أوردت وكالات إخبارية مؤخراً خبراً يقول: "غضبٌ كبير في مصر بعد وفاة طالبة مصرية في بريطانيا إثر اعتداء وحشي من قبل 10 فتيات، ونقل الموقع الإلكتروني للتلفزيون الرسمي بمصر، عن وزارة الهجرة، تأكيدها وفاة الطالبة مريم، مساء الأربعاء 14/3/2018، بمستشفى في لندن، متأثرة بجراحها جراء الاعتداء والسحل على يد فتيات في مدينة نوتنغهام. وفي أول تعليقها على وفاة عبد السلام، قالت الخارجية المصرية، على لسان خالد رزق، مساعد وزير الخارجية للشؤون القنصلية، إنها تتابع عن طريق السفارة المصرية في لندن تداعيات وفاة الطالبة المصرية مريم في بريطانيا".
لا يمرّ يومٌ على المسلمين إلا ويسمعون أو يشاهدون من المآسي ما تنفطر من هوله القلوب، فقد رماهم عدوّهم عن قوسٍ واحدة، واجتمع عليهم أراذل الأرض يسومونهم سوء العذاب والقتل والدمار والتشريد!!
ليست هذه هي الجريمة الأولى، ولا الجريمة الأبشع من نوعها التي يتم ارتكابها ضد المسلمين في بلاد الغرب عامّة، فقد سبقتها جرائم وحشية متكررة دون محاسبة في الأغلب الأعم. فقد قُتل مسلمون وأحرقت مساجد وتمّ تهديد مسلمين بأرواحهم وأرزاقهم وشعائر دينهم ليس لشيء إلا لأنهم مسلمون. ومخطئ من يظن أن هكذا جرائم هي جرائم فردية، إذ إنّ المنظومة الفكرية والثقافية التي تُبنى عليها المجتمعات في الغرب عموماً هي منظومة لا تقوم على دين ولا أخلاق، بل على الهمجية والنفعية البحتة، وعلى البهيمية التي تُجرّد الإنسان من إنسانيته وأخلاقه، إذ لا اعتبار عندهم إلا لمصالح الفرد وجلبها بأيّة طريقة كانت، منظومةٌ تقوم على أساسها الدولة كما المجتمع والأفراد.
وهكذا منظومة متأصلة في العمق الثقافي والحضاري الغربي كانت سبباً في إبادة شعوب وليس قتل أفراد هنا أو هناك.
فنحن لا ننسى التاريخ الأوروبي وهمجيته في بلادهم ثمّ في أمريكا وجرائمهم البشعة بحق الهنود سكانها الأصليين، كما لا ينسى التاريخ بشاعتهم بحق أفريقيا وأهلها واستعبادهم لهم...
فهذه شهادة مونتيسكيو الفرنسي صاحب كتاب "روح القوانين" فقد كتب يقول: "إذا كان عليّ أن أدافع عن حقنا المكتسب، في اتخاذ الزنوج ذوي البشرة السوداء عبيداً، فإنني أقول: إن شعوب أوروبا وقد أفنت سكان أمريكا الأصليين، لم يكن أمامها إلا أن تستعبد شعوب أفريقيا، لكي نستخدمها في استصلاح أرجاء أمريكا الشاسعة، وما شعوب أفريقيا إلا جماعات سوداء البشرة، من أخمص القدم إلى قمة الرأس، ذات أنوف فطساء إلى درجة يكاد يكون من المستحيل أن ترثي لها، وحاشا لله ذي الحكمة البالغة أن يكون قد أودع روحاً أو على الأخص روحاً طيبة في جسد مالك السواد...".
هذه الشهادة لا تخزي وتفضح صاحبها فحسب، بل تفضح الحضارة الغربية وأبناءها الأحياء والأموات. فرجلٌ قانونيٌّ يبرر إبادة الهنود الحمر ويتقبلها، ثم يرى من المناسب جداً استعباد السود، من أجل استصلاح الأراضي الأمريكية، كي ينعم (السيد) لمجرد أن بشرته بيضاء!! فهذا من أشنع ما يمكن أن يهوي إليه بَشَرٌ في دركات الانحطاط!!
أمّا واقع الأنظمة في بلاد المسلمين فهو شاهدٌ حيّ على خذلانهم لدين ربّهم وللمسلمين، فليس أهون عند تلك الأنظمة من دماء وأعراض المسلمين عموماً، وتراها لا تحرّك ساكناً لنصرة مسلم تُنتهك كرامته ويهدر دمه، بحيث أصبح المسلمون سلباً لكل ناهب، ومشاعاً يعتدي عليهم أراذل الخلق دون رقيب ولا حسيب، إن المجرمين لا يقيمون وزناً لهكذا أنظمة خانعة ذليلة!!
