اختتمت في اسطنبول يوم الجمعة 15/4/2016 أعمال الدورة الثالثة عشرة لمنظمة التعاون الإسلامي تحت عنوان "الوحدة والتضامن من أجل العدالة والسلام" بعد اجتماع قادة وممثلين عن دول وحكومات المنظمة، وأصدرت القمة بيانها الختامي الذي يحتوي 218 بندا وتغيب عن الجلسة الختامية رئيس إيران لما قيل عنه بأنه اعتراض على بعض بنود البيان الختامي والتي تتعلق بإيران وحزبها في لبنان!
إن منظمة التعاون الإسلامي ليس لها من اسمها أي نصيب، فهي أبعد ما تكون عن التعاون إلا إذا كان "التعاون على الإثم والعدوان"، وأبعد ما تكون عن الإسلام لأنها ما وجدت إلا لإقصاء الإسلام، وقد كانت أول نشأة المنظمة في الرباط بالمغرب في 25/9/1969م بعد انعقاد أول مؤتمر لقادة العالم الإسلامي في أعقاب حرق المسجد الأقصى في 21/8/1969، وفي آذار 1970 انعقد أول مؤتمر لوزراء خارجية دول العالم الإسلامي في جدة بالسعودية، نتج عنه تعيين أمين عام للمنظمة وتم اختيار مدينة جدة مقرا مؤقتا على أن تكون القدس هي المقر الدائم لاحقا بعد زوال الاحتلال!، وحسبك شرا أن يكون الاجتماع لمناقشة حرق المسجد الأقصى قد أسفر عن إنشاء هذه المنظمة بدل أن يسفر عن تحرير الأقصى بل كل فلسطين، فتكون هذه المنظمة في أصل نشأتها وجدت لامتصاص غضب المسلمين ورغباتهم الحقيقية، وحرفهم عن الطريق الصحيح، فبدل أن يكون الأمر الرباني للمسلمين بالتعاون على البر والتقوى دافعا لهم لإزالة كيانات التفرقة وحكام الضرار، أصبح "التعاون" تعاونا لإبقاء كيانات التفريق وحكام الضرار، وبدل أن تكون "الوحدة" هي وحدة المسلمين في كيان واحد وتحت راية واحدة وإمام واحد يقودهم بالكتاب والسنة، أصبحت "الوحدة" اجتماع تلك الكيانات جميعا على محاربة الإسلام والحيلولة دون عودة المسلمين أمة واحدة في دولة واحدة هي دولة الخلافة على منهاج النبوة.
وإذا أردنا أن نعدد إنجازات هذه المنظمة وتاريخها سنجد على رأس صفحاتها السوداء مؤتمر داكار 1991م حيث أعلن فيه إسقاط الجهاد، وجاء في الإعلان الختامي له "أيد المؤتمر الجهود المبذولة لإحلال السلام العادل والشامل في منطقة الشرق الأوسط بانعقاد مؤتمر السلام في مدريد وبدء المفاوضات بين الأطراف المعنية على أساس الشرعية الدولية، بما في ذلك قراري مجلس الأمن رقم 242 و338 ومبدأ الأرض مقابل السلام بما يضمن تحقيق الانسحاب الإسرائيلي الشامل من كافة الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة عام 1967م، بما فيها القدس الشريف والجولان السوري، وتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقوقه الوطنية غير القابلة للتصرف، بما فيها حقه في العودة وتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة، على أرض وطنه وعاصمتها القدس الشريف". (البيان الختامي لمؤتمر داكار 1991م)، ومن المعلوم أن بند الجهاد لم يكن موجودا سابقا على أجندة مؤتمرات قمم حكام المسلمين إلا للاستهلاك المحلي، إلا أنه بعد قمة داكار أسقط الحكام فرض الجهاد ليزيدوا إلى جرائمهم جريمة نكراء جديدة.
أما بخصوص التضامن فالمفترض أن يكون تضامنا مع قضايا المسلمين ومصائبهم، ومن يرصد ردود المنظمة وتفاعلها مع قضايا المسلمين، يرى أنها تمارس التعبير عن قلقها فقط، فبخصوص مأساة المسلمين في بورما كان موقف المنظمة التعبير عن القلق فقد "أعرب إحسان أوغلو عن عميق قلقه إزاء العنف المتواصل ضد حقوق الروهينجا المسلمين في ميانمار، حيث قتل وجرح وشرد الآلاف من أبناء هذه الأقلية إلى داخل وخارج ميانمار، مشددا على موقف منظمة التعاون الإسلامي الثابت في متابعتها لقضية الروهينجا." (العربية 5/7/2012)، وجاء في البيان الختامي الحالي (جدد المؤتمر قلقه إزاء الوضع في جنوب تايلاند وأعرب عن أمله في أن تخطو الحكومة التايلندية خطوات بناءة للوفاء بالتزاماتها المتضمنة في البيان المشترك الذي صدر في 2007 عن كل من المنظمة وتايلاند، والذي تم تأكيده مجددا سنة 2012.) (البيان الختامي 15/4/2016) وكذلك ما يتعلق ببقية قضايا المسلمين فتتراوح قرارات القمة بين الإدانة والتعبير عن القلق والتأكيد والحث والدعوة... والتضامن اللفظي الذي تنتقى عباراته بدقة كي لا يظنّ ظان أنه موقف حقيقي.
أما بخصوص البنود التي اعترضت عليها إيران فهي البند 31 (أدان المؤتمر الاعتداءات التي تعرضت لها بعثات المملكة العربية السعودية في مدينتي طهران ومشهد في إيران والتي تشكل خرقا واضحا لاتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية والقانون الدولي الذي يحمي حرمة البعثات الدبلوماسية.) والبند 32 (رفض المؤتمر التصريحات الإيرانية التحريضية فيما يتعلق بتنفيذ الأحكام القضائية الصادرة بحق عدد من مرتكبي الجرائم الإرهابية في المملكة العربية السعودية... ) والبند 33 (أدان المؤتمر تدخلات إيران في الشئون الداخلية لدول المنطقة ودول أخرى أعضاء منها، البحرين واليمن وسوريا والصومال واستمرار دعمها للإرهاب.) والبند 105 (أدان المؤتمر حزب الله لقيامه بأعمال إرهابية في سوريا والبحرين والكويت واليمن، ولدعمه حركات وجماعات إرهابية تزعزع أمن واستقرار دول أعضاء في المنظمة)، والظاهر أن هذه البنود أدرجت بناء على رغبة من السعودية، لأنها الحاضنة المالية للمنظمة، ولدعم موقف حكام السعودية السياسي في الداخل السعودي، فعلى الرغم من رئاسة تركيا للقمة وصدور هذه البنود تحت رئاستها واعتراض إيران عليها وغياب روحاني عن الجلسة الختامية اعتراضا عليها، إلا أن روحاني غادر الجلسة التي يرأسها أردوغان في اسطنبول ليلتقي به في أنقرة في اليوم التالي، وجاء في المؤتمر الصحفي المشترك بينهما (قال الرئيس التركي - في مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس الإيراني حسن روحاني في أنقرة - إن من مصلحة البلدين تقليل الخلافات في الرأي بينهما للحد الأدنى، وأضاف أردوغان "يجب أن نعمل معا لتخطي مشكلات الإرهاب والطائفية والأزمات الإنسانية المتعلقة بالصراعات التي تهز منطقتنا". وقال إن البلدين يسعيان إلى تعزيز العلاقات، ورفعها من مجرد علاقات جوار إلى علاقات أكبر من ذلك..) بدوره قال روحاني إنه (يأمل أن تصل إيران مع تركيا أثناء فترة رئاستها منظمة التعاون الإسلامي إلى الأهداف التي يدعو لها الإسلام من تعاون. وقال إن بلاده قررت عقب مباحثاتها مع تركيا وتأسيس اللجنة العليا للتعاون الاستراتيجي اليوم، أن ترتقي بمستوى العلاقات الثنائية في كل المجالات، مشيرا إلى التكامل الاقتصادي بين البلدين...) (الجزيرة 16/4/2016)، ويظهر من الوجهين اللذين ظهرت بهما تركيا في مؤتمر القمة وبعده في لقاء روحاني بأن أمريكا تعوّل على تركيا لإدارة توازن "الخلاف" بين إيران والسعودية.
وقد آل الحال بالمسلمين إلى أن يكون اجتماع حكامهم لا يعود بالوبال إلا عليهم، وأن لا يتعاون الحكام أو يتفقوا إلا على محاربة دينهم والعمل على الحيلولة دون عودة المسلمين إلى عزهم ومجدهم ودولتهم التي هي دولة الخلافة على منهاج النبوة، وبدل أن تعود اسطنبول كما كانت عاصمة الإسلام ودولة الإسلام اتخذها حكام المسلمين وبخاصة عملاء أمريكا أردوغان وروحاني وسلمان عاصمة للحرب على الإسلام إرضاء لسيدتهم أمريكا، ولا يعلم هؤلاء أن الدائرة ستدور عليهم وستعود الأمة ولو بعد حين إلى سابق مجدها وعزها، وستعود اسطنبول بإذن الله كما كانت إلى حضن المسلمين لتمحو عار الحكام ومؤامراتهم.
رأيك في الموضوع