في الدول العربية يزداد الاستشهاد والإعجاب بتطبيق الغرب لما يسمى حقوق الإنسان ومن ضمنها حقوق المرأة المكفولة لديهم بجميع مستوياتها، مما أثار إعجاب بعض المسلمين الذين يحاولون السعي للوصول لما وصل الغرب إليه من تلك النواحي الحقوقية بنفس القيم والمقاييس، فهل فعلا المرأة في الغرب تعيش حياة نموذجية؟ وهل هذه الحقوق الممنوحة للمرأة وصلت بها في الغرب لأعلى درجات الإنسانية التي كفلت لها الأمن والأمان والحياة الكريمة؟ وهل أعطت الحقوق المزعومة المرأة الاحترام والتقدير؟
في بحث مبسط على محرك البحث غوغل عن حقوق المرأة بشكل عام في الغرب والذي تتشدق به تلك الدول وتكتسب به ما تزعم أنه درجة أخلاقية تؤهلها وتفرض عليها تدخلها في شؤون المسلمين على الخصوص لتفرض عليهم تبني هذه الحقوق المزعومة للمرأة، لكن الذي يتجول في محرك البحث غوغل ليصدم بهذا العدد المهول من الأحداث المؤلمة ضد المرأة في بلادهم! بل يصل الأمر عندهم لوجود عنصرية جاهلية تفوق الوصف ضد المرأة! بل تحدثك الأخبار والدراسات الرسمية لدول الغرب عن إهانات مفزعة للمرأة وبشتى الوسائل والطرق الدنيئة التي سلبت حريتها وجعلتها جسدا بلا قيمة... ولنأخذ آخر الأخبار مثالا: فقد كشفت دراسة بريطانية أن نسبة عالية "بشكل مثير للقلق" من الشابات والفتيات يشعرن بعدم الأمان في الشوارع، وأجرت البحث السنوي جمعية "غيرلغايدينغ" البريطانية التي استطلعت آراء نحو 2000 فتاة في بريطانيا تراوحت أعمارهن بين 11- 21 سنة، وتوصلت إلى أن نحو ثلثي الفتيات المشاركات في البحث، يشعرن بعدم الأمان أو يعرفن فتاة تخاف المشي وحيدة إلى المنزل، وقالت أكثر من نصف الشابات إنهن عانين من التحرش أو يعرفن فتاة تعرضت للتحرش. (بي بي سي).
هذه هي المرأة وحقوقها عند الحضارة الغربية التي صدَّعَنا بها الغرب وهذه الإحصائيات، وهي غيض من فيض وفي اطراد مستمر، تؤكد أن السلوك الشائن تجاه المرأة هو نهج حضارة وليس سلوكاً شاذا لبعض أفراده كما يدعي المدافعون عن الغرب وقيمه من بني جلدتنا، ولذلك كان أمرا طبيعيا أن تخاف الفتيات والنساء الغربيات السير في الشارع العام بمفردهن بسبب مفاهيم الحريات التي أدت إلى أن يحل مكان القيم الرفيعة من الشرف والطهر والتعاون بين المرأة والرجل في الحياة إلى قيم الحريات ومنها الحرية الشخصية، هذه القيم المنحرفة التي أوجدت عدم الاستقرار في المجتمع، حيث أثّرت سلبا على الرجال والنساء والأطفال، وفي تدمير الشكل الصحيح للأسرة، من الأم والأب والأطفال والعلاقات الأسرية!!!
