قررت المحكمة الابتدائية في تونس، يوم الثلاثاء 06/06/2017، تعليق نشاط حزب التحرير، لمدة شهر، وذلك بمقتضى إذن على عريضة تقدم بها المكلف العام بنزاعات الدولة في حق رئاسة الحكومة التونسية. وقال الناطق الرسمي باسم المحكمة الابتدائية بتونس، سفيان السليطي: إن المحكمة قررت قبول الإذن على العريضة التي قدمت إليها من قبل المكلف العام بنزاعات الدولة، وإيقاف نشاط "حزب التحرير"، لمدة شهر، بناء على المرسوم عدد 87، المؤرخ في شهر أيلول/سبتمبر 2011، المنظم للأحزاب السياسية، إذ إن "حزب التحرير" ارتكب جملة من المخالفات التي تتنافى والدستور التونسي.
وأضاف السليطي أن المحكمة عاينت وجود مخالفات لم يتم رفعها، وتتعلق بدعوة الحزب إلى "دولة الخلافة"، والتحريض على الكراهية، ما يمثل خرقًا لقانون الأحزاب، ومخالفة لمبادئ الدولة المدنية.
واعتبر الناطق الرسمي باسم المحكمة الابتدائية أن الحكم القضائي ساري المفعول بدءًا من يوم الثلاثاء، ويمكن للحزب الطعن في هذا القرار.
يبدو أنّ الحكومة في تونس سادرة في غيّها مستمرّة في تنفيذ الأوامر العليا التي تأتيهم من السّفارات الاستعماريّة، فقد وقّع المهدي بن غربيّة وزير العلاقة مع المجتمع المدني في 22/03/2017 اتّفاقاً مع سفيرة بريطانيا من أجل "التعاون" في التصدّي للفكر (المتطرّف)، وأشاد الباجي قايد السبسي رئيس الدولة بالمركز العالمي لمكافحة (التطرّف) الذي أنشئ في السعوديّة برعاية أمريكيّة. (والجميع يعلم أنّ الفكر (المتطرّف) عند بريطانيا وأمريكا هو الإسلام والخلافة) وهذا يدلّ على أنّ قرار محاربة الحزب ومنعه ليس قرارا محليا وإنّما هو قرار عالمي ينفّذه العملاء المحلّيون لخدمة السياسات الاستعماريّة. وأولى أولويات المستعمرين هي منع عودة الإسلام قوّة عالميّة، والتّصدّي لقيام الخلافة على منهاج النبوة والدّاعين لإقامتها. ممّا يعني أنّ القرار الذي استصدرته الحكومة من المحكمة الابتدائيّة يتنزّل في إطار الحرب العالميّة الصليبيّة على الإسلام والمسلمين فـ"سفيان السليطي" الناطق باسم المحكمة علّل الحكم بكون الحزب يدعو إلى الخلافة، ومعلوم عند جميع علماء المسلمين في كلّ العصور أنّ الخلافة هي من أعظم واجبات الدّين ومن أعظم فروضه، وقد قامت الدّلائل الشرعيّة القطعيّة الثبوت القطعيّة الدّلالة على أنّ إقامة الخلافة واجبة على المسلمين، وهذا يعني أنّ الحكومة ملتزمة بما قرّرته الدّوائر العالميّة الاستعماريّة.
أمّا التعليل بأنّ الحزب "يحرّض على الكراهيّة" فيستند صراحة إلى ما صاغه الغرب حرفيّا في مخطّطاتهم من أجل حربهم على الإسلام ذلك أنّ مصطلح "التحريض على الكراهيّة" مترجم ترجمة حرفيّة عن الاستراتيجيّة التي وضعتها بريطانيا للتصدّي للإسلام والخلافة، و"التحريض على الكراهيّة" مصطلح انتشر في أجواء الإسلاموفوبيا التي اجتاحت البلاد الغربيّة في السنوات الأخيرة وهو مصطلح فضفاض ضبابيّ غير منضبط ولا مُفهم، مائع الدّلالة يصلح أن يكون تهمة كيديّة ملفّقة ضدّ أيّ خصم فكريّ أو سياسيّ، ولقد استعملوه في الغرب من قبلُ ضدّ من شكّك في رواية يهود عن المحرقة النازيّة وجرّموا به مفكّرين وأكاديميين لمجرّد أنّهم عبّروا عن آرائهم وقناعاتهم، واليوم يستعملونه ضدّ المسلمين وضدّ حزب التحرير بالذّات، فقد حاولت الحكومة البريطانيّة زمن رئيس وزرائها الأسبق طوني بلير حظر حزب التحرير في بريطانيا ولمّا لم تجد الحكومة البريطانيّة في أعمال حزب التّحرير ما يُدينه بعنف أو إرهاب استنبطت مصطلح "التحريض على الكراهية" لعلها تُقنع القضاء البريطاني بمنع الحزب وحلّه. وها نحن نسمع في تونس المصطلح نفسه "التحريض على الكراهية"، تردّده الحكومة وناطق المحكمة رجع صدى في محاولة "جديدة" يائسة للبحث عن تُهمة جاهزة تُلصق بحزب التحرير من أجل منعه أو حلّه نهائيّا.
