يتطور المشهد السوري يوما بعد يوم ويختلف حال الكثيرين عما كانوا عليه فيما مضى من سالف الأيام، وتسقط أقنعة كانت تلبس على الناس أمور دينهم، ويكشف عن مخططات كانت تُخط لأجل ضرب ثورة الشام في مقتل، ويتداعى على أهل الشام أسود الناس وأحمرهم لأجل قتل مولودهم الذي رعوه بالدم والعرض...
فمنذ أن صدحت الحناجر في عام 2011 والمشهد الشامي يختلف كل يوم عن سابقه؛ تظهر جماعات وفئات وتشكيلات وممثلون سياسيون، ويبرز متسلقون ويتقدمون لأهل الشام بخطاباتهم الرنانة مدعين حرصا عليهم وخوفا على ثورتهم وسعيا لضمان تضحياتهم، ولكن رعاية الله وحكمته اقتضت أن تستمر الثورة لسنوات حتى يظهر زيف المدعين وتسقط أقنعتهم، فتراهم اليوم يهرولون لصالونات السياسة في دول الغرب الكافر ضاربين عرض الحائط بكل ما كانوا يدعون لتكشف الوجوه عن حقيقتها بأن ليس ما قامت به إلا لأجل لعاعة من الدنيا والسبيل لذلك دماء المسلمين وأعراضهم.
حالة من التوهان عاشها المشهد الشامي وألبس عليه أمر دينه بعد الجهد الذي بذله الغرب الكافر لأجل أن يحصل هذا التوهان، فثورة الشام بقيت عصية على الاختراق وسائرة تتبلور فكرة ثورتها عما ترغب به وتضحي لأجله، وكادت أن تُسقط النظام بكافة أركانه ورموزه وأن تنهي نفوذ المستعمرين في بلاد المسلمين وأن تقيم حكم الله، وكان الأمر سائراً على هذا المنحى حتى ظهر "عمرو بن لُحَي" في الشام هذه المرة بسنةٍ سيبوء بإثمها حتى يوم القيامة وسيعذب عذاباً لا يعذَّبُه أحدٌ من بعده، عمل بها فشرع وأباح لتشكيلات عسكرية تشكلت لتذب عن أهل الشام وتدفع عنهم الصائل، أباح لهم تحت مسميات إما "الغاية تبرر الوسيلة" فكان ميزانه النفع مهما كانت التضحية، وإما "تقاطع المصالح" متغافلا أن المعطي ليس جمعية خيرية، أو تحت "صلح مع الشيطان" متغافلا أن الشيطان يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا، حتى وصل لدرجة تحريف عقيدتهم، فقال لهم مصلحتكم أن تأخذوا من عدوكم لتدفعوا مفسدة صائل عليكم، متناسيا أن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله، ألبس على الناس وخطب خطاب الحريص إما بجهل مركب موجود عنده وإما عن مكر عنده ليخدم من تجمهر للقضاء على أهل الشام وثورتهم.
فبعد تبلور ثوابت الثورة لأهل الشام سنت سنة جواز أخذ الدعم من باب أعذار واهية ضعيفة، فبدأ من حالها انحراف بوصلة الثورة عن قبلتها الصحيحة، فبدأ الخمول يدخل ميدان أعمالها العسكرية حيث إن جل الأعمال العسكرية من حينها كانت تحت مشورة وتوجيه غرف العمليات إلا ما رحم ربي منها، وكانت نتائج هذه الأعمال شهداء تسقط ونقمة شعبية للحاضنة تزداد، وهذا كان الهدف؛ لأجل أن ينفر الناس ممن احتضنوهم وبالتالي حدث أول ثلم في جسد الثورة...
فليس ما حصل من التفافات على أعمال مخلصة واقتتال بين التشكيلات وصراعات إدارة المناطق وانتكاسات الجبهات وفتح أعمال غير مجدية وذات فعالية ناجعة وسقوط كثير من المناطق بيد قوات أسد وزبانيته، ليس إلا نتيجة للمال السياسي المسموم الذي غزا الثورة كما الطاعون فأصابها بالوهن والجمود.
تلا هذه الحالة من التدهور العسكري تدهور أمني؛ فأصبح الكثير ممن يخالفون توجهات غرف العمليات مهدَّدين؛ إما بالخطف والتغييب بأماكن اعتقال مجهولة، وإما تصفيات جسدية واغتيالات، وكل ذلك ليس إلا لإظهار ضرورة النظام ووجوده وحرف أنظار الناس إليه، ولم يختلف الواقع الإنساني عن سابقيه؛ فحالات القصف المركز واستخدام الأسلحة الفتاكة كانت سابقة لأي اتفاق وقف إطلاق النار بغية دفع الناس لتزداد مطالبهم باستمرار الهدنة لوقت غير معلوم حتى يعتاد الناس على واقع الهدنة عند مقارنته مع القصف الذي كانوا يعيشونه وبالتالي يكونون هم الممانعين لأي عمل قد يحصل!
