفطور على طريقة معينة في الناحية الجنسية، أو السلوكية بشكل عام؛ يقترن فيها الذكر بالأنثى من أجل النسل، ولا يقترن الذكر بالذكر، ولا الأنثى بالأنثى، ويقتل الفريسة لغاية إشباع الجوع، أو للدفاع عن نفسه أو جرائه، ولا يقتل لأجل القتل فقط. أما هؤلاء الذين جانبوا المنهج الرباني السامي فإنهم يقترن فيهم الذكر بالذكر، والأنثى بالأنثى، ويقتلون لأجل القتل وينشرون الرعب والخوف بين ربوع الناس!
إن منهج الله عز وجل: هو وحده الهادي المستقيم لأنه من لدن حكيم خبير، يعلم ما يلائم الإنسان وما يصلحه وما يحقق عنده الاستقامة والطمأنينة في الحياة؛ لأنه هو الذي خلقه ويعلم تركيبته الجسمية والنفسية والغرائزية. أما غيره من مناهج فهي من صنع البشر العاجزين الناقصين. فالغرب وضع نظاما لنفسه قائماً على الحريات منذ سنين، وهو يغير ويبدل في هذا النظام منذ نشأته، ولا يستقر له قرار أبدا. والحقيقة أن مسألة الاستقامة في منهج الله لا يتسع المجال لتعدادها وشرحها؛ لأنها في كل أمر من أمور الحياة. قال تعالى: ﴿أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾، وقال: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً﴾.
ولو وقفنا عند هذه المسألة التي نحن بصدد الحديث عنها (الشذوذ): لرأينا أن حياة الغرب بسبب هذه الآفة الشريرة قد امتلأت بالأمراض الفتاكة كالإيدز، وامتلأت بالجريمة التي تقاس بالثانية الواحدة؛ عدا عن الأمراض النفسية، وحالات الانتحار التي تسجل أرقاما قياسية في أرقى عواصم الغرب!
إن الغرب يحاول نقل هذا الفكر الشاذ والفساد إلى حياة المسلمين لإفسادهم، إضافة إلى أعمال أخرى تتعلق باتفاقية سيداو؛ في رفع سن الزواج وإعطاء المرأة مزيدا من الحرية في خروجها على المألوف من حياتها، وفي هدم آخر الحصون في حياة الأسرة (الزواج الصحيح وأحكامه). إن هذه الحملة الشريرة في نشر الشذوذ، وإقامة النوادي والمؤتمرات، مثل ما حصل في مدينة رام الله قبل أيام قليلة، أو إدخال التشريعات لحمايته هو جزء من الحملة العالمية للحرب على الإسلام والمسلمين؛ لإبعادهم عن دينهم الذي هو عصمة أمرهم. قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ﴾، وقال سبحانه: ﴿ودُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً﴾.
إن أمة الإسلام اليوم أمام مفترق طرق خطير، وإن عليها واجباً عظيماً في الوقوف والتصدي لكل هذه الحروب العاتية الشريرة؛ وخاصة أهل الوعي والفهم من الدعاة والعلماء.
إن أهم طرق التصدي لهذه الحملات المسعورة هو وضع الخط المستقيم بجانب الخطوط العوجاء في تعرية النظام الغربي، وطريقة نشوئه، وفي طريقة بناء الأفكار عليه دون ارتباطها بالأساس الصحيح، وإبراز طبيعة حياة الغرب خاصة الأمراض الفتاكة المرتبطة بهذه الآفات والجرائم وعدم الاستقرار وعدم الطمأنينة.
أما العلماء فإن عليهم واجباً عظيماً لأنهم هم ورثة الأنبياء في وضع الخط المستقيم بجانب الخطوط العوجاء. وهم أهل الخشية والمعرفة، وهم الغيورون على دينهم وأمتهم. قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾، وقال عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ الْعُلَمَاءَ هُمْ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَاراً وَلَا دِرْهَماً، وَإِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَ بِهِ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ» رواه الإمام الترمذي في السنن وصححه. إن عليهم أن يكونوا في صف أمتهم ودينهم، لا في صف الحرب عليهم.
نسأله تعالى أن يسلّم أمة الإسلام من كل الشرور التي تستهدفها، وأن يمكن لها في الأرض لتنشر الهداية والرشاد والاستقامة في كل ربوع الأرض، وتطمس كل ألوان الظلام والضلال والاعوجاج... اللهم آمين
رأيك في الموضوع