قال الدكتور عباس شومان وكيل الأزهر، إن الخلافة نظام حكم دنيوي ليس من أساسيات العقيدة التي يجب الإيمان بها، وأنها وإن تعارف عليها السابقون وارتضوها نظاما لحكمهم يحقق مصالحهم ويضبط مسيرتهم ويراقب انتظام الحقوق والواجبات لينتهي الظلم ويسود العدل، إلا أنه نظام غير لازم ولا جامد على صورته الأولى، وأنه متى تراضى الناس على غيره من الأنظمة انتقلوا إليه دون أن يكون في ذلك مخالفة لشريعة الإسلام، فهي تستوعب جميع الأنظمة التي يتعارف عليها الناس في زماننا وما يستجد في أزمنة مقبلة، والعبرة بانتظام الناس على مبادئ شرع الله، ولا يضرهم اسم النظام الذي يحتكمون إليه. وشدد الوكيل، خلال محاضرة بجامعة بني سويف، على أن التذرع بمسألة الخلافة وأنها نظام ديني وأن النظم الأخرى لا طاعة لها افتراء في الدين.. انتهى
ينبغي أن نتذكر أن شومان شن حملة مشابهة على نظام الخلافة في لقاء مع اليوم السابع: 31/03/2015م واتهم من يسفه النظم الأخرى التي يريدها شومان بديلا عن الخلافة بأنهم "مجرمون"، فكأن جهة ما أوكلت لوكيل الأزهر مهمة مهاجمة نظام الخلافة. قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ﴾.
أولا: لقد بلغت أدلة وجوب إقامة الخلافة ونصب الخليفة حدًا أضحت معه موضع إجماع الأمة والأئمة على مر العصور، بحيث اعتبر من شذ عن هذا الإجماع أصما عن الشريعة كما وصفه الإمام القرطبي، وارتفعت عن أن تكون موضع جدل أو نقاش، بل كثيرا ما ألحقت بمسائل أصول الدين وأصول الشريعة، إذ إنك تجد علماء الأصول يبحثونها في كتب أصول الدين، جنبا إلى جنب مع أبحاث العقيدة، فالخطر في إنكارها بحجة أنها ليست من أصول الاعتقاد مساو للخطر في الخطأ في أي أصل من أصول الاعتقاد لأهمية الخلافة ومكانتها، وخطورة القضية شرعا لا تكون فقط بكونها من أصول الاعتقاد، بل بخطورة توقف وجود الدين عليها في الحياة، فكيف سيطبق كتاب الله تعالى وسنة نبيه r في الأرض بدون دولة خلافة؟
ثم إن فرض الخلافة قد ثبت بالدليل القطعي سواء بالتواتر المعنوي أو بالإجماع، ولا سبيل لإنكار ما كان ثبوته بطريق القطع، قال الشيخ الطاهر بن عاشور في (أصول النظام الاجتماعي في الإسلام): "فإقامة حكومة عامة وخاصة للمسلمين أصل من أصول التشريع الإسلامي ثبت ذلك بدلائل كثيرة من الكتاب والسنة بلغت مبلغ التواتر المعنوي"، وقال الإيجي في المواقف في علم الكلام: وأما وجوبه علينا سمعا فلوجهين: الأول: أنه تواتر إجماع المسلمين في الصدر الأول من وفاة النبي r على امتناع خلو الوقت عن إمام، انتهى قوله. وغني عن القول إثبات فقهاء الإسلام وعلمائه للخلافة بطريق الإجماع واعتبارها أوجب الواجبات.
وبالمثل نجد أن فرض إقامة الخلافة، وفرض نصب الخليفة، وحرمة أن يخلو الزمان من خليفة يقيم أحكام الإسلام في الأرض، من العقيدة لثبوته بالتواتر المعنوي، وبإجماع الصحابة على أنه فرض، إذ إن العقائد تتعلق بالأفكار التي يتخذ الإنسان منها موقف التصديق أو التكذيب، وانعقاد القلب على الفكرة.
