أعلنت حكومة إندونيسيا خطتها لحل حزب التحرير في إندونيسيا، حيث صرح وزير التنسيق للشؤون السياسية والقانونية والأمنية الجنرال المتقاعد ويرانتو، يوم الاثنين الثامن من أيار/مايو 2017، أن الحكومة تحتاج إلى اتخاذ خطوات قانونية حاسمة لحل حزب التحرير في إندونيسيا. وأضاف الوزير أن هذه الخطة اتخذت بناء على ثلاثة أسباب، أولا: أن الحزب لا يقوم بالأدوار الإيجابية في المشاركة في عملية التنمية لتحقيق الأهداف الوطنية، ثانيا: أن هناك مؤشراً قوياً على أن أنشطة حزب التحرير تتناقض مع الأهداف والمبادئ والمميزات القائمة على أساس "بانتشاسيلا"، ثالثا: أن أنشطة حزب التحرير تسببت في الصراعات في المجتمع التي قد تهدد الأمن والنظام العام وتعرض وحدة إندونيسيا للخطر.
فعلا لقد أثار هذا المخطط الردود القاسية في المجتمع سواء أكان من حيث الإجراءات أم المضمون، حيث أتت هذه الردود من قبل أعضاء مجلس النواب، وأعضاء مجلس العلماء وزعماء المنظمات الإسلامية الأخرى، ومن قبل الخبراء القانونيين والمحامين، ومن قبل العلماء وأصحاب المعاهد والشيوخ البارزة الآخرين.
أما من حيث الإجراءات فإن حل أي منظمة رسمية لا بد من إجراءات متدرجة حسب ما نص عليه قانون المنظمات الشعبية رقم 17 لعام 2013، بداية من إفراغ الجهود للحوار، ثم إصدار رسالات إنذارية الأولى والثانية والثالثة، ثم وقف المساعدات المالية، ثم الإيقاف من العمل، ثم سحب الترخيص عبر الإجراءات القضائية وقرار المحكمة، وكل ذلك يجب أن يكون بالتدرج، وهذا ما لم تقم به الحكومة في محاولتها لحل حزب التحرير. فكيف تتحدث الحكومة عن التفكيك وهي لم تقم بأية محاولات حوارية مع حزب التحرير التي تمثل الخطوة الأولى في معاقبة أي منظمة مسجلة فضلا عن الإنذار. فلا شك أنه انتهاك لما قررت الحكومة نفسها.
والسؤال الوارد لماذا تعجلت الحكومة في هذا التصريح..؟ أليس حزب التحرير يقوم بدعوته في هذا البلد منذ ثلاثة عقود، ولا يوجد أي مشكلة بدعوته..؟ إن هذا يكشف حجم الضغوط على الحكومة وراء هذا المخطط سواء من قبل السياسيين والرأسماليين الذين يرون خطر دعوة الحزب على مصالحهم، ولا سيما المصالح الأجنبية المتكرسة في البلاد كما هو واضح في السياق والظروف المحيطة بهذه الخطة.
من الجدير بالذكر، أن هذه التصريحات جاءت في أعقاب الحملات حول حرمة تنصيب كافر حاكما، والتعبئة الشعبية في نصرة القرآن بعد الإساءة التي تعرض لها من قبل أهوك الحاكم النصراني لجاكرتا، التي أدت إلى خسارته في الانتخابات وسجنه بسبب مقولته، ومعلوم أن دور حزب التحرير بارز في ذلك. وأيضا جاءت هذه التصريحات بعد زيارة نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس في آخر الشهر الماضي، ومعروف كيف تكون السياسة الأمريكية حول المسلمين والحركات الإسلامية لا سيما بعد رئاسة ترامب. وما لبثت أيام من زيارة بنس حتى قامت وزيرة الخارجية الإندونيسية بزيارة أمريكا لتعزيز الشراكة الشاملة مع أمريكا لا سيما في موضوع مكافحة (التطرف والإرهاب) حيث تحتاج إندونيسيا إلى استخدام تقنيات القوة الصلبة والناعمة في وقت واحد، كما تناوله تصريح الوزيرة.
