تقع منطقة حلايب على البحر الأحمر، وتبلغ مساحتها أكثر من عشرين كيلو متراً مربعاً، تقطنها قبائل تنتمي لإثنية البجا. وتوجد بها ثلاث بلدات كبرى هي: حلايب، وأبو رماد، وشلاتين، وظلت المنطقة محل نزاع بين السودان ومصر منذ فصل السودان عن مصر؛ حيث قام الاحتلال البريطاني برسم حدود البلدين في العام 1889م، جاعلاً خط العرض (22) هو الفاصل، وفي العام 1902م عاد الاحتلال البريطاني وأتبع منطقة حلايب إدارياً للسودان. وهو - أي المحتل البريطاني - أراد بهذه الفعلة أن يجعلها بؤرة توتر بين البلدين، وهي سياسة مارسها الاستعمار في كثير من البلدان التي قام باحتلالها. وبالفعل بدأ النزاع باكراً حول حلايب بين السودان ومصر؛ ففي 18 شباط/فبراير 1958م، أرسل الرئيس المصري، عبد الناصر، قوات إلى المنطقة، ثم قام بسحبها نهائياً إثر اعتراض الخرطوم على هذا العمل. وظل الوضع كما هو عليه حتى طفا النزاع إلى السطح مرة أخرى في العام 1992م، عندما اعترضت مصر على إعطاء حكومة السودان، حقوق التنقيب عن البترول في المياه المقابلة لحلايب، لشركة كندية، والتي انسحبت لحين فض النزاع بين البلدين. ثم تفاقم الأمر إثر اتهام مصر للسودان بمحاولة اغتيال الرئيس المصري، فقامت القوات المصرية باحتلال المنطقة، وظل التوتر هو سيد الموقف حتى العام 2000م، عندما فرضت مصر سيطرتها الكاملة على المنطقة ووضعت يدها عليها، وانسحاب الجيش السوداني؛ الذي لم يتبق منه إلا وحدة صغيرة، وبالاتفاق مع مصر.
إلا أن الحكومة السودانية أعلنت في العام 2004م أنها لن تتخلى عن إدارة المنطقة، وأكدت على تقديم مذكرة للأمم المتحدة بهذا الشأن. وفي العام 2010م تم اعتماد حلايب كدائرة انتخابية سودانية تابعة للبحر الأحمر، إلا أن الانتخابات لم تتم فيها، في حين إنه في العام 2011م أقيمت الانتخابات البرلمانية المصرية في منطقة حلايب. ثم هدأت الأمور حتى إعلان مصر في بداية هذا العام 2016م عن إعادة جزيرتي (تيران) و(صنافير) للسعودية، وترسيم الحدود البحرية بين السعودية ومصر، مما أعاد الصراع حول منطقة حلايب إلى الواجهة مرة أخرى. ويرى مراقبون أن قضية حلايب ستتصدر مباحثات اللجنة المشتركة السودانية المصرية، التي بدأت اجتماعاتها الروتينية في الخرطوم يوم الخميس 25 أيار/مايو 2016م، غير أن سقف التوقعات يظل منخفضاً بشأن تحقيق تقدم في القضية، ومع إغلاق المباحثات في وجه الإعلام، إلا بما يجود به مسؤولون من هنا وهناك، توقع متابعون، مناقشة الاجتماعات عدة قضايا مشتركة، ولا يستبعدون أن يكون النزاع على مثلث حلايب وشلاتين على قمتها، وما يدعم توقعات أولئك المتابعين، استباق موسى محمد أحمد مساعد رئيس الجمهورية السوداني الاجتماعات بالتأكيد على أن ملف حلايب بالنسبة للسودان ليس سياسياً بل ملف سيادي أرضاً وشعباً.
إن ما يقوم به حكام السودان ومصر من إثارة النعرة الوطنية الخبيثة التي زرعها الكافر المستعمر، لإشغال الناس بعدو خارجي، وتخفيف الضغط على النظامين المنهارين، مما يزيد من التوتر بين شعبي وادي النيل، الذين ينتمون لخير أمة أخرجت للناس، لهو خيانة من هؤلاء الحكام، الذين كان واجبهم العمل على إحسان رعاية الأمة، والسهر على حقوقها، وعدم التفريط في أي شأن يمس أمنها السياسي والاقتصادي.
إن حكام السودان ومصر في الوقت الذي يتنازعون فيه على قطعة أرض ملك للأمة الإسلامية، ويقيمون الدنيا ولا يقعدونها، فإنهم يتنازلون فيما يخص القضايا المصيرية للأمة، وما قضية سد النهضة الإثيوبي عنا ببعيدة، حيث تنازل هؤلاء الحكام عن حقوق الشعبين، وتواطأوا مع حكام إثيوبيا لتنفيذ أجندة غربية استعمارية ماكرة، هدفها التحكم في مياه النيل. ورغم التضليل الذي يمارسه حكام البلدين بشأن سد النهضة الإثيوبي، إلا أن رئيسي البلدين، قد وقعا مع نظيرهما الإثيوبي وثيقة في الخرطوم، سميت بإعلان المبادئ لسد النهضة الإثيوبي، وذلك في أيار/مايو 2015م، وكان هذا الاتفاق بمثابة الموافقة على إقامة السد، وتركز الحديث حول عملية التشغيل والإدارة، وكيفية تفادي المضار المتوقعة... وما إلى ذلك من مسائل لا تسمن ولا تغني من جوع، رغم ما قاله المختصون في شؤون المياه في مصر والسودان من مخاطر ستلحق بكليهما حال قيام هذا السد.
فأيهما أخطر على الأمة، تبعية حلايب لمصر أو السودان، أم قضية سد النهضة التي سيلحق ضررها - لا قدر الله - البلدين؟! إن قضية حلايب لن تحل إلا بإرجاع الأمر إلى أصله، وتوحيد السودان ومصر في ظل دولة الخلافة، فالأصل ترك مثل هذه الأمور التي لا تقدم، ولكنها تؤخر، والاشتغال بما ينفع الناس، والعمل على درء المخاطر عنهم، وتوحيد بلادهم.
ولكننا على يقين أن مثل هذه الأنظمة الخانعة والخاضعة تماماً للغرب الكافر المستعمر، لا يمكن أن تهتم بما ينفع الناس، لذلك تحتاج الأمة لدولة مبدئية، تقوم على أساس الإسلام العظيم، فترعى شؤون الناس على أساس أحكام رب العالمين، وتقطع يد الغرب الكافر العابثة في بلادنا، ولذلك كان واجباً على الأهل في السودان، وفي مصر، بل وفي كل بلاد المسلمين أن يعملوا من أجل عزتهم ومجدهم، الذي لا يكون إلا عبر الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، نعز بها في الدنيا، ونفوز بها في الآخرة.
رأيك في الموضوع