أعلنت محكمة العدل الدولية، الخميس 23 كانون الثاني/يناير 2020م، أنّ لديها الاختصاص للبتّ في قضية رفعتها غامبيا ضد بورما، بتهمة ارتكاب "الإبادة" بحق الروهينجا المسلمين، وأمرت المحكمة باتخاذ كلّ الإجراءات لمنع إبادة محتملة بحق الروهينجا، ووافقت على عدد من التدابير العاجلة، طلبتها بشكل رئيسي من دولة غامبيا، بموجب ميثاق الأمم المتحدة للحماية من الإبادة المبرم عام 1948م (فرانس برس).
يقيم المسلمون الروهينجا في إقليم أراكان الذي رغم كونه أرضا موروثة للمسلمين من أجدادهم، حيث حكمها المسلمون لثلاثة قرون ونصف، إلا أن المسلمين اليوم لا يعيشون فيها إلا حياة الذل والهوان، وقد قامت الحكومة بخطة خبيثة مدروسة، ومؤامرات مدبرة، لإثبات أن المسلمين ليسوا سكاناً أصليين في هذه المنطقة، وأنهم أجانب دخلاء، وفي الوقت نفسه تقوم بحملات الإبادة والتهجير، ومن جانب آخر تدفعهم لقمة سائغة إلى منظمات التنصير الدولية، التي تعمل تحت ستار الأعمال الخيرية لإخراجهم من دين الله.
ولا يزال النظام البورمي يحرم الروهينجا حقهم في نيل الجنسية، فحرموا بذلك من الرعاية الصحية، والتعليم، وحرية التنقل في البلاد وحرم الرجال من العمل، هذا بجانب تعرضهم إلى سياسة تحديد النسل القسرية، وعلى الرغم من كل هذا، فإن الأمم المتحدة، والدول الغربية، التي تدعي حقوق الإنسان بوسائل إعلامها المتعددة، لم تقدم شيئا يذكر، ما يثبت أن هذه الشعارات الديمقراطية فارغة، لا يرجى منها خير، وقد كانت هناك تقارير سبقت إعلان المحكمة الدولية، ما جنى منها الروهينجا غير ما وجده إخوانهم في الشيشان، وكوسوفو، وأفغانستان، والعراق، والشام، وأفريقيا الوسطى، لذلك مثل هذه التقارير نسمع منها جعجعة ولا نرى طحنا! فالمحكمة الجنائية الدولية قبل ذلك فتحت تحقيقا في جرائم ضد الروهينجا، منها الإبادة الجماعية، تمهيداً لفتح تحقيق شامل في الأزمة المتهم فيها حكومة ميانمار فأين وصل هذا التحقيق وماذا حقق؟! كما زار وفد من مجلس الأمن الدولي ميانمار وولاية أراكان في أوائل أيار/مايو 2018م، والتقى باللاجئين الذين سردوا روايات مفصلة عن أعمال القتل، والاغتصاب، والقرى التي أحرقها جيش ميانمار، وزار قبلهم أوباما لكنه لم يقدم شيئاً.
وأيضاً قدم محققو الأمم المتحدة تقريراً من 444 صفحة يعرض بالتفصيل الانتهاكات التي ارتكبتها ميانمار ضد السكان المسلمين، وبشكل مباشر قوبل ذلك بالرفض التام من ميانمار، وكذلك رفض كل تقرير للأمم المتحدة دعا فيه إلى التحقيق مع شخصيات عسكرية بتهم تتعلق بالإبادة الجماعية، فماذا فعلت الأمم المتحدة؟ مع أن رئيس بعثة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة بشأن ميانمار أكد أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة "مستوى وحشية لا يصدق، فالجيش تجاهل تماما حياة المدنيين"، ولم نر غير الكلمات التي تطلق في الهواء! وقد وصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش وضع مسلمي الروهينجا المضطهدين بأنه "كابوس إنساني وحقوقي" وقد تجول في المخيمات المكتظة بالذين فروا من عملية ضخمة قام بها الجيش في ميانمار وشبهتها الأمم المتحدة بالتطهير العرقي، وقال غوتيريش إنه "سمع روايات عن أعمال وحشية لا يمكن تصورها" ليسجل نفسه ضمن شهود الزور الذين زاروا الروهينجا، مع عدم القيام بأي عمل محسوس لرفع معاناتهم، غير الفتات من المعونات التي لا تمس المشكلة من الجذور، حتى بعد الاعتراف الصريح في التقرير الذي قدمته لجنة التحقيق، التابعة للحكومة، بأنّ عناصر من قوات الأمن استخدموا ضدّ أفراد من الروهينجا القوة المفرطة، وارتكبوا بحقّهم جرائم حرب وانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، بما في ذلك "قتل قرويين أبرياء وتدمير منازلهم"، ومع ذلك لم تنشر حتى قوات أممية لحفظ السلام كما حدث في مناطق أخرى في العالم.
إن الحلول المقدمة لمعالجة واقع مشكلة الروهينجا، تعتمد على المنظمات المسماة إنسانية، وهي منظمات لا تحل مشكلة لمظلوم فضلا عن كونه مسلما، لذلك لا بد من حل لهذه المشكلة، ينبع من عقيدة الروهينجا المسلمين، والحل هو كما يلي:
أولاً: على المسلمين أن يعلموا أنهم مكلفون بنصرة إخوتهم الروهينجا، الذين هم من أمة المليار ونصف ويزيد، أمة لا تفصلها حدود أو مسافات، ولنستحضر فتح عمورية، وغزو الهند، وجيوش ابن أبي عامر التي وصلت أقصى جنوب فرنسا لنصرة المسلمات، فما بال الأمة تتقاعس اليوم عن فرض نصرة إخوانهم الروهينجا؟! والنبي e يقول: «الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ وَيُرَدُّ عَلَى أَقْصَاهُمْ»، فحرمة الدم تشمل كل مسلم أينما كان.
ثانياً: معاناة الروهينجا لا تنهيها منظمات الدول الاستعمارية، بل تستوجب بذل الوسع، وتسخير الطاقات لإقامة دولة مبدئية تنصرهم بجيوشها، استجابة لقوله تعالى: ﴿وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ﴾. فإن الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، هي الحل الجذري لما يواجهه الروهينجا، ففي إقامتها نصرة لهم، ومرضاة لله سبحانه وتعالى، الذي نستمد منه وحده النصر، والعزة، والقوة، لا من نظام عالمي بمنظمات عاجزة، إن لم نقل متضامنة مع العدو ضد المسلمين، وإلا فأين حلولهم التي لا تراوح مكانها؟
ولن يتحقق الانتصار لمسلمي الروهينجا، وغيرهم من المسلمين، إلا بالعمل الجاد المجد، مع حزب التحرير، من أجل إقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، التي ستوحد المسلمين في دولة واحدة بجيش عرمرم لا يخشى إلا الله، ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾.
رأيك في الموضوع