والتصديق بأن الله تعالى ورسوله قد شرع تطبيق الإسلام من خلال الخلافة، والتصديق بأن نصب خليفة واجب، والتصديق بحرمة خلو الأرض من خليفة، هو من الاعتقاد، تماما كالتصديق بأن الله تعالى أمر بالصلاة، وهذا التصديق هو غير القيام بالفعل نفسه، أي أن القيام بالصلاة من الأحكام الشرعية، بينما التصديق بأن الصلاة فرضٌ من الاعتقاد، لذلك مَنْ شَكَّ في فرضية الصلاة كفر، لثبوت دليلها بالقطع، فمن أنكر ثبوت ذلك الدليل رد محكم الكتاب القطعي الثبوت القطعي الدلالة، ومن شك بفرض الصيام كفر، فهما قطعيان، بخلاف من لم يصم تكاسلا، فإنه مذنب عاص، إلا أن يكون في قلبه شك في أن الصيام فرض، فيكفر حينها لشكه لا لعدم الصيام. فالتصديق بوجوب الخلافة شأنه شأن الإيمان بأن الله تعالى فرض الصلاة والزكاة، وقطعُ يد السارق حكم شرعي، وكون ذلك من الله والتصديق به عقيدة، وتحريم الربا حكم شرعي والتصديق بكونه من الله تعالى عقيدة، فأخذ الأحكام على أنها وحي وشريعة من الله أمر لا ينفصل عن الاعتقاد. لذلك وضع علماء الأصول بحث الإمامة أو الخلافة في متن كتب أصول الاعتقاد، وبحثوها هناك.
ثانيا: لا يوضح لنا وكيل الأزهر أي النظم التي تواضع عليها الناس غير نظام الخلافة تنتظم على مبادئ شرع الله؟
وباستقصاء النظم التي تواضع عليها الناس اليوم، نجدها: ملكية دستورية، أو ملكية مطلقة، وكلاهما مناف لأحكام الإسلام، فالحكم في الإسلام لا يورث، واختيار الحاكم في الإسلام لا يصح إلا بالرضا والاختيار والشورى، ولا يمتاز الحاكم بامتيازات وحقوق خاصة، ويكون فوق القانون كما في الأنظمة الملكية، ونظام الحكم الإسلامي ليس جمهوريا سواء أكان جمهوريا رئاسيا، أم جمهوريا برلمانيا، فالنظام الجمهوري يقوم في أساسه على النظام الديمقراطي، الذي تكون السيادة فيه للشعب، فالشعب فيه هو الذي يملك حق الحكم وحق التشريع، فيملك حق الإتيان بالحاكم، وحق عزله، ويملك حق تشريع الدستور والقوانين، وحق إلغائهما وتبديلهما وتعديلهما، وإعطاء البشر حق التشريع أو تغيير التشريعات مناقض للإسلام جملة وتفصيلا، والديمقراطية قوامها إطلاق الحريات ومنع تقييدها واتخاذها أساسا للتشريع، مما جلب للبشرية تشريعات إباحة الزنا والخنا والشذوذ والمخدرات، وهذا كله مناقض للإسلام، والنظم الجمهورية قوامها العلمانية، وهي التي تريد لمبادئ شرع الله أن تنزوي في التكايا ولا يظهر لها أثر في حياة ولا في أخلاق ولا في معاملات، فهذه النظم بذا لا تنتظم على مبادئ شرع الله وهي تناقض أسه وأساسه في أن الحكم لله، والنظام الجمهوري في شقه الاقتصادي يقوم على الرأسمالية التي تقوم على الربا والاستعمار ونهب خيرات الشعوب، ونظام الحكم في الإسلام ليس نظاما إمبراطوريا، وهو شكل أسوأ من الشكل الملكي، يزيد عنه في سوء توزيع الحقوق على الأقاليم، وليس نظام الحكم في الإسلام بالاتحادي، إذ إن الإسلام يحرم تعدد الدولة الإسلامية وانقسامها وتعدد الخلفاء، ويحرم شق عصا المسلمين، فنظام الإسلام نظام وحدة لا اتحاد، فهذه هي الأشكال التي فرضت على البشرية اليوم، فأيها يختار وكيل الأزهر بديلا عن نظام الخلافة، وأيها يصدر عن مبادئ شرع الله ولا يتضارب معها؟ بل كيف سيكون أي من هذه النظم التي تواضع عليها الناس مما أنزل الله، والله يأمر بالحكم بما أنزل ويحرم الاحتكام إلى غير ما أنزل؟! يُتبع
رأيك في الموضوع