تشتهر مملكة آل سعود منذ نشأتها بصفة إجرامية قبيحة تتفوق بها على الكثير من نظيراتها من الدول القمعية البوليسية في العالم، ألا وهي صفة اعتقال المعارضين السياسيين لها، والبطش بهم، والزجّ بهم في غياهب السجون، ثمّ التنكيل بهم، وتعذيبهم بشتى صنوف التعذيب يصل بعضها إلى درجة القتل المتعمد.
وقد سار محمد بن سلمان ولي عهد والده على خُطا أسلافه من حكام آل سعود منذ تأسيس مملكتهم على يد الإنجليز في عشرينات القرن العشرين، بل وتفوق عليهم في المُبالغة بحجم الاعتقالات ونوعيتها، بحيث شملت بالإضافة إلىمئات العلماء والدعاة والمفكرين والأكاديميين الإسلاميين، شملت العلمانيين ممّن ينتقدون النظام، ومنهم نساء كهتون الفاسي ومياء الزهرانيولُجين الهذلول وهنّ من المُدافعاتعن (حقوق المرأة)، وزاد ابن سلمان على من سبقوه في مُستوى القمع والتعسف والقسوة والتضييق على العلماء اعتقال جميع الذين يُخالفونه في الرأي ولو في أتفه المسائل.
وتعتقل السلطات السعوديّة هؤلاء المُعارضين بتهم شتّى، أبرزها الخروج على من يُسمّى بوليّ الأمر، من دون محاكمة، وتُماطل في الإجراءات القانونية، ويُزج بالكثير منهم في السجون لمجرد الشبهة،وتشير تقارير منظمة العفو الدولية (أمنستي) إلى: "أن آلافا يقبعون في سجون المملكة دون تحديد العدد، مؤكدة أنهم معتقلون في ظروف تكتنفها السرية شبه التامة، وأنهم عادة ما يحتجزون بدون تهمة أو محاكمة لعدة شهور، أو سنوات، ويبقون رهن التحقيق والاستجواب، دون أن يكون أمامهم أي سبيل للطعن في قانونية احتجازهم".وتقول التقارير: "إن معظم المعتقلين يحتجزون دون السماح لهم بالاتصال بالمحامين، ولا يُسمح لبعضهم بمقابلة أهلهم أو الاتصال بهم طيلة شهور أو سنوات".
ويُحتجز هؤلاء المعتقلون ويُعذبون من دون أمر قضائي، وهو ما يُشبه عملية الاختطاف، ويُقدّر عدد الموقوفين اعتباطاً في سجون مباحث أمن الدولة 5408 شخصاً. ومُعظمهم هم من التيار الإسلامي الدعوي، بينما يُسمح لأصحاب الفكر الغربي الليبرالي والعلماني المُعادي للإسلام بالتعبير عن آرائهم بكل حرية، حتى وإن كانت مُنحرفة أو شاذة، بشرط عدم المسّ بنظام الحكم، فيما يقبع مئات الدعاة والعلماء في زنازين القمع، وذنبهم الوحيد أنهم عبّروا عن قناعاتهم بما لم يَرُقْ لهوى حكام آل سعود.
ويوجد من المُعتقلين بعض المُتخصصين كالخبير الاقتصادي والمستشار السابق لشركة (أرامكو) النفطية الحكومية برجس البرجس، وذلك على خلفية انتقاداته المتكررة للسياسة الاقتصادية للحكومة، وتبنيها نموذجا اقتصاديا يستهدف رفع الضرائب وخفض الدعم عن الناس، ومثله عصام الزامل، كما اعتقل أيضاً علي الزعل أحد شيوخ قبيلة شمر لمجرد نشره تغريدات انتقد فيها الأسرة الحاكمة.
ومن أبرز وأقدم المُعتقلين في السجون السعودية:
1- الشيخ سعود القحطاني: مكث 25 عاماً في سجن الطرفية بمحافظة بريدة منذ عام 1991 بعد اعتقاله في المدينة المنورة على خلفية توزيع منشورات ضد الحكومة السعودية، وقضى العشر سنوات الأولى من اعتقاله دون توجيه أي تهمة له، ولم يسمح له بتوكيل محامٍ، قبل أن يحكم عليه بالسجن مدة 18 عاما، أي أن محكوميته انتهت قبل 6 أعوام، لكن إدارة السجن قامت بتمديد توقيفه 7 سنوات إضافية لأنّه رفض تغيير آرائه.
2- الشيخ وليد السناني: ويمكث في سجن الحاير السياسي بالرياض منذ عام 1994، والسبب الرئيسي لاعتقاله هو اعتراضه على الاحتلال الأمريكي للعراق هو ومجموعة من العلماء على خلفية مشاركة الجيش السعودي في الحرب مع الأمريكان، وتصدر الشيخ السناني المشهد حينها بثلاث فتاوي جريئة، أفتى فيها بحرمة المشاركة في حرب العراق، وبحرمة تأدية التحية العسكرية للضباط، وباعتبار السعودية دولة غير شرعية.
3- الشيخ خالد الراشد: وسبب اعتقاله مُطالبته بإغلاق سفارة الدنمارك احتجاجا على الرسوم المسيئة للنبي محمد e، ولُفقت له تُهم باطلة كجمع الأموال وتمويل (الإرهاب)، وتمّت محاكمته سنة 2005 وحُكم عليه بالسجن لمدة 15 سنة.
4- الشيخ علي الخضير: وهو مُعتقل منذ عام 2004 وسبب اعتقاله تأليفه لكتب اعتمدتها التنظيمات الجهادية، وقال مقرّبون منه إنّه تعرّض لتعذيب جسدي ونفسي شنيع كالضرب بالعصا، والصدمات الكهربائية، والتعذيب بالحرارة والنار، والتعذيب بالماء، ونتف شعر الوجه واللحية وتقليع أظافر الأصابع وغيرها من الأساليب القذرة.
5- الشيخ سليمان العلوان: وسبب اعتقاله تبنيه لآراء جهادية، وظل في السجن الانفرادي تسع سنوات، وحُرم من رؤية زوجته ست سنوات، وأفرج عنه في سنة 2012، وأعيد إلى السجن في العام التالي 2013 وحكم 15 عاماً أخرى.
وأمّا الموجة الأخيرة من الاعتقالات فشملت سلمان العودة بسبب تغريدة كتب فيها: "ربنا لك الحمد لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم ألف بين قلوبهم لما فيه خير شعوبهم"، فُهم منها دعوته للمُصالحة بين السعودية وقطر.
وشملت أيضاً عوض القرني وعلي العمري وعبد العزيز الطريفي وسفر الحوالي، والخبير الاقتصادي عصام الزامل، والباحث الإسلامي عبد الله المالكي، وعلي عمر بادحدح رئيس لجنة تطوير المناهج بجامعة الملك عبد العزيز، وأحمد بن عبد الرحمن الصويان رئيس مجلس إدارة مجلة (البيان) ورئيس رابطة الصحافة الإسلامية، والإمام إدريس أبكر الذي يعد من أشهر قرّاء السعودية، وأخيراً تمّ اعتقال إمام الحرم المكي الشيخ الدكتور صالح آل طالب بسبب خطبة له عن المنكرات ووجوب إنكارها على فاعلها.
وأمّا محمد العريفي وعائض القرني وبالرغم من موالاتهما للنظام فقد مُنعا من الخطابة في المساجد ومن الأنشطة الدعوية، ووُضعا على رأس قائمة جديدة ممنوعة من السفر.
رأيك في الموضوع