ربما قد وصلت أخيراً الرسالة التي أرسلها طاغية الشام للفصائل المقاتلة بعد أن اختار الذكرى السادسة لانطلاقة ثورة الشام موعداً لترحيل أهالي حي الوعر الذي يعتبر المعقل الأخير للمعارضة المسلحة في مدينة حمص عاصمة الثورة السورية، وبضمانة شريكته في الإجرام روسيا إمعاناً منه في إذلالهم وفرض شروطه عليهم؛ مع غياب تام لهيئة الأمم المتحدة عن مشهد الجريمة، لتصبح بذلك مدينة حمص ثاني المدن التي ينتزعها طاغية الشام بشكل كامل من أيدي الفصائل المقاتلة بعد مدينة حلب، ليخطو بذلك خطوة جديدة في طريق السيطرة الكاملة على المدن السورية؛ في محاولة منه لحصر الثورة في القرى والأرياف بعيدة عن المدن ذات التأثير الكبير والأهمية الاستراتيجية؛ والتي تعطي زخماً لمسار الثورة وتؤثر على مجرياتها.
فبعد الوصول إلى اتفاق مصالحة مع أهالي حي الوعر وترحيل من أراد الرحيل منهم إلى أماكن متعددة؛ ها هو يشن حملته المسعورة على الغوطة الشرقية في دمشق وذلك للسيطرة على بعض المناطق فيها وزيادة الضغط على أهلها؛ ظناً منه أنه سيصيبها قارعة الذين سبقوها وسط صمت مطبق من المجتمع الدولي الذي كان ولا يزال شاهد زور على أبشع الجرائم التي ترتكب في حق الإنسانية، ليس شاهد زور فحسب بل لاعباً أساسياً فيها، فها هي طائرات التحالف الدولي تحصد أرواح العشرات في بيت من بيوت الله في ريف حلب الغربي، ودائماً الذريعة حاضرة (محاربة الإرهاب)، كيف لا وقد مهد لجرائمه بعد أن دق إسفينه بين الفصائل فشطرها بين معتدل ومتطرف؛ وأوجد شرخاً كبيراً كان له أثره الكبير على الأرض، ليبقي الباب مفتوحاً أمام إجرام طائراته بحجة استثناء المتطرفين من وقف إطلاق النار، حيثأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بمقتل 46 شخصا، غالبيتهم من المدنيين، وإصابة أكثر من مائة آخرين بجروح في قصف جوي نفذته طائرات حربية لم يحدد هويتها مساء الخميس 16/3/2017 على مسجد في قرية الجينة بمحافظة حلب.
وفي واشنطن، قال المتحدث باسم القيادة المركزية الأمريكية جون توماس إن الطيران الأمريكي استهدف "تجمعا لتنظيم القاعدة في سوريا"، ما أدى إلى مقتل العديد من "الإرهابيين".
أضف إلى ذلك القصف العنيف الذي تتعرض له مدينة إدلب وريفها من قبل طيران نظام الإجرام السوري وحليفه الروسي؛ في حين تعتبر روسيا طرفاً ضامناً لوقف إطلاق النار في مفارقة عجيبة تدعو إلى السخرية المطلقة، لتتحول سماء أرض الشام إلى مسرح لطائرات المجتمع الدولي الذي يلعب دورا آخر لا يزال فيه ضامن التهجير الممنهج لشعب فكر يوماً بالخروج على عملائه لاستعادة سلطانه المسلوب، إلا أن التحرك الأخير للفصائل المقاتلة في حي جوبر ومنطقة العباسيين في قلب العاصمة دمشق والتقدم الذي حصل فيه؛ يبعث بارقة أمل بكسر القيد المفروض عليها وتجاوز الخطوط الحمر المرسومة لها، علها تستعيد زمام المبادرة بعيداً عن تلك القيود، وخاصة بعد التقدم الذي أحرزه طاغية الشام والمليشيات المساندة له على جبهة حي برزة وحي تشرين بسيطرته على أجزاء واسعة من شارع رئيسي يربط الحيين الواقعين في شرق دمشق". ولم تمنع كل الجرائم التي تقف وراءها أمريكا بحجة محاربة (الإرهاب) ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بفعل "كل شيء من أجل محو الإرهاب" والمساهمة في الحرب داخل سوريا، قبيل لقائه مع وزير الدفاع الأمريكي، جيمس ماتيس، في البنتاغون. وقال بن سلمان، وهو وزير الدفاع أيضا، في مؤتمر صحفي مشترك مع ماتيس، سبق اجتماعهما في مقر وزارة الدفاع الأمريكية "نحن مستعدون لفعل كل شيء من أجل محو (الإرهاب)، أي شيء على الإطلاق". وأشار إلى أن بلاده "تضع في اعتبارها" المساهمة في المعارك الجارية في سوريا. وبذلك يبدي نظام آل سعود استعداده التام للمشاركة في قتل أهل الشام أسوة بالنظام التركي ومرة أخرى بحجة محاربة (الإرهاب)!
وعلى صعيد آخر؛ وعلى مستوى سير المفاوضات، فإن المتتبع لها يرى بوضوح الأسلوب المتبع في كسب الوقت لصالح طاغية الشام وتضييعه على الثائرين ضد طغيانه، فأقصى ما يصل له المفاوضون هو التأكيد على استمرارية الهدنة رغم كل الخروقات التي جعلت منها هدنة من طرف واحد، وتشكيل لجان لمراقبة هذه الخروقات على حد زعمهم، والاتفاق على عقد جولة جديدة من جولات التفاوض التي تمد من عمر النظام وتعطيه الوقت الكافي للاستمرار في قضم المناطق وتضييق الخناق عليها يوماً بعد يوم، أضف إلى ذلك إشراك المزيد من القتلة في المفاوضات وجعلهم ضامنين لها...
هذا هو المشهد على الصعيدين السياسي والعسكري، فلقد تداعى الغرب الكافر على أهل الشام كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، لكن الله قد تكفل لرسوله e بالشام وأهله، ولا شك أن ظلام الحكم الجبري سوف يزول وستشرق شمس الخلافة الراشدة على منهاج النبوة من جديد، شاء من شاء وأبى من أبى، ﴿وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾.
بقلم: أحمد عبد الوهاب
* رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية سوريا
رأيك في الموضوع