نعم إنّ حزب التّحرير دعا إلى الكراهية؛ لكن كراهية الخضوع للمستعمر وكراهية الخيانة وبيع البلد لمن يسرق ثرواته. أفي هذا جريمة؟!
وإنّ حزب التحرير يُحرّض المؤمنين على كراهية الكفر اتّباعا لقول الله تعالى الذي يتلى بالليل والنّهار في مساجد المسلمين الصائمين القائمين في تونس: ﴿... وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾، فهذا ربّنا سبحانه وتعالى يدعو عباده المؤمنين صراحة إلى كراهية الكفر والفسوق والعصيان، فماذا سيقول سفيان السليطي؟! أم ماذا سيقول قاضي المحكمة الذي حكم بتعليق نشاط الحزب بحجة "التحريض على الكراهية"؟! ماذا أنتم قائلون وهذا رسول الله eيقول: «أوثق عرى الإيمان: الحب في الله والبغض في الله» وفي حديث آخر يقول e: «من أحبّ في الله وأبغض في الله وأعطى لله ومنع لله؛ فقد استكمل الإيمان». فهل سنسمع من حكّام تونس اتهاما لكتاب الله العزيز ولسنّة النبيّ الأكرم eبـ"التحريض على الكراهية"؟ ما لكم كيف تحكمون؟!!
ثمّ ألم يجاهر رئيس أمريكا "ترامب" بمعاداته للإسلام وكراهيته للمسلمين؟ وهذا رئيسكم الباجي قايد السبسي ذهب مهرولا ليلاقيه في السعوديّة ويسانده في الدّعوة إلى محاربة الإسلام، ألا يعتبر هذا تحريضا على الكراهية، أم إنّ كراهية الإسلام عندكم ليست بجريمة؟!
ماذا بعد؟!!هل سيوقف الحزب نشاطه شهرا؟ هل سيتوقّف شبابه عن القيام بفرض فرضه الله عليهم؟ هل يخشون الظّالمين؟
إنّ شباب حزب التحرير يجدون في كتاب ربّهم: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾.فازدادوا إيمانا وازدادوا توكّلا على ربّهم.
وإنّهم قد عاهدوا من قبل، الله ورسوله eعلى أن لا يحول بينهم وبين العمل لإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة إلا الموت، وإنّ السياسة عندهم ليست ترفاً أو طريقا لتحصيل المناصب (كما هي عند الدّيمقراطيين الحداثيين) بل هي واجب شرعي وفرض كفرض الصّلاة لا يجوز تركها، وأن لا رخصة في تركها. وإنّ نضال شباب حزب التحرير معروف مشهور فهم يعملون منذ عام 1953م لم تلن لهم قناة ولم يرتاحوا يوما فلن تثنيهم اليوم سلطة هزيلة ضعيفة ارتضت أن تكون خادمة للاستعمار، ولن يُرهبهم البوليس السياسي وقد خبروا من هو أكثر ظلما وأبشع تنكيلا فزال الطّغاة وبقي الحزب وشبابه يعملون. وإنّ وعد الله حقّ ولقد وعد سبحانه وتعالى بنصر عباده المؤمنين والتمكين لهم في الأرض.
وسيبقى حزب التّحرير شوكة في حلق الاستعمار وعملائه حتّى يقتلعهم، وسيكسر بصمود شبابه الباطل وأهله ولن تجدي المحاكماتُ السياسيّةُ المفتعلةُ الظّالمين والخائنين نفعاً، وأنّ البوليس السياسي وجوده كعدمه. فمهما حاول ومهما فعل فلن يعود بالزّمان إلى الوراء. ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ * كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾.
بقلم: محمد الناصر شويخة
رأيك في الموضوع