أما من حيث المضمون فإن افتراء الحكومة على حزب التحرير واضح للجميع حتى لمن يعادي حزب التحرير، فأي أدوار إيجابية قصدها الوزير؟ فإن عناية حزب التحرير بالقضايا الشعبية والدولية لا ينكرها إلا معاند، وقد أثبتت نشاطات حزب التحرير بأن فيها خيرا كثيرا للناس لا سيما في مجال تنمية الموارد البشرية في هذا البلد بتكوين شخصيات سامية، وهذا ما تحتاج إليه الدولة والمجتمع في مواجهة الأزمات المختلفة التي تهدد هذا البلد. وأي صراعات مجتمعية سببها دعوة الحزب..؟ وقد صرح الحزب منذ أن أسس سنة 1953 أنه يعمل لتحقيق غايته بطريقة فكرية سياسية وليس باستخدام العنف المادي، وهذا أمر يعرفه الأعداء. والعكس هو الصحيح، فقد اعتُدي على الحزب وشبابه وأنشطته كما حصل مؤخرا في الهجوم على مؤتمرات حزب التحرير في إندونيسيا.
نعم، فقد وعت الحكومة هذه الحقيقة، لأجل ذلك ركزت الحكومة سبب حظر حزب التحرير في دعوته لفكرة الخلافة وأنها ضد "بانتشاسيلا"، وأن العمل لإقامتها يهدد سيادة الدولة. لا ريب أن الحكومة الإندونيسية اليوم بهذا السرد من البهتان تسعى للعودة إلى تاريخ مظلم في تفكيك المنظمات الشعبية سواء ما حصل في عهد سوكارنو مثل تفكيك حزب مجلس الشورى للمسلمين الشهير باسم مشومي بحجة تهديد سيادة وأمن الدولة، أو ما حصل في عهد سوهارتو مثل تفكيك منظمات الطلاب الإندونيسية ورابطة الطلاب المسلمين بدليل أنها ضد "بانتشاسيلا".
وهكذا، بنفس السبب، وبنفس السرد، فقد تذرعت الحكومة القمعية لمحاربة الحركات الإسلامية بحجة أنها تهدد الدولة وأنها ضد "بانتشاسيلا". وعلى الرغم من أن الحكومة الإندونيسية بعد عهد سوهارتو قد اعتبرت مؤخرا بعض رجالات حزب مشومي أبطالا للدولة، فها هو اليوم يعود هذا النظام القمعي ويقوم بتجريم الحركات الإسلامية ويأتي بنفس البهتان والافتراءات التي أتى بها أسلافه.
والأخطر من هذا، أن الحكومة بهذا السرد من البهتان، تسعى إلى محاربة أحكام الإسلام، لا سيما في محاربتها لفكرة الخلافة، على الرغم من أن الحكومة تؤكد مرارا أن "بانتشاسيلا" لا يتناقض مع الإسلام. أليست الخلافة من أحكام الإسلام؟! بل هي من أعظم أحكامه كما أجمع أئمة المسلمين حيث يتوقف تطبيق الإسلام على وجودها. وأي تهديد من توحيد البلاد المسلمين على أساس عقيدتهم وأحكام دينهم؟ فإذا أصرت الحكومة الإندونيسية على أن الخلافة تتناقض مع "بانتشاسيلا" فلا عجب إذا تكرس الرأي العام لدى الأمة الإسلامية أن الحكومة تعمل ضد الإسلام ودعوته فضلا عن محاولاتها الأخيرة في تجريم العلماء وتأييدها للمسيء للقرآن. وهذا ما حذر منه الأستاذ إسماعيل يوسانطو الناطق الرسمي لحزب التحرير في إندونيسا مبينا "أن حزب التحرير يطالب الحكومة بوقف الخطة، وإذا ما استمرت في ذلك، فإن الرأي العام سيمتلك أدلة أكثر تثبت كون نظام الحكم الحالي مناهضا للإسلام وأنه نظام قمعي".
بقلم: أدي سوديانا
رأيك في الموضوع