ست سنين مضت على أهل الشام لا يزال فيها قطار ثورتهم المباركة يسير نحو دمشق حيث محطته الأخيرة؛ ففي دمشق ستقطع رأس الأفعى، وفي دمشق بعد هدم النظام سيقيم المسلمون صرحاً للإسلام؛ يطبق الإسلام كاملا داخل الصرح ويحمل الإسلام العظيم إلى العالم يدخلون به الصرح طواعية.
لقد مر قطار ثورة الشام المباركة في سفرته الطويلة بمحطات كثيرة؛ مر بمحطات جنيف السابقة كلها... وبالقاهرة والرياض... وفي كل محطة ينزل ركاب أتعبتهم السفرة أو أغرتهم المحطة لكن يصعد ركاب آخرون أكثر منهم...
تجاوز القطار محطات نيويورك وفينا ومحطات الأستانة السابقة... وصارت تلك المحطات خبرا بعد أثر...
واليوم وصل القطار محطة الأستانة الحالية، التي يراد لمخرجاتها أن تنزل الركاب من قطار الثورة أو توقف سير القطار!
وقد نزل بالفعل ركاب في الأستانة يدركون أنهم فارقوا أهلهم بالقطار... تقول لهم ثورتهم يا بَنِيّ اركبوا معنا ولسان حالهم يقول سنأوي إلى جبل يعصمنا من النار!! يا أهل الشام: لا عاصم من النار إلا من رحم، وحال بين القادة وأهلهم من الحاضنة مال الداعمين فقد يكونون من المغرقين، فمال الداعمين سحت و«كل لحم نبت من السحت فالنار أولى به»...
يا أبناء أمتنا الذين نزلوا في الأستانة! ارجعوا واصعدوا قطار ثورتكم واعملوا صالحا عسى الله أن يكفر عنكم خطاياكم، وإلا ستحملون أوزارا مع أوزاركم، وستسألون يوم القيامة عما كنتم تعملون...
هذا حال قادة الأستانة، أما بقية المسلمين، فهل يعلمون أن قطار ثورة الشام هو قطارهم؟ وأن ثورة الشام هي ثورتهم؟
قضية الشام باتت القضية الأولى في العالم، هي قضية أمريكا ولعلها قضية دول الغرب كلها...
أما أنها قضية دول الغرب فلأن تلك الدول ترقب عن كثب إقبال المسلمين على إسلامهم وسعيهم لاتخاذه منهج حياة لهم يعيشون أعزاء في ظل حاكم يحكم بشريعة الإسلام... وهم يدركون أن المسلمين لن يكتفوا بهذا بل سيحملون الإسلام نورا، فاتحين به البلاد، يخرجون البشر من ظلمات الرأسمالية المتوحشة إلى نور الإسلام وهديه، عندها يدخل الناس طواعية في دين الله أفواجا حتى «يبلغ ملك أمتي ما زوى الله لي» كما أخبر e، فتهدم عروش الكفر وتزال دول الغرب المتوحشة التي تقتل الإنسان في كل مكان وتدوس كرامته...
الغرب يدرك جيدا أن حضارته لا تستطيع الوقوف في مواجهة حضارة الإسلام، كما يدرك أنه لا يقوى على أي مواجهة حقيقية مع الإسلام... لذلك نسمع تصريحات للغربيين عن انهيار أوروبا سريعا أمام دولة الخلافة.
فالغرب يعمل ليحول بين المسلمين وبين أن يقيموا دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة؛ لذلك نشاهده يصل ليله بنهاره يبحث عن كل ما من شأنه أن يوقف قطار ثورة الشام... ولكنه لا يستطيع؛ يعقد المؤتمرات تلو المؤتمرات، ويستعين بالأنظمة العربية وأنظمة البلدان الإسلامية، ويستعين بإيران ومليشياتها، ويستعين بروسيا وبالنظام السعودي والنظام التركي، وحتى اليوم لم ينجح في تعطيل قطار ثورة الشام ولن ينجح بإذن الله. لكن الغرب اليوم يحشد كل قواه ويصبها ليتمكن من إيقاف القطار في محطة الأستانة الأخيرة. فدول الغرب تدرك خطورة ثورة الشام عليها، فلذلك تسعى للقضاء عليها.
بالمقابل هل يدرك المسلمون قضية ثورة الشام؟
لا بد أن يتعرف كل المسلمين على قضية الشام؛ فقضية الشام هي عينها قضية أمة الإسلام التي كانت تعيش في كيان الخلافة عزيزة منيعة؛ تسود العالم بعدل الإسلام وإحسانه.
ثم الأمة بعد هدم كيانها - خلافتها - صارت متفرقة مشتتة، تعيش الذل والهوان على أيدي حكامها الذين نصبهم الغرب علينا يحمون مصالحه ويقفون حرسا دون عودة الأمة إلى دينها. لا يمر يوم على أمتنا إلا وتذرف الدموع وتنزف الدماء وتحمل أطفالها قتلى على النعوش...
هذه قضية أمتنا... قضية أمتنا أنها تسعى إلى عز الحياة في ظل الإسلام.
فما قضية أهل الشام إذاً؟
قضية أهل الشام أنهم يريدون التحرر من عبودية النظام الفاجر، فخرجوا يهتفون بالحرية وإسقاط النظام ويريدون العيش في ظل الإسلام، وقد قدموا كل التضحيات ودفعوا كل الأثمان.
فأين الخلل في مسيرة قطار أهل الشام؟
الخلل أن بعض ركاب القطار؛ قادة الفصائل لا يزالون يصغون للغرب عدوهم ويرجون حلوله ويستجدون معالجاته!!
إذاً، ما هو الحل؟
الحل هو أن الحقوق لا تُستجدى من الأعداء وإنما تُنتزع الحقوقُ انتزاعا.
فهل تدخَّل الغرب يوما في قضية من قضايا المسلمين لحلها إلا وكان حلها وبالاً على المسلمين وظلت القضية تنزف دما وتذرف دمعا حتى اللحظة؟
هذا هو الواقع من حولكم ينطق بذلك... فيوم أن وضع حكام المسلمين قضية فلسطين بين يدي الغرب لحلها، أوصلنا الغرب أنه نزع منا كل الحقوق حتى حق الصلاة في المسجد الأقصى!!
وحدّث عن قضايا المسلمين الأخرى التي وضعها حكام المسلمين في أيدي الغرب؛ عن بورما التي يحرق المسلمون فيها أحياء، وأفريقيا الوسطى التي يؤكل فيها لحم المسلم حياً، والبوسنة والهرسك، وعن كوسوفو، والشيشان، وأفغانستان، والعراق... وعن نفط المسلمين الذي لا يملكون حق التصرف فيه ولا التصرف في ثرواتهم...
فيا أهلنا في الشام!
إن أمريكا والغرب عدونا ولو زعموا صداقتنا.
إن حكام المسلمين عملاء الغرب وأدواته علينا.
إن حبال الغرب يجب قطعها حتى لو كانت دعما ومالا.
إن فصائلنا يجب عتقها من الارتهان لقرار الغرب والدول الداعمة.
إن الوقوف في منتصف الطريق مهلكة حتى لو كانت الطريق شديدة الوعورة.
إن أهل الشام هم أمل الأمة في الخلاص من حكامهم والتحرر من دول الغرب ونفوذه.
قطار ثورة الشام يحتاج لقبطان، لربان، إلى قيادة سياسية مخلصة عالمة بالطريق، مدركة لخطورة الدول التي تسعى لقطع الطريق علينا، واعية على كل محطاته... وأهمها محطته الأخيرة في دمشق، وأين سيذهب ركاب القطار، وماذا عليهم فعله لإقامة كيان للمسلمين، وكيف يدار وكيف تثبت قواعده، وكيف يحمي نفسه والمسلمين من خطر الدول حوله...
لا بد أن يدرك أهل الشام والمسلمون أن قطار أهل الشام حتى يصل لدمشق، عليه أن يسير على سكة رسول الله e ولا يحيد عنها...
إن رايات العقاب التي ارتفعت يوم الجمعة الفائت في مدينة نوى خلال مظاهرة ضد مخرجات مؤتمر الأستانة بالتزامن مع مظاهرات في مناطق أخرى قادها حزب التحرير لإفشال مخطط الأستانة حتى لا يتوقف قطار الثورة فيها، أعاد للمسلمين ذكرى عزيزة وبشرى سارة؛ أنه عندما شهدت تخوم تل الجابية رايات العقاب الأولى التي حملها الصحابة رضوان الله عليهم في طريقهم لفتح دمشق، كانت تلوح منها بشائر الفتح الأول، فهل اقتربنا من مشهد الفتح الثاني لدمشق؟ وهل يدرك أهل حوران أن دمشق لم تفتح إلا من حوران؟ وهل يدرك أهل نوى أن الطريق إلى دمشق يمر من قرب تل الجابية؟
لعل راية العقاب ولواءه e وهما يرفرفان على تخوم تل الجابية يجيبان بنعم، لكن لا بد من قيادة سياسية تحملهما...
نعم هذه الرايات بإذن الله هي بشائر للمسلمين جميعا؛ أن قطار ثورة الشام يوشك أن يحط في دمشق محطته الأخيرة وسينزل ركاب المسلمين يهدمون صرح النظام المجرم ويقيمون صرح الإسلام العظيم.
بقلم: المهندس كامل الحوراني
رأيك في الموضوع