لقد بعث الله عز وجل الرسل والأنبياء برسالة التوحيد، وليقيموا العدل في الأرض، فآمن بهم من آمن وكفر من كفر، ولكن أغلب هؤلاء المؤمنين انحرفوا عن جادة الصواب بعد موت أنبيائهم فحرَّفوا رسالة الله. فأشرك العرب بعد موت إبراهيم وعبدوا الأصنام، وعبد النصارى عيسى بعد أن رفعه الله، أما بنو إسرائيل فاتخذوا العجل إلهاً لمجرد غياب موسى عليه السلام لمدة أربعين يوما فقط، وهكذا. ولما كانت رسالة محمد e هي آخر رسالة تبعث للبشر، فإن ضياع هذه الرسالة يعني ضياعاً لمستقبل البشرية جمعاء، والحقيقة كاد هذا أن يحدث فعلاَ، حيث ما إن علمت الجزيرة العربية بوفاة الرسول e، حتى نقضت عهدها، وتركت دينها، ولم يثبت من الجزيرة العربية بعد وفاة الرسول e إلا ثلاث مدن، وقرية واحدة، (المدينة والطائف ومكة، وقرية جواثى).
فمنهم من امتنع عن دفع الزكاة، ومنهم من حرف الصلاة، وضجت اليهود والنصارى، ولكن بفضل الله وتوفيقه قيض رجالا مؤمنين من الأمة وقادتها، اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة واصطلحوا على بيعة خليفة للمسلمين ليكون أميراَ عليهم يحكمهم بكتاب الله وسنة ورسوله e، ويخلف رسول الله e في الحكم. فكان أبو بكر أول خليفة للمسلمين، وقائد الأمة، وحاكماً لدولة الخلافة التي استطاعت أن تعيد للدين مجده، وأن ترد كيد المشركين، والمرتدين وتقضي على مانعي الزكاة ومنكريها، ومحرفي الصلاة، وغيرها من الأحكام الشرعية المعلومة من الدين بالضرورة.
إن دولة الخلافة هي التي حافظت على الدين وردت كيد الماكرين المارقين المتربصين بالإسلام والمسلمين، فطبقت الدين في أرض الواقع، وحفظت بيضة الإسلام والمسلمين، وبها استطاع المسلمون أن يحملوا هذا النور إلى العالم لإخراجه من ظلمات الكفر إلى نور الإسلام وعدله، فعزت الأمة الإسلامية وسادت، وأصبحت في مقدمة الأمم.
فاستمر هذا العز والتمكين للإسلام والمسلمين باستمرار دولة الخلافة، فكان المسلمون أقوياء بعقيدتهم قادة للعالم ما دامت دولتهم قوية. ولكن عندما هدمت هذه الدولة دولة الخلافة في إسطنبول في 1924 ميلادية، استبدلت بأنظمة الإسلام وشريعته شريعة الغرب الكافر، فتمزقت بلاد المسلمين وتشرذمت شذر مذر، واضطهد الكافر المسلمين وهضم حقوقهم، ونهب ثرواتهم، ونصب عليهم حكاما عملاء رويبضات سلموا البلاد والعباد للكافر وأذاقوا الأمة سوء العذاب، وحاربوا الإسلام جهارا نهارا. فضاعت حقوق الأمة ونهبت ثرواتها، وهتكت أعراضها، فالحكام استأسدوا على شعوبهم وجيشوا الجيوش لمحاربة الإسلام والمسلمين، ووجهوا بنادقهم إليهم لا إلى أعدائهم، فأصبحوا ضغثاً على إبالة، فخسروا وخسئوا وخابوا.
ولكن الله سبحانه أكرم هذه الأمة فقام شباب منها على درجة عالية من الوعي والفهم، اتخذوا من طريق الرسول الكريم e أسوة حسنة، فعملوا وسط الأمة يصلون ليلهم بنهارهم من أجل توعية الأمة بدينها وقيادتها لتعيد كيان الإسلام المفقود؛ حيث لا يطبق الإسلام ولا تحفظ بيضته، ولا ترجع للأمة عزتها وقوتها إلا بدولتها دولة الخلافة على منهاج النبوة.
ونحن في هذه الأيام من شهر رجب الفرد، نذكر الأمة بهدم الخلافة الذي كان في هذا الشهر من العام 1342ه، فعندما نحيي هذه الذكرى إذ نذكر الأمة العظيمة بهدم كيانها العظيم، دولة الخلافة الأم التي ترعى شؤونهم وتدفع الشر عنهم وتجلب الخير لهم بحسن رعايتها وتطبيقها لشرع الله وسنة رسول الله e في الأرض.
أيتها الأمة العظيمة! نحن بمناسبة هذه الذكرى نتوجه إليكم ونقول لكم هيا إلى العمل الجاد مع العاملين لإعادة بناء صرح الإسلام من جديد، فهيا نشحذ الهمم بعزم وحزم لنعيدها سيرتها الأولى، خلافة راشدة على منهاج النبوة، يعز فيها الإسلام والمسلمون ويذل بها الكفار والمشركون، فالقطار سار ولن يتوقف، والدائرة دارت على الظلمة المجرمين، فصحت النفوس بدينها، وقريبا إن شاء الله سنرى في الأفق بوادر الصبح الذي أوشك أن يتنفس، فها هي بوادر النصر والتمكين تلوح في الأفق، فلا يفوتكم هذا الخير العظيم.
فهيا يا جنود أمتنا هبوا وانتفضوا، وثوروا ثورة الرجال، ووجهوا بنادقكم حيث يجب أن توجه، وازأروا فوق رؤوس الرويبضات الذين تملكوا أمرنا وساندوا العدو على ظلمنا وانتهاك حرماتنا ونهب ثرواتنا... فدكوا العروش الزائفة المزيفة، وثبتوا حكم الله في الأرض، لتنالوا خيري الدنيا والآخرة، فأنتم أهلٌ لنصر عقيدتكم، وسيوفٌ على رقاب أعداء دينكم، فأنتم الذين تتحركون للثأر لكرامة أمتكم، "يا خيل الله اركبي وبالجنة أبشري" فهذا أوان الجد فاشتدي، فأنتم والله الرجال وإن مروءتكم وشهامتكم، وغيرتكم على الإسلام تحرككم لنصرة دينكم، فالأمة متعطشة إلى وثبتكم، إلى نصرتكم، إلى غيرتكم عليها، فانتفضوا وأطيحوا بعروش الحكام العملاء، وأقيموا صرح الإسلام العظيم خلافة العز والشرف لتنالوا خيري الدنيا والآخرة، يا أحفاد عمرَ وصلاحِ الدين! كونوا عند حسن الظن بكم، وانفضوا عن أنفسكم غبار الذل والمهانة، وامسحوا عن أمتكم عار الهوان والاستضعاف والاستكانة. وامسحوا دموع الأطفال واليتامى والثكالى والأرامل، ولا تنشغلوا في خدمة هؤلاء الثعالب لقاء دراهم معدودة، ولا تنتظروا من الحكام خيراً لأمتكم.
أيتها الجيوش الهادرة: إن الحل الذي يصوّب كافة هذه الأوضاع الشاذة هو إقامة دولة خلافة المسلمين على أنقاض دويلات الضرار القائمة اليوم في العالم الإسلامي، ولا حل غيره يحقق لنا ما نريد من رضا الله وعزة المسلمين. فإلى نصرة العاملين أدعوكم، ولا يتخلفن أحد عن هذا العمل الجليل، وامضوا حيث تؤمرون. ﴿وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ﴾.
بقلم: سليمان الدسيس (أبو عابد)
عضو مجلس الولاية لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع