أصدرت وزارة الخارجية وشؤون المغتربين الأردنية بياناً مشتركاً مع حلف الناتو حول قرار إنشاء مكتب اتصال لحلف شمال الأطلسي (الناتو) في المملكة، جاء فيه: "اعتمد الحلفاء في قمة الناتو (حلف شمال الأطلسي) لعام 2024 في واشنطن خطة عمل لتعزيز نهج التعاون في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لمواكبة تطورات المشهد الأمني الإقليمي والعالمي"، وقال البيان عن دور المكتب، إنه سيسهم بـ"تعزيز الحوار السياسي والتعاون في المجالات ذات الاهتمام المشترك بين حلف الناتو والأردن"، وإلى "إحراز التقدم المنشود في تنفيذ برامج وأنشطة الشراكة التي تشمل عقد المؤتمرات والدورات وبرامج التدريب في مجالات مثل التحليل الاستراتيجي، والتخطيط لحالات الطوارئ، والدبلوماسية العامة، والأمن السيبراني".
وصادفت هذه القمّة مرور 75 عاما على تأسيس هذا الحلف العسكري الدولي القائم على الهيمنة والتوسع والسيطرة الاستعمارية للغرب بقيادة أمريكا وأوروبا وإشعال الحروب المحلية والإقليمية وجعلت العالم في صراع وتوتر لا ينتهي، علما أنه كان قد تأسس بعد الحرب العالمية الثانية عندما وقعت 12 دولة مؤسسة على معاهدة حلف شمال الأطلسي عام 1949 بهدف حماية الدول الأوروبية من خطر الاتحاد السوفياتي آنذاك، وبعد أن انتهى حلف وارسو بسقوط الاتحاد السوفياتي، كان يجب أن ينحل، ولكن أمريكا حرصت على استمراره لإبقاء هيمنتها على الدول الغربية وخاصة الاتحاد الأوروبي وكذلك لاستخدامه ضد دول أخرى، وصنعت لاستمرار وجوده ذرائع، مثل (الحرب على الإرهاب) أي الإسلام، وبعد ذلك جعلت من روسيا والصين خصوما للحلف لتفعيل وتبرير بقائه فأصبح يضم اليوم 32 دولة.
وعقد حلف الناتو ما يسمى بالشراكات والتحالفات مع تفاهمات تكتلية مثل تفاهمات الشرق الأوسط وتحالف إسطنبول، وحتى شراكات متقدمة منفردة مع بعض الدول مثل الأردن، تحقق مصالح استراتيجية لحلف الناتو؛ الذي أصبح أداة استعمارية بيد أمريكا، وقد جاء في بيان قمة الناتو التي عقدت في ليتوانيا العام الماضي: "إن الشرق الأوسط وأفريقيا منطقتان ذات أهمية استراتيجية وسنعمل على تعميق مشاركتنا السياسية وتواصلنا في الدبلوماسية العالمية، مع شركائنا القدامى في الحوار المتوسطي ومبادرة إسطنبول للتعاون وإن الحلف ينفذ حُزم بناء القدرات للعراق والأردن وموريتانيا وتونس وأنه سيتم التواصل مع السلطات الأردنية لاستكشاف إمكانية إنشاء مكتب ارتباط للناتو في عمان".
أما عن دور مكتب الناتو في عمان فقد جاء على لسان الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ إن "الأردن يعتبر شريكا طويل الأمد وذا قيمة عالية بالنسبة لحلف الناتو"، لافتا إلى أن مكتب ارتباط الحلف في عمان سيرفع الشراكة الثنائية إلى مستوى جديد. وقالت الخارجية الأردنية إن إنشاء مكتب اتصال لحلف الناتو في عمّان يبني على ما يقارب ثلاثة عقود من العلاقات الثنائية العميقة.
وأشار المتحدث الإقليمي باسم وزارة الخارجية الأمريكية سام وربرج في مقابلة مع وكالة الأنباء الأردنية على هامش فعاليات قمّة الناتو، إلى أن بلاده تُقدّر الدور الحيوي الذي تلعبه المملكة بالنسبة للاستقرار بشكل عام في المنطقة، ونوه إلى أن الملك عبد الله الثاني ليس صديقاً للرئيس الأمريكي جو بايدن فحسب، بل لديه أيضاً أصدقاء في كل سلطات الولايات المتحدة سواء على صعيد الحكومة المركزية أو على صعيد الكونغرس.
هذه التصريحات للمسؤولين في الناتو وأمريكا تشير إلى أن النظام في الأردن يقوم بالدور المنوط به منذ تأسيسه ككيان وظيفي على يد بريطانيا وإلزام الحكم فيه للهاشميين، ومن ثم تعاونه الاستراتيجي الإذعاني أمنياً وعسكرياً واقتصادياً مع أمريكا، فعقد اتفاقية للدفاع المشترك معها وأقام لها القواعد العسكرية وسمح بتمركز الآلاف من القوات الأمريكية على أراضيه، ما يدل دلالة واضحة على أن النظام في الأردن قد قطع باعا طويلا في خدمة الأهداف الاستعمارية العدوانية للغرب المستعمر، وما صد الصواريخ الإيرانية التي أطلقت على كيان يهود إلا مثال على التعاون المنشود الممكن تصوره نتيجة تحالف النظام مع الغرب، والذي توج أخيرا بفتح مكتب للاتصال لحلف الناتو، لخدمة مصالحه في الهيمنة والسيطرة، وتسخير مقدراته الأمنية والعسكرية واللوجستية والسيبرانية، لتتفرغ أمريكا في مواجهة الدول الكبرى المنافسة لها مثل روسيا والصين، وغيرها من مناطق الصراع في العالم.
فقد توسعت أهداف هذا الحلف العسكري السياسي ليصبح أداة عالمية بيد الغرب وعلى رأسه أمريكا التي تهيمن على دوله الأعضاء في قراراتها وحربها على الخصوم مثل روسيا والصين وحشد الدول الإقليمية كشركاء وأصدقاء للحلف، لتحقيق مصالح الدولة الأولى في العالم، ويحدد مفهوم الناتو الاستراتيجي للعام 2022 (الإرهاب)، أي الإسلام، كأكثر تهديد مباشر للحلف. فحلف الناتو عدو للإسلام والمسلمين، حيث شارك في حروب على العراق وأفغانستان وليبيا والصومال واليمن، وهو حليف لليهود وكيانهم المسخ، وهو من يمده بالدعم والذخائر منذ عشرة أشهر في حرب الإبادة على أهل غزة، وبدل أن يقوم النظام في الأردن بنصرتهم بتحريك جيشه، يسخر قواته ومقدراته في التعاون مع حلف الناتو بفتح مكتب له في الأردن!
ليس هناك ما يقدمه حلف الناتو للأردن فهو ليس عضوا فيه، وليس لأهله المسلمين أعداء مشتركون، وإنما أعداؤهم هم كيان يهود وأمريكا وأوروبا، وهم الأعضاء الطامعون في حلف الناتو، وإن المستفيد من فتح مكتب للناتو إنما هو حلف الناتو نفسه، فقد جاء على لسان المتحدث الإقليمي باسم وزارة الخارجية الأمريكية سام وربرج "لا تأتي في إطار أن يُقدم الناتو شيئاً للأردن فقط، إنما دول الناتو لديهم الفرصة للتعلم من تجربة الأردن في مكافحة الإرهاب"، مشيداً "بالدور، الذي تلعبه المملكة منذ سنوات في الحفاظ على الأمن والسلام والاستقرار في المنطقة عبر كل المحاولات لمكافحة الإرهاب".
فما تقوم به الأحلاف العسكرية على أراضي المسلمين من تعاون أمني وسيبراني وتدريبات عسكرية مثل تدريبات الأسد المتأهب في الأردن منذ أكثر من عشر سنوات، وما تعقده من اتفاقيات أمنية وعسكرية للقواعد والمطارات والموانئ، يكسبها خبرة عملية ذات أهمية بالغة تنعكس نتائجها على أرواح ودماء وحرمات المسلمين، وتجعل لدول الكفر سلطاناً على أرض الإسلام، ما يؤدي إلى انتقاص سيادة الدولة على أراضيها، وذلك لا يجوز شرعاً لأنه يجعل للكافرين سبيلاً أي سلطاناً على المسلمين، وهذا ما يحرمه الإسلام، ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾.
لم يعد النظام في الأردن يستحيي من بيان تحالفه مع الغرب الكافر المستعمر، ولم يعد يكترث لسخط الأمة وأهل الأردن وغضبهم من انتهاك حرمات بلادهم، لتحقيق المصالح الاستعمارية الأمريكية مقابل بقائه في الحكم، ومشاركة حلف الناتو أخطر تكتل عسكري ضد البشرية أمر لا يجوز السكوت عليه، فالنظام يسخّر البلاد والعباد في سبيل الكافر المستعمر ومصالحه، بينما يتوق أهل الأردن للاستشهاد في سبيل الله نصرة لأهل فلسطين وغزة وكل المسلمين، وقد باتوا واعين على تخاذل حكامهم، مدركين أن دولة الخلافة على منهاج النبوة هي السبيل الوحيد للوقوف في وجه الأنظمة العميلة ودحر كيان يهود، والانعتاق من التحالفات الاستعمارية الكافرة. ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ﴾.
بقلم: د. خالد الحكيم
رأيك في الموضوع