إن الرجال والنساء يتشابهون في طبيعتهم البشرية، وفي الوقت نفسه لكل منهم صفات تميزهم عن بعضهم بعضا، لذلك كان لزاما أن تكون هناك أحكام وقوانين تنظّم العلاقة بين الرجل والمرأة، وكان لزاما أن تأخذ هذه القوانين في الحسبان طبيعة كل منهما واختلافاتهما، إلا أنّ الرأسمالية لم تعترف بهذا الواقع الواضح وضوح الشمس ولم تعره اهتماما، وبالتالي لم تشرّع قوانين وفقا لذلك بل أصبحت النظرة للعلاقة بين المرأة والرجل هي نظرة الذكورة والأنوثة، أي الصلة الجنسية، وبمنح المرأة الحرية التامة أصبحت تمثل مجرد واقع مادي مثير للغرائز بجانب أن الحياة الغربية تكثر فيها الأفكار الجنسية في القصص، والشعر، والمؤلفات، وغير ذلك. ويكثر فيها الاختلاط بين الرجل والمرأة لغير حاجة في البيوت، والمتنـزهات، والطرقات، وفي السباحة، وما شاكل ذلك. لأنهم يعتبرون هذا أمراً ضرورياً ويتعمدون إيجاده، وهو جزء من تنظيم حياتهم، وجزء من طراز عيشهم، هذا الواقع غير الآمن للمرأة جعلها عرضة للتحرش والجرائم وحط من قدرها، وها هي الدراسات الرسمية تتخوف وتشعر بالقلق، فأين المنادون بحقوق المرأة على الطراز الغربي؟!
إن الإسلام، قد عامل المرأة بصفتها إنساناً، ونظرته للعلاقة بين الرجل والمرأة هي نظرة إنسانية لحفظ النوع، وقد حصر الإسلام صلة الجنس، أي صلة الذكورة والأنوثة بين الرجل والمرأة بالزواج، وملك اليمين. وجعل كل صلة تخرج عن ذلك جريمة تستوجب أقسى أنواع العقوبات. ثم أباح باقي الصلات التي هي من مظاهر غريزة النوع، كالأبوة والأمومة والبنوة والأخوة والعمومة والخؤولة، وجعله رحماً محرماً. وأباح للمرأة ما أباحه للرجل من مزاولة الأعمال التجارية والزراعية، والصناعية وغيرها، ومن حضور دروس العلم، والصلوات وحمل الدعوة، وغير ذلك، وجعل الإسلام المرأة عرضاً يجب أن يصان، وفي سبيل ذلك تسترخص الدماء والأرواح ومن مات دفاعاً عن عرضه فهو شهيد، بل إن جحافل المسلمين تتحرك لإهانة امرأة واحدة ولو كانت في أقاصي الدنيا كما فعل المعتصم، ولأجل الاعتداء عليها أجلى الرسول الأكرم e بني قينقاع عن المدينة، ولقد كانت الخلافة بتطبيقها للإسلام على مدى العصور المنصرمة نموذجاً لحقوق المرأة التي جعلتها نموذجا يحتذى...
هذه هي المرأة في الإسلام، وتلكم هي المرأة في الحضارة الغربية سلعة للإشباع وماكينة لدر الربح مجردة من إنسانيتها وفطرتها السوية. نظرة ترتقي بها وتستنقذها من أي محاولة للمساس بها بعقوبات رادعة، وأخرى تهوي بها إلى الحضيض وتقدمها سلعة رخيصة لأصحاب الشهوات باسم الحريات، فهل تستويان مثلا؟!
إن المرأة اليوم في بلاد المسلمين، مطالبة بأن تنزع يدها من دعاوى تحرر المرأة من إسلامها إلى جحيم الرأسمالية المتوحشة، وأن تدرك أن الغرب الرأسمالي المستعمر لا يريد من حريتها تلك، إلا إفسادها وأنه يرمي من وراء ذلك إلى إفساد المجتمعات ليسهل عليه تنفيذ أجندته الاستعمارية!!
فلتحذر المرأة المسلمة من أن تنجر وراء دعوات حقوق المرأة على الأساس الغريى الرأسمالي الذي ضاقت بأفكاره المرأة في الغرب، ولتعرف حقوقها وواجباتها الشرعية، ولتأخذ دورها الريادي جنباً إلى جنب مع الرجل، في سعيها لنهضة الأمة وتحقيق مشروعها الحضاري بإقامة دولة الإسلام؛ الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، فتعيد رسم صورة أمِّنا خديجة والخنساء وأم عمارة وأم سلمة... وغيرهن ممن سطر التاريخ أسماءهن بمداد من نور، رضي الله عنهن وأرضاهن.
حقوق المرأة في الإسلام مصدر للأمن والطمأنينة
بقلم: الأستاذة غادة عبد الجبار (أم أواب)
رأيك في الموضوع