ومؤخراً، في البلاد التي كرّست الشيوعية والاضطهاد، ومارست على المسلمين أشدّ أنواع القهر لعقود طويلة من الزمان، فحرمتهم من دينهم وشعائره ومارست عليهم أشد أنواع الظلم العقديّ إبعاداً لهم عن كل ما له علاقة بالإسلام.
إنّ الحقد الروسيّ ضد الإسلام والمسلمين أصيل، ولا ننسى حروبهم التي امتدت لقرون مع مسلمي الشيشان، وصولا إلى يومنا هذا الذي لا تزال فيه روسيا الاتحادية تعتقل وتسجن وتقتل الناس هناك بشبهة انتمائهم لأي عملٍ سياسيّ يهدف إلى نهضة المسلمين، وكذا ممارساتهم تجاه حزب التحرير وأعضائه التي تتزايد عنفاً وقسوة يوماً بعد يوم، حيث صدر عن المحكمة العليا لروسيا الاتحادية عام 2003م. قرارٌ يضع حزب التحرير على قائمة المنظمات الإرهابية، ذاك القانون الذي فصّلوه وصمّموه ليناسب سياساتهم القمعية، فاعتقلوا العشرات وأصدروا بحقهم أحكاماً بالسجن لسنين طويلة، وليس آخر تلك الاعتقالات ما قامت به أجهزتهم من اعتقالٍ لزوجة أحد أعضاء حزب التحرير وهو عيسى رحيموف المحكوم 12 عاماً واسمها جنات بيسبالوفا التي أسلمت وانضمت للعمل للإسلام مع حزب التحرير، حيث وضعوها مع القتلة والمجرمين في سجونهم بتاريخ 24/11/2017، ثم قرروا في الثاني من كانون الثاني/يناير 2018م تمديد اعتقالها حتى 16/3/2018م.
هذه الأخت ومثيلاتها، وكلّ المظلومين في بلاد المسلمين وبلاد الغرب خذلتهم الأنظمة الجاثمة على صدورنا، بل هي تعمل يداً بيد مع الكافر لمحاولة طمس كلّ ما له علاقة بالإسلام وبنهضة المسلمين، وكذا خذلتهم الجيوش الجرارة في بلاد المسلمين، التي بدل أن تكون الحامي للبلاد وللعباد خضعت للأنظمة وباتت سلاحه وسوطه الذي يقتل ويجلد به عباد الله!!
إنّ ما يتحمّله حَمَلةُ الدعوة من معاناةٍ بشتّى أشكالها لأمرٌ عظيمٌ، غيرَ أنّهم يحتسبون كلّ ذلك عند الله سبحانه وتعالى، فهذه رسالة الأنبياء، يحملونها نزولاً عند أمر الله للوصول إلى غاية عظيمة وهي إقامة دين الله في أرضه كما أمر وكما يرضي سبحانه وتعالى.
ومروراً بشمال أفريقيا، وصولا إلى تونس الخضراء، بلد الزيتونة وعبق التاريخ والعلماء، تلك البلاد التي بات الفرنسيّ والغربيّ عموماً فيها محلّ ترحيب، بل إنه يعامل كأنه صاحب الأرض والآمر الناهي فيها، في تلك البلاد تُروّع الحرائر ويتم اعتقال فتيات في مقتبل العمر ليس لشيء إلا لأنهنّ يفتخرن براية حبيبهن رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه، فقد باتت تهمة يُحاسب عليها قانون الأقزام، يحاسبون من يدعوهم إلى الكرامة والانعتاق من تبعية الكافر والالتحاق بركب العزّة التي لا تكون إلا بدين الله!!
غير أنّ ما يواسينا هو الأجرُ العظيم عند الله سبحانه وتعالى الذي وعد به عباده المؤمنين في الآخرة، وبالاستخلاف والتمكين والأمن في الدنيا في ظل دولة واحدة وإمام واحد يجمع شمل المسلمين بعد تفرّق وتشرذم، ويقيم شرع الله سبحانه وتعالى فيحمي عباد الله ويصونهم ويرفع عنهم ظلم الأنظمة وظلم العالم كلّه وما ذلك على الله بعزيز.
﴿يُرِيدُونَ أَن يُطفِئواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفوَٰهِهِم وَيَأبَى ٱللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُۥ وَلَو كَرِهَ ٱلكَٰفِرُونَ﴾
رأيك في الموضوع