كل ذلك كان يترافق مع ظهور مرتزقة مأجورين أخذوا على عاتقهم بيع التضحيات على طاولات المفاوضات كما بيعت كل قضايا المسلمين عليها، فسقط القناع عنهم وعن مرادهم وأنهم لم يخرجوا من ربقة النظام لينصروا شعبا مظلوما طالب بحقوقه وباستعادة سلطانه وإنما ليكونوا مأجورين ويتحملوا كبر هذا البيع، وظهروا على الناس بحجج أن ما دفعهم لذلك إلا رفع المعاناة عن أهل الشام وضمان عدم حصول المزيد عليهم.
مشهد على الساحة الشامية لم يعد يخفى على أحد؛ من تشكيلات غزاها المال المسموم فكبلها وضبط توجهها، إلى أوضاع أمنية مزرية وإنسانية لعب عليها العالم كله لأجل منفعته، إلى مرتزقة سياسيين كشفتهم ثورة الشام وفضحتهم وأظهرت السبب الحقيقي لخروجهم من حضن النظام بأنه ليس إلا لركوب موجة الثورة عسى أن يرضوا أسيادهم ويوجهوها كيفما يشاؤون.
بعد ما تم ذكره من حال الساحة الشامية وما حصل عليها من انحراف للبوصلة بعد السنة الثانية للثورة كان نتيجته أناساً لا يتقون الله، أفتوا وسمحوا وصرحوا بجواز قبول أسّ المشكلة ألا وهو المال المسموم سواء بعلل "الغاية تبرر الوسيلة" فأباحوا للمسلم الحرامَ ما دامت غايته لله! أو "تضافر وتعاضد مع الشيطان" متغافلين أن الشيطان يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا، وقالوا بـ"تقاطع المصالح" وعموا عيونهم أن الغرب الكافر ليس جمعيات خيرية غايتها رفع الظلم عن الشعوب حتى وصل بهم الغي أن أوجدوا دينا جديدا غير دين الله، فقالوا بأن من مصلحة الثوار أن يأخذوا من الداعمين ليردوا مفسدة الأسد وجيشه! بالتالي جعلوا الكثير على أرض الشام وسيلة لذلك ليبعدوهم عن أهدافهم وغاية ثورتهم... وبالتالي جروهم لساحة الصد والإعراض عن ذكر الله بأن لا يرضوا في سبيل خلاصهم إلا الحلال الطيب، فأصبحت حالتهم رغم توافر كل الإمكانيات عيشة ضنكى وحالة تدمي القلوب وتذرف لها العيون دما.
فلا نصر مع كل هذه المعاصي والمخالفات ولا فتح بمال حرام ولا عزة عند أعداء الله والصادين عن سبيله فالله سبحانه حصر النصر عنده ولن يكون إلا ضمن دائرة طاعته لأن الله طيب ولن يقبل إلا الطيب والخالص لوجهه الكريم فما دون ذلك إلا احتطاب بليل فلا نصر بيد الصادين عن سبيل الله ولا عزة وتمكين.
فيا أهل الشام! خذوا على أيدي أبنائكم ليعيدوها سيرتها الأولى، وارسموا لهم بوصلتهم التي تاهوا عنها بأن يرجع هدفهم إسقاط النظام بكافة أركانه ورموزه، وأن يتخلصوا من نفوذ الغرب الكافر في بلاد المسلمين، وأن يكون جل غايتهم وعملهم سعياً لإقامة حكم الله والذي لن يكون إلا بطوق نجاة تلزمونهم إياه؛ مشروع سياسي مستنبط من كتاب الله وسنة نبيه الذي يقدمه لهم إخوانهم في حزب التحرير، يكون لهم درعا بوجه المشاريع العلمانية التي تحاول أمريكا إلباسهم إياها ليكون ثوب ذل لهم في الدنيا وسؤالاً وعذاباً عليهم يوم القيامة، فهذا همهم منذ أن أعلن أهل الشام ثورتهم.
يا أهل الشام! قولوها لأبنائكم أنكم ما ألقيتم لهم بفلذات أكبادكم وما ضحيتم بالغالي والنفيس إلا لأنكم قادرون وعلى استعداد أن تكملوا معهم مشوار التضحيات حتى يتحقق النصر والتمكين. وقولوها لهم أنهم إن بقوا على حالهم فإنكم مستعدون للتغيير عليهم كما غيرتم على من قبلهم، فالسلطان سلطانكم وستستعيدونه بإذن الله ولو بعد حين.
بقلم: عبدو الدلي
رأيك في الموضوع