لم يعد خافياً على أحد من الناس ما يعيشه المسلمون اليوم، من ذلة ومهانة وضياع للكرامة، وما يحيط بهم من ظروف في غاية الصعوبة، وأحوال مريرة، تتمثل في كيد الأعداء، وتسلطهم على بلادهم عن طريق حكام عملاء مأجورين، وما طرأ على كثير من المسلمين لبعدهم عن أحكام الإسلام، وإقصاء لشريعة الله سبحانه وتعالى، ورفض الحكم بها والتحاكم إليها.
إن المسلمين اليوم يمرون بفترة من أحلك فترات تاريخهم، وذلك أنهم انحدروا من القوة إلى الضعف، ومن القيادة والريادة إلى التبعية والهوان. وإن المتأمل في حال المسلمين اليوم يلحظ مظاهر الضعف والبعد عن تطبيق أحكام الإسلام في مجموعهم، في كل جانب من جوانب الحياة المختلفة واضحاً جلياً.
فلا يكاد يوجد مكان فيه مسلمون إلا وترى القتل والذبح والاضطهاد، دون أن تكون لهم القدرة على رد الظلم والعدوان! فعند رؤيتك لحال أمتنا اليوم تصاب بحالة من اليأس والإحباط شديدين، فالشام تنزف منذ سنين واستحر فيها القتل على يد عدو الله الطاغية بشار، بمعاونة رأسي الكفر أمريكا وروسيا اللعينتين. وأرض الكنانة التي يسيطر عليها العسكر ينهبون فيها كيفما يشاؤون، ويلصقون التهم، ويعدمون الأبرياء دون جريرة. وتونس الخضراء تعيش مرحلة صعبة من الاضطرابات والقلاقل بعد عودة فلول النظام السابق إلى الحكم من جديد. واليمن السعيد يعيش أهله حربا تستنزف كل موارده وطاقاته، ويعاني أهله نقصاً في كل شيء، وقتلاً وتهجيراً جراء الاقتتال الدائر هناك. وليبيا أصبحت منقسمة على نفسها، والحرب تنهشها. وفي السودان تشتعل الحروب القبلية في شرقها وغربها، وتفلتات أمنية فاقت حد التصور، وفي ميانمار وتركستان الشرقية وأفغانستان وكشمير يذبح المسلمون... وكل بلاد المسلمين تئن وهي مثخنة بالجراح وتمر بأسوأ الأحوال وأصبحت دماء المسلمين رخيصة مستباحة، وبالتالي ضاعت هيبتهم وصاروا كالأيتام على مأدبة اللئام.
كان المسلم يخرج من بلده فاتحاً، حاملاً الخير للناس وبين يديه دعوة الإسلام ليدخل فيه الناس أفواجاً. والآن أصبح يغادر ميمما شطر أوروبا هاربا من جحيم الحياة الذي صنعه هؤلاء الحكام الرويبضات، وربما تلاطمته الأمواج فيلقى حتفه. كل هذا نتاج ومحصلة طبيعية لتفريط المسلمين في تطبيق أحكام دينهم، فأصـابهم الصغار، والذلة، والوهن، وقد بدأت هذه الأحوال المأساوية يوم هدم دولتهم الخلافة جنتهم وحارسة دينهم. لقد كانت هيبة المسلمين في ظل دولة الخلافة عظيمة، وملازمة لهذه الدولة المبدئية كظلها لا تفارقها أبدا، فهي مسؤولة عن كل مسلم فلا يهدأ لها بال إلا بعد أن ترد لكل ذي حق حقه؛ تنصر المظلومين وتكون عونا للضعفاء أينما كانوا، وها هو قائد الأمة محمد ﷺ يجلي يهود بني قينقاع من المدينة لأنهم كشفوا سوأة امرأة مسلمة، وكان فتح مكة لمجرد أن نقضت قريش اتفاقية صلح الحديبية. وها هو المعتصم يسير جيشا عرمرما لنصرة امرأة أهانها الروم.
كيف لا يكون المسلم عزيزاً ذا هيبة ودولته هي الدولة الأولى في العالم يهابها أعداؤها بل ترتعد فرائصهم لمجرد سماعهم سيرة دولة الخلافة، والنماذج على هيبة دولة الخلافة وعزتها عصية على الحصر؛ ففي عهد السلطان سليمان القانوني كانت هولندا تتعرض للاعتداء من إسبانيا، وقد أرسلت هولندا تطلب الدعم من السلطان سليمان القانوني وترجوه أن يساعدهم في حربهم مع الإسبان، فما كان منه إلا أن أرسل معهم "أربعين بدلة عسكرية" فقط من زي الجيش الانكشاري، وقال لهم: إلبسوا هذه الملابس في ساحة القتال، فتوقفت الاعتداءات من الإسبان فوراً لأنهم ظنوا أن الجنود العثمانيين يحاربون مع هولندا! ويُذكر في كتب التاريخ أن إسبانيا بعد هذه الحادثة لم تقرب من الحدود الهولندية لمدة 30 عاما. وتستغيث فرنسا بخليفة المسلمين ليفك أسر ملكها فيفعل الخليفة. فبالله عليكم هل بعد هذه الهيبة والعزة من هيبة أو عز؟!
هكذا كنا عندما حكّمنا إسلامنا في ظل دولته الخلافة، ولن تعود لنا هيبة إلا بعودتها خلافة راشدة على منهاج النبوة، تعز المسلمين وتذل الكافرين أعداء الدين. فلا هيبة ولا عزة للمسلم إلا تحت ظل دولته الخلافة. نسأل الله أن نكون لها من العاملين المخلصين، وأن يجعلنا من جنودها وشهودها.
بقلم: الأستاذ عبد الخالق عبدون علي
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع