في الوقت الذي تتسارع فيه أحداث الثورة في الشام بين انكشاف الغطاء عما يسمى المعارضة الخارجية التي يعمل الغرب على الحفاظ عليها وتجميعها لتكون له حجة عند فرض حله السياسي الإجرامي على أهل الشام، وبين انكشاف زيف قادة فصائل لطالما تبجحوا بمقارعة نظام الإجرام وصولاً لإسقاطه، لينكشف أمرهم ويظهر ضعفهم وأنهم أدوات في ميزان القوى على الأرض، وليس آخرها اتفاق خفض التصعيد في الجنوب، وامتداده إلى الغوطة الشرقية وموافقة فصائلها عليه، هذا الاتفاق الذي سيحيد هذه المناطق عن متابعة الثورة لحين تفرّغ النظام من مناطق أخرى ومن ثم العودة لاحقاً إليها، إن لم يسبقه قادة هذه الفصائل بالعودة لحضن (الوطن) بعد أن تاجروا بقضية أهل الشام وسلموها لأعدائها على طبق من ذهب.
وفي هذه اللحظات التاريخية علينا ألا نجامل أنفسنا وأن نرى الصورة على حقيقتها لا كما يريد الإعلام الكاذب إظهارها لأهلنا في الشام، فالمعارضة وعلى رأسها الائتلاف العلماني وهيئة رياض حجاب للتفاوض، ظهر أنهم في مفاوضات أستانة وحتى في جنيف لم يكونوا سوى أدوات رخيصة وعامل تثبيت للنظام باستعادته لشرعيته المزيفة التي أسقطتها الثورة، رغم رفضنا ورفض الأمة برمتها لمثل هذه المفاوضات، في وقتٍ كان النظام يظهر في هذه المفاوضات صلباً يفهم الواقع الدولي جيداً ويفهم القرارات الدولية ويعمل على الاستفادة من كل ثغرات القوانين الدولية، وكانت تصريحاته دقيقة، بناءً على دستوره الذي يعد هو المرجعية له في هذه المفاوضات وكان يقيس كل أمر وفق قوانينه وأنظمته، إلّا أن ما يسمى المعارضة لم يكن لديها أي مرجعية قانونية أو حتى ثورية، وأكثر ما كانت تحلم به هو الثناء عليها من دي ميستورا والدول الراعية للمفاوضات التي هي شأن آخر، فقد وافقت المعارضة أن تكون إيران وروسيا مراقبين للعملية التفاوضية في الوقت الذي كانت فيه هذه الدول تحشد جيوشها ومليشياتها لقتال الفصائل الثائرة على النظام، دون أي ضمانات من أحد وحتى ممن تدعي أنها دول أصدقاء الشعب السوري وعلى رأسه أمريكا التي بعكس جميع التوقعات على الأقل من جانب هذه المعارضة الهزيلة، التي تفاجأت بقرار الإدارة الأمريكية إنهاء برنامج تدريب فصائل المعارضة السورية وتسليحها، هذا القرار الذي لاقى ترحيباً كبيراً من القيادة الروسية، حيث قال المسؤول في الخارجية الروسية، أرتيوم كوجين، إن موسكو ترحب بخطوة إنهاء برنامج دعم المعارضة، مؤكداً أن الخطوات كافة التي تهدف إلى تخفيف التوتر وتعزيز الأمن في الشرق الأوسط يرحبون بها، ومشدداً على أنهم يرون تقارباً ملحوظاً في مواقف منصات الرياض والقاهرة وموسكو تجاه حل النزاع وباتت أكثر واقعية في تقييمها لحل الأزمة السورية، بينما انتقدت المعارضة السورية القرار، فيما اعتبرته بعض فصائل الجيش الحر بمثابة خضوع لمطالب موسكو ما من شأنه تعزيز العناصر الجهادية.
إن أمريكا الراعي الرسمي لنظام أسد والتي هي من جلبت له الدعم الإيراني ومن ثم الروسي، تعمل ومنذ بداية الثورة على إيجاد حل سياسي، عبر أدواتها في الأمم المتحدة وعملائها من حكام المسلمين، استهدفت في البداية كسر جموح الثورة التي كانت قوية كفاية لقلع النظام من أركانه وجذوره، لولا أن هذه المعارضة التي أطالت أمد الثورة وفق الرؤية الأمريكية لحلها السياسي، وبغية إنهاك الثائرين وتفريق صفهم وتشتيتهم بهدف إعادتهم إلى أحضان النظام، ولأن هذه المعارضة علمانية بدا المشهد واضحاً جداً، حتى ليتبين بقليل من التدقيق أن المعارضة والنظام يعملون في تماهٍ كبير لكسر إرادة الثورة، وساعدهم في ذلك أدوات كثيرة على رأسهم شرعيو فصائل الثورة الذين شرعنوا أخذ الدعم من أمريكا وملحقاتها في دول الضرار، بحجة المصلحة والمفسدة، مما جعل أغلب الفصائل لا تتحرك إلا بأوامر خارجية ووفق خطوط حمراء رسمها لهم، بسبب عدم فهم الواقع السياسي وانطباقه على الحكم الشرعي، وتصوير مكتسبات وهمية على أنها انتصار سرعان ما كان يقوم النظام باستعادتها بعد أن يدمر الحجر والبشر وعلى مرأى من العالم ونظامه الدولي الكافر الذي لا يرقب في مؤمن إلّاً ولا ذمة، وعلى مسمع من كافة الدول التي تدّعي الحرية وحقوق الإنسان.
وفوق كل هذا التآمر الدولي والخذلان من إخوة الإسلام والعقيدة كان هناك فاجعة جديدة، لطالما أصيبت بها ثورة الشام طوال سنين الثورة، ألا وهي الاقتتال بين الفصائل الذي كان يفرح أعداء الإسلام والثورة، وكاد أن يطيح بكل مكتسبات الثورة بين فصيلي تحرير الشام وأحرار الشام على خلفية التدخل التركي في المناطق المحررة في إدلب وأرياف حلب، ويعود في أهم أسبابه إلى ارتباط قادة الفصائل بما يسمى زوراً وبهتاناً الدول الداعمة كتركيا وقطر والسعودية من جانب وإلى الهدن والمفاوضات التي صدَّعت صفوف الفصائل وجعلت بأسهم بينهم من جانب آخر، بل أدت إلى اقتتال كاد يطيح بالساحة في وقت كانت فيه أحوج ما تكون إلى التوحد والانطلاق من جديد وعلى أسس واقعية وحقيقية مكاشفة لما جرى وما سيجري، خصوصاً بعد تسليم مدينة حلب لمليشيات أسد من قبل النظام التركي عن طريق بعض الفصائل المدعومة منه.
إن هذه المصائب التي تنهال على أهل الشام كانت ولا تزال مدار تمحيص وابتلاء من الله عز وجل، ولكن بعد كل هذه السنين هل صحيح أن الثوار لم يتعلموا من أخطائهم التي كان ثمنها دماءهم وأعراضهم؟ هل ما زالوا يراهنون على المجتمع الدولي وهم يرون بأم أعينهم معاناة أهلهم في السجون ومخيمات اللجوء؟ هل ما زالوا ينتظرون أن تحنو عليهم دولة هنا أو دولة هناك مع علمهم بأنهم متوحدون على محاربة الإسلام؟ وهل صحيح أن الإسلام لم يعطنا الحلول لقضايانا؟ وكيف السبيل لذلك؟
إن ما تفتقده ثورة الشام إلى الآن في الحقيقة هو القيادة السياسية الواعية المخلصة التي ترى الأحداث بعين بصيرة، وتستنبط الحلول من كتاب الله وسنة رسوله e، وتضع كل شأن في مكانه وزمانه كما أمر الله، تجمع شتات الثائرين على المشروع الإسلامي الكامل المتكامل، لا تتعامل مع الأحداث بردود الأفعال، بل بمنهج رباني واضح، فتجتمع القوة العسكرية والحنكة السياسية وتسير بأمتها إلى الخلاص الذي تطمح إليه بالعودة بالمسلمين إلى عبودية الله وإقامة شرعه الذي أمرنا بتطبيقه، في ظل دولة الخلافة على منهاج النبوة، هذه الدولة التي تضع الموازين القسط كما أمر ربنا جل في علاه، فيتنزل نصره وتمكينه. ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُواۖ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾.
بقلم: أحمد معاز
رأيك في الموضوع