قال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، المترشح للانتخابات الرئاسية في 7 أيلول/سبتمبر القادم، إن "جيش بلاده جاهز بمجرد فتح الحدود بين مصر وقطاع غزة". وفي خطابه في اليوم الرابع من الحملة الانتخابية، قال تبون من مدينة قسنطينة: "لن نتخلى عن فلسطين بصفة عامة ولا عن غزة بصفة خاصة"، مضيفا: "أقسم لكم بالله، لو أنهم ساعدونا وفتحوا الحدود بين مصر وغزة... فهناك ما يمكننا القيام به". وتابع: "لقد قطعت وعدا. والجيش جاهز بمجرد فتح الحدود والسماح لشاحناتنا بالدخول، سنبني في ظرف 20 يوما 3 مستشفيات، وسنرسل مئات الأطباء ونساعد في بناء ما دمره الصهاينة". (صحيفة المرصد في 19/08/2024)
أكثر من عشرة أشهر من الإبادة المستمرة لأهلنا في غزة، ارتكبت فيها أبشع المجازر وأشدها وحشية ودموية في التاريخ الحديث ما تعجز اللغة ومفرداتها عن وصف هولها وفداحتها، ومع ذلك، فحكام المسلمين لا يحركون ساكنا، لا فرق بين من يجاور فلسطين ومن يبتعد عنها، كأنهم لا يرون ولا يسمعون ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ﴾، بل أمثلهم طريقة من يعُدّ الشهداء والجرحى والأماكن المدمّرة، أو يعقد اجتماعا صوريا لمجلس أمنه القومي، أو يطالب مجلس الإرهاب الدولي بالإسراع في المرور إلى "حل الدولتين" تلبية لرغبة أمريكا (الراعي الرسمي لجرائم كيان يهود)، خشية أن يجرف طوفان الأمة أنظمة مترنحة مرتجفة، من بينها أنظمة مصر والأردن والجزائر.
أكثر من عشرة أشهر، بأيّامها ولياليها الطوال، أُريقت فيها دماء الشيوخ والنساء والأطفال، واستُهدف فيها البشر والحجر والشجر، وحتى الدواب لم تسلم من جرائم القنص والاستهداف، فدُمّرت مربّعات سكنية بالكامل، وسقطت مئات المساجد والمستشفيات والمدارس، وانفجرت الدّماء من تحت الأنقاض، وجُمعت الأشلاء في أكياس، وعربد الكيان في المنطقة وعلا في الأرض علوّا كبيرا، وكأنه يستعجل تحقق وعد الآخرة، ولم نسمع من رئيس الجزائر أي جعجعة ولا مجرد كلمة عن دور الجيوش في نصرة غزة، بل تخلى جميع هؤلاء الرويبضات، حين انكشف تواطؤهم، عن مسرحيات القمم العربية والاجتماعات الصورية والبيانات الاستنكارية في انتظار أن تلقي الحرب أوزارها، وكأن الأرض المباركة ومسرى رسول الله ﷺ أمر لا يعنيهم، بل وكأن ما يحدث ليس حول أولى القبلتين وثالث المسجدين!
أما حين يتعلق الأمر بحملة انتخابية وتجديد عهدة رئاسية، فحكامنا لا يَتَخلّفُون عن الحروب الكلامية وركوب الموجة الشعبية، يتقنون فنون اللف والدوران واستجماع أسباب التجبر والطغيان وكل ما يثبت البقاء في السلطة ويقوي الشوكة والسلطان، لا فرق بين جعجعة تبون ولا عباس ولا أردوغان إلا بقدر الموالاة لكافر مستعمر قد يستبدل عميلا بعميل في أية لحظة، ومع ذلك يصر جميع حكام الملك الجبري على استحضار فلسطين كورقة متاجرة بين الأنظمة في سوق المزاودات الرخيصة ذرا للرماد في العيون، عسى أن يكسبوا ود شعوبهم ويدغدغوا مشاعر الأغبياء والسذج، ممن كان تخديرهم بمعسول الكلام وتنويمهم ببيع الأوهام سببا في حالة الذل والهوان التي جعلت أهل فلسطين يتجرعون لعقود مرارة الخذلان ونتجرع في المقابل شعورا مريرا بالعجز والقهر سببه غياب سلطان الإسلام، وثمنه إراقة دماء المسلمين في كل مكان، قبل أن تصبح غزة هي العنوان، ومقياسا لإنسانية الإنسان في زمن إمارة الصبيان. فأين سلطان العلماء العز بن عبد السلام ليبيع طلاب الرئاسة في سوق النخاسة؟
إن تصريحات رئيس الجزائر في هذا التوقيت السياسي واستفاقته المتأخرة جدا على وقع حملته الانتخابية هي متاجرة رخيصة بدماء الشهداء وآلام المستغيثين في غزة، والله سبحانه يقول: ﴿وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ﴾، وهي خيانة لا تقل عن خيانة الأنظمة العربية ومنها النظام المصري الذي يصمت عن جرائم الكيان صمت القبور، بل يهديه مقابل جرائمه محور صلاح الدين ليؤمّن نفسه من بطش الأمّة وتحرك "صلاح الدين" هذا العصر. ثم هل ينتظر تبون استكمال إبادة أهلنا في غزة حتى يرسل جيشه بحرا وجوّا؟ أم أن إرسال ناقلة بحرية جزائرية إلى لبنان محملة بشحنة من الوقود لتشغيل محطات الكهرباء وإطلاق وعود ببناء المستشفيات هو من باب تكفير ذنوب التعذر بغلق معبر عن خذلان فلسطين؟!
إن جميع الحكام شركاء في جريمة إغلاق الحدود بتكريس منظومة سايكس-بيكو المتعفنة وإجبار جيوشهم على حراسة الأقفاص الوطنية والأنظمة الوضعية التي تشترط على المسلم تأشيرة وجواز سفر لنصرة أخيه المسلم بدل تحقيق الأمن القومي للأمة وسيادتها على أرضها وثرواتها ومقدساتها، وفي مقدمتها مسرى رسول الله ﷺ.
وحاشا لرئيس الجزائر أن يحرك جيشه من أجل القتال وأن يُلهم جنوده التضحية والاستبسال، بل هو بصدد إقناعهم بأن بناء ثلاث مستشفيات هو انتصار في معركة وهمية! وهذا فوق أنه تعطيل للجهاد ذروة سنام الإسلام وإضعاف لدور الجيوش المطلوب شرعا، فهو اختزال لقضية تحرير بيت المقدس في مساعدات إنسانية ومهام إغاثية، وتضييع لبوصلة الأمة وجهودها. أي بدل أن تنصب هذه الجهود نحو رسم مسار التحرر النهائي من ربقة الاستعمار واستعادة سلطان الإسلام، تقع تجزئة قضاياها أمام اجتماع قوى التحالف الصهيو-صليبي وتداعيها على الأمة عن قوس واحدة أكثر من أي وقت مضى.
فهل حل مشكلة فلسطين بناء مستشفيات ومساعدات أم هي تحريك جيوش لقتال يهود واستئصال شأفتهم من الأرض المباركة؟ وهل هذا ما كان ينتظره المستغيثون ليشفي غليل صدورهم؟ هل هذا ما ينتظرونه وقد ظنوا أن نداءاتهم ستلامس نخوة المعتصم؟ ثم أليس لجيوش الأمة أساطيل بحرية وجوية تدك بها حصون أعدائها؟ أم أنها الخيانة العظمى التي تسربل بها حكام المسلمين؟
ختاما، فإن بين واقع الاحتلال المرير ولحظة التحرير قرار بإعلان الحرب، وإن تحرير الأقصى شرف لا يناله أشباه الرجال، وإن الجزائر بموقعها الاستراتيجي وثقلها الإقليمي وجيشها الأبي وأسطولها الحربي وإسلامها العظيم وتاريخها المشرق، قادرة بإذن الله وعونه متى توفرت الإرادة السياسية والإيمان الصادق بكلام الله أن تقلب المعادلة لصالح المسلمين وأن تجتث كيان يهود في فترة وجيزة، وهو ما سيظل حزب التحرير يذكر به جيوش المسلمين ويطرق به أبواب مسامعهم ومنها جيش الجزائر المسلم حتى يجد هذا الخطاب صداه وطريقه إلى قلوب الصادقين المخلصين من أهل القوة والمنعة، ممن يحدثون أنفسهم بالجهاد والغزو وينتصرون لغزة وفلسطين قولا وفعلا، فيُقاتلون زمرة المغضوب عليهم. قال تعالى: ﴿قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ﴾.
رأيك